القس / عزيز مرجان ..
رئيس المجمع الخمسينى بمصر..
"ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشًا عَظِيمًا أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ، الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!" (رؤ11:20).
لقد رأى يوحنا سابقاً عروشاً، لكن لأول مرة يرى هذا المنظر العظيم، العرش الأبيض.. ويذكره دانيال بالقول : "وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ" (دا9:7) فهذا العرش يتميز عن العروش التى رآها يوحنا. فنستطيع أن نسميه : "عرش الدينونة" ومعروف أن الدينونة أُعطيت للابن المبارك، كما هو مبين فى (يو22:5) فيكون الجالس على العرش هو الابن، يسوع المسيح، الذى سيجلس ليحاكم الأموات والأحياء، الصغار والكبار.. وهروب السماء والأرض من وجهه سيحدث عندما يصنع الرب سماوات جديدة وأرضاً جديدة. ويقول عنها الرسول بطرس فى (أع21:3) انها "أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ" أى تعود الأرض والسماء إلى سابق عهدهما، فهذا الهروب للأرض والسماء، ليس هروباً حرفياً، لكنه كما يقول فى (رؤ1:21) "ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا"، فنفهم أن معنى هروب السماء والأرض انه تغيير سيشمل العالم كله، لبداية ملك روحى فى السماء والأرض، لتتم الصلاة الربانية : "ليأت ملكوتك، كما فى السماء كذلك على الأرض"..
"وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ، وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ" (رؤ12:20).
قد وضح الآن أن العرش الأبيض هو عرش الدينونة العظيم الذى سيقف أمامه جميع الذين كانوا أمواتاً فى قبورهم، من أول تاريخ البشرية، الى ما بعد الملك الألفى. والأحياء أيضاً الذين كانوا فى الملك الألفى. أما الكنيسة فهى ستكون مع المسيح، ولن تقف فى هذا الموقف، لأنه كان لها الأكاليل أمام كرسى المسيح سابقاً، وليس أمام العرش العظيم الأبيض، كما هو مكتوب فى (2كو10:5) "لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا". وهذا سيتم قبل الملك الألفى، وليس بعده، عندما قام فى القيامة الأولى الأموات الذين رقدوا فى المسيح ..
أما آيتنا فنتحدث عن القيامة الثانية، وهى قيامة الدينونة، التى بعد الملك الألفى .. يقول : إنفتحت أسفار وأنفتح سفرآخر. ويظهر هنا نوعان من الأسفار، فالنوع الأول : الأسفار التى فتحت، والنوع الثانى : هو سفر الحياة، وهو يختلف عن الأسفار التى تسبقه .. وبعض المفسرين، لسفر الرؤيا. تجاهلوا وجود سفر الحياة هنا، إذ قالوا أن كل الذين قاموا فى القيامة الثانية هذه هم الأشرار، لكننا نرى أن وجود سفر الحياة يُظهر حقيقة إن هولاء الواقفين أمام العرش الأبيض أسماؤهم مكتوبة فى هذا السفر، وهم جماعات مختلفة :-
* الجماعة الأولى : المؤمنون الذين ليسوا على مستوى القيامة الاولى، بل أذاهم الموت الثانى كما هو مبين فى (رؤ11:2) فقد جاء قول الرب : "مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِي" فهؤلاء إنغلبوا فآذاهم الموت الثانى، ولم يحظوا بالقيامة الأولى مع الغالبين.
* الجماعة الثانية : أتقياء العهد القديم، الذين لم يكونوا على مؤمنى العهد القديم الذين كانوا ينظرون إلى المدينة التى لها الأسا سات.
* الجماعة الثالثة : المتخلفون عقلياً والمعاقون ذهنياً، الذين لم يدركوا بعقولهم كلمة الله، والإيمان الذى يؤهلهم ليكونوا ضمن الكنيسة.. هؤلاء توجد أسماؤهم فى سفر الحياة، لكن ُملكهم سيكون فى الأرض الجديدة..
