الأسباب
والنتائج في حياتنا
المحرر ..
معلوم إن كل ما يحدث في حياتنا، إن كان
للفائدة أوالضرر، له أسباب أدت إلى حدوثه. فلا يمكن أن يحدث شئ من فراغ. ومن هنا
تكون الأسباب مرتبطة بالنتائج على طول الخط . وإرتباط الأسباب بالنتائج هو ناموس
طبيعي وضعه الله، ولابد من احترامه وعدم كسره، وإلا تكون العواقب وخيمة !.
وعلينا ان ندرك بأن كل ما نلاقيه في حياتنا، أيا كان نوعه، تقع مسئوليته بالدرجة الأولى
علينا، إن كان بصورة مباشرة، أو غير مباشرة..
أولاً: الأسباب المباشرة :
هناك من
يعتقدون بما يُسمى بـ " القسمة والنصيب " والذي يعني أن ما كُتب على
الإنسان لابد وأن يلاقيه حتماً. وأصحاب هذا الإعتقاد ربما يتخيلون إنهم بذلك
يكونون متكلين على الله، ولذا لا يحتاطون لأنفسهم. ولكنهم في الحقيقة هم عشوائيون
في تفكيرهم وسلوكهم. ولذا لا يطبقون على أنفسهم مبدأ الأخذ بالأسباب، ويتركون الأمور لتأتي بأية نتائج..
وهذا تواكل وليس اتكالاً على الله.. فالتكاسل والتقاعس عن أداء العمل، يُنتج الفقر والعوز.
والإسراف بدون حسـاب، وبنسبة تزيد عن الدخــــــــــــــل، يورث الخســــــــــــــــــارة
والعوز والديون، وعدم مراعاة قواعد الصحة في كل جوانبها، بما في
ذلك تعاطي المكيفات أو المسكرات بأنواعها، تكون نتيجته أمراضاً وأضراراً صحية
خطيرة وقد يصل الأمر إلى حد الوفاة ! كما قد يتسبب إهمال بسيط وغير مقصود إلى حدوث
كارثة خطيرة !.. وهكذا..
ولذا يتعين
علينا بما لدينا من من عقول منحها لنا الله، أن نميز بين الصالح والطالح من الأشياء، ونتبع ما هو في صالحنا، ونتجنب ما نراه ضاراً.
وعلينا أن نضع نصب
أعيننا هذا المبدأ الكتابي القائل: " الذكي يبصر
الشر
فيتوارى، والحمقى يعبرون فيعُاقبون
" (أم 22: 3 ). فليس من
المعقول أو المنطقي
أن نرى خطراً قادماً نحونا، ونقف ساكتين بدون عمل ماهو
مطلوب منا،. لتفادي هذا
الخطر، بحجة أن الله يستطيع حمايتنا. فنحن بذلك نجرب الرب. والكتاب يقول "
لاتجرب الرب إلهك " (مت 4: 7 ). ولا يجب ان ننسى هروب العائلة المقدسة
إلى مصر من أجل نجاة يسوع الطفل من بطش هيرودس، مع أن الله كان يستطيع حمايته بدون
هروب، ولا شك في ذلك !
ثانياً: الأسباب غير المباشرة:
إذا كان هناك من يعيش حياة مثالية في الإعتدال والإستقامة، روحياً
وجسدياً، ويطبق مبدأ الأخذ بالأسباب في كل شئ. ومع ذلك يعاني بلايا وتجارب متنوعة،
كالمرض أو الخسائر المادية أوالمشكلات الصعبة. ويبدو له وكانه يجني ثماراً لم
يزرعها، ويكون في حيرة من أمره بسبب معاناته هذه! فعليه مراجعة نفسه جيداً، فمن
المحتمل أن له يداً في ما يحدث له، وإن يكن بصورة غير مباشرة. فقد يكون في حالة
سداد لفواتير قديمة، كثمن لبعض الخطايا أو الإنحرافات التي حدثت في ماضيه. وقد
تكون منسية بالنسبة له. لأن الله صفح عنها وغفرها له، وأعطاه حياة جديدة.
لكن عليه أن يتذكر أن لكل زرع حصاد لابد منه.. نعم الله يصفح عن ذنوبنا،
فلا نهلك هلاكاً أبدياً، ولكنه لن يبرئنا من آثارها السيئة.