أما الأشرار فاسماؤهم فى "الأسفار" حيث قيل : "وانفتحت أسفار" ثم يضيف الرائى : "ودين الأموات مما هو مكتوب فى الأسفار، بحسب أعمالهم" ثم يقول أيضاً فى (رؤ15:20) "وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ"، أى أن الموجود اسمه فى سفر الحياة، لم يُطرح مع الأشرار، فى بحيرة النار، بل له حياة أخذها من الله. وان وجود سفر الحياة هنا فى القيامة الثانية، برهان قاطع على انه يوجد مؤمنون ستكون أسماؤهم مدونة فى سفر الحياة..
"وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ" (رؤ13:20).
هنا تظهر الدينونة بحسب الأعمال، إذ بعدما سلم البحر أمواته، الذين ماتوا غرقاً فى داخله. والموت والهاوية أيضاً سيخضعان الآن لسلطان ابن الله، وهما شخصان سيطرحان فى جهنم بعد القبض عليهما، وعندما سلما الأموات، دين الأموات حسب أعمالهم. وعندما نفكر فى الجملة التى تقول : "ودينوا كل واحد بحسب أعماله" نخرج بحقيقة مهمة هى : كما أن نجماً يمتاز عن نجم فى المجد، وأيضاً فى الأرض الجديدة سيكون هناك إمتيازات بحسب أمانة كل واحد وخدمته للرب، لأن الله عادل، ولا ينسى تعب المحبة. أيضاً فى بحيرة النار ستكون الدينونة بدرجات متفاوتة. ولا ننسى إنه يوجد أناس من البعيدين عن الرب أمناء فى أعمالهم، مسالمين لا يحبون الشر، ولا يسيرون فى طريق النجاسة.. وتحتار عندما تراهم، فلا تقدر أن تحكم.. وسنترك الحكم لصاحب الحكم وحده، لأنه يقول هنا "بحسب أعمالهم".
"وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" (رؤ14:20).
تحدثنا سابقاً أن الموت كائن حى، والهاوية أيضاً. وقد تمثل الموت فى شكل ملاك، عندما فُتح الختم الخاص بالفرس الأخضر فى (رؤ8:6) والهاوية أيضاً، بالرغم من أنها مكان، لكن يذكر عنها انها سُتطرح، فنفهم أنها كائن أيضاً. وجاء الوقت لإنتهاء خدمة الموت وملاكه، والهاوية وملاكها. والموت مذكور عنه أنه آخر عدو يبطل. وتأتى الأنشودة : "أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية؟".. فلا عمل للموت أو للهاوية بعد ذلك. لأن الرب سيقضى، فى الدينونة الأخيرة، على الموت والهاوية، ويطرحهما فى بحيرة النار، وهو الموت الثانى..
"وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ" (رؤ15:20).ذا يظهر تمام المحاكمة من الجالس على العرش، إن كل واحد ذهب إلى مصيره، والذى لم يوجد اسمه فى سفر الحياة طُرح فى بحيرة النار، فلا نقدر نحن أن نستخدم عواطفنا إذ كانت الفرصة أمام الناس قبل أن يجلس الرب على العرش الأبيض، لكن الآن أُغلق الباب. وما كُتب فى الأسفار، كُتب بيد الله، وعلى كل من يقرأ هذه الكلمات، ولم يكن اسمه مكتوباً فى سفر الحياة، يسرع لكى يُدون اسمه فى هذا السفر، فالرب الآن هو الشفيع والمحامى وفاتح أبواب الرحمة والنعمة والمحبة ليقبل كل من يأتى إليه بالإيمان، لينال الحياة ويُكتب فى سفر الحياة. أما فى ذلك اليوم، وهو يوم الدينونة، ستغلق تلك الأبواب، ويجلس الرب قاضياً عادلاً حاكماً ..