فقد قيل عن الله:
" غافر الإثم والمعصية والخطية، ولن
يُبرئ الإنسان إبراء ". (خر 34: 7) وقيل عنه أيضاً:" لأن الله يطلب ما
قد مضى " (جا 3: 15 ).
وهذا ما عناه أيوب بقوله للرب: " لأنك كتبت عليّ أموراً وورثتني
آثام صباي " (أي13: 26 ). لاحظ إن آثام الماضي من حياة أيوب، وبعد أن صار
رجلاً كاملاً ومستقيماً يتقي الله ويحيد عن الشر، قد استدعى له الله هذا الماضي المشين، وجعله يحصد نتائجه في سن
الكبر!. ( ولا أعني هنا إن كل ما جاء على أيوب من كوارث كان نتيجة لآثام صباه، بل
يُحتمل وجود أسباب أخرى في قصد الله، لانعلمها ).. أن حدوث النتائج لما نعمله، إن
كان خيراً أو شراً، هو أمر حتمي، وسيــــــــــتم ولو
بعد زمن طويل" لأن كل واحد سيحمل حمل نفسه
" (غل6: 5 ) ومع ذلــــــــــــــك فالرب يؤدب
أولاده، ولكن إلى الموت لايسلمهم.(118: 18). والرب أيضاً
ينجيهم من جميع البلايا التي تأتي عليهم ( مز 34: 19). هذا بخلاف الأشرار الذين
يأتي عليهم القضاء الإلهي بدون رحمة. " كثيرة هي نــكبات الشرير
" ( مز 118 10).
بل كثيراً ما يكون قضاء الله على الأشرار نهائياً،
بازالتهم من الوجود..
حقاً أن ما
يعمله الإنسان، إن كان خيراً أو شراً، لابد
وأن يجني ثماره. فإن لم يكن بصورة سريعة ومباشرة، سيكون بصورة غير مباشرة !
ثالثاً: لكل قاعدة استثناء:
رب قائل يقول: ولكن توجد حالات لا ترتبط فيها
الأسباب بالنتائج، فعلى سبيل المثال، ممكن نجد رجـــــــــــــالاً طاعنين في
السن،وهم يدخنون منذ صباهم. ومع ذلك لا يبدو عليهم أنهم يعانون من أية أمراض ترتبط
بالتدخين! كما يمكن أن نجد بعض الأمهات اللواتي لا يعتنين بأطفالهن عناية صحية
سليمة، ولكن مع ذلك فالأطفال أصحاء أكثر من غيرهم ! وعلى الجانب الأخر نجد إنساناً
ملتزماً منضبطاً في كل شئ، سلوكياً واخلاقياً.ومع ذلك تكون حياته مليئة بالضيق
والضنك في نواحِ كثيرة منها.. فكيف نفهم معنى ربط الأسباب بالنتائج والحالة هكذا
؟!
أقول نعم،
هذه الأمور وأمثالها، تبدو غير منطقية، وتضع أمامنا علامات استفهام كبيرة، محيرة ! ولكن علينا أن ندرك أن لكل قاعدة
إستثناء. فإن كانت القاعدة تقول: أن لكل فعل رد فعل، فهناك بعض الحالات التي
تُستثنى من هذه القاعدة. ولا يمكن أن نجد لها تعليلاً عاماً يصلح لها كلها. فذلك
يختلف باختلاف كل حالة عن الأخرى.. وكل ما يمكن قوله هو
إن إلله هو المسيطر على كل
الأمور. وإذا لم يعط الإذن بحدوث شئ فلن يحدث، حتى مع توفر أسباب حدوثه ! وليس لنا
أن نسأل لماذا يحدث إستثناء من القاعدة
التي وضعها هو. فهو، تبارك اسمه، يعمل ما يشاء. وكل أعماله تتفق مع عدله وحكمته
وإرادته الصالحة !!
عزيزي القارئ..
عليك أن تتبع القاعدة العامة، وليس الإستثناء.. اعمل
ماعليك، واترك الباقي على الله الذي بيده كل الأمور، فاذا تحقق لك ما تتمناه،
فاشكر الله على فضله، وإذا لم يتحقق لك مناك، فاشكر الله أيضاً لأن له قصداً
سامياً في ذلك. وسوف تكتشف في النهاية معنى ما قاله المسيح لبطرس: " لست
تفهم الآن ما أنا اصنع، ولكنك ستفهم في ما بعد " (يو 13: 7 )