أوصاف كنيسة المسيح
المحرر
كنيسة المسيح الحقيقية هى التى تضم جماعة المؤمنين الحقيقيين. وهؤلاء المؤمنون لهم إتجاه عام يجمعهم معاً فى إطار واحد، رغم أنهم موزعون بين مذاهب مختلفة. وهذا الإطار الواحد هو الذى يجعل منهم كنيسة واحدة مقدسة يرتبط بها المسيح بروحه القدوس الساكن فيها، مكوناً منها جسده المقدس.. وفيما يلى أبرز الأوصاف التى تميز كنيسة المسيح :
(1) تطبيق مبدأ الوحدة :
وهى الوحدة التى طلب من أجلها الرب يسوع فى صلاته الشفاعية قائلاً : "وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ (أى تلاميذه)، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، 21 لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي" (يو20:17-21).
وهذه الوحدة تقوم فعلاً بين المؤمنين الحقيقيين، أعضاء جسد المسيح، الذى مع تنوع أعضائه فهو واحد (1كو12:12-22) .. وهؤلاء المؤمنون لا تضمهم إحدى الطوائف، بل هم منتشرون فى طوائف ومذاهب مختلفة، ولكن المحبة الأخوية تربط بينهم والاتفاق على أسس الإيمان القويم يوحد كلمتهم، حتى مع وجود بعض الإختلاف والتنوع فى الأفكار والمفاهيم بينهم، لأنهم يرونها فرعية وليست أساسية. والمهم انهم مبنيون جميعاً على الإيمان الأقدس، المسلم مرة للقديسين (يه3).
ولكن من المؤسف حقا أن يكون من بين القادة، أو الأتباع لمذاهب مسيحية معينة، من تسودهم روح الحزبية والتعصب الى حد عدم الإعتراف بالمذاهب الأخرى. وهو أمر محزن للغاية، ويتعارض مع رغبة المسيح أن نكون جميعاً واحداً .. هؤلاء هم المتشددون المتزمتون المغالون فى تقديرهم لأنفسهم ولعقائدهم. ويرفضون المشاركة والتواصل مع الأخرين، من أجل دعم وحدة الكنيسة .. حقا انهم دعاة تفرقة وتمزيق لجسد المسيح الواحد ..
2- العبادة الروحية :
وهى العبادة التى وصفها المسيح بأنها بـ "الرُّوحِ وَالْحَقِّ" (يو24:4) ووصفها الرسول بولس بالقول : "ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً" (رو1:12). وحتى تكون العبادة على هذا المستوى الروحى المطلوب، فذلك يكون بعمل الروح القدس فى قلوب المؤمنين العابدين. ولكن هناك من يتصدون للروح القدس، ويقيدون نشاطه، ولا يسمحون له بالإظهارات التى للمنفعة (1كو7:12) بحجة أن هذه الإظهارات كانت فى الماضى وانتهت إلى غير رجعة .. وهم بذلك ينزعون من العبادة روحانيتها وفاعليتها ..
نحتاج الى إفساح المجال لروح الله، ليعمل بقوته معطياً إنطلاقة تكسر القوالب الجامدة، والروتين الممل، والأنماط الثابتة من العبادة، والصلوات المحفوظة والمتكررة والتى تخلو من الطاقة الروحية المحركة .. نحتاج الى العودة لبساطة وقوة الكنيسة الأولى، بما فيها من طاقة روحية هائلة، تعمل عملاُ عجيباً فى حياتنا وكنائسنا..
3- السعى لربح النفوس للمسيح :
كنيسة المسيح الحقيقية هى التى يتثقل أفرادها، على إختلاف إنتماءاتهم المذهبية، بربح النفوس للمسيح. ويكون ذلك ببذل الجهود للإتيان بالبعيدين إلى حظيرة المؤمنين، لأن سيدنا، تبارك اسمه، كانت رسالته هى "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (لو10:19) وهذه الرسالة يتثقل بها خدام وقادة غيورون، فلا يدّخرون جهداً فى سبيل الكرازة والتبشير بانجيل المسيح .. وأولئك هم الذين وضعهم الرب فى كنيستة للقيام بمهمة التبشير. فمن ضمن الفئات التى أهلها المسيح للخدمة فى الكنيسة فئة "المبَشِّرِينَ" (أف11:4).
وكان العمل التبشيرى، منذ بداية الكنيسة، هو المنهج الذى سار عليه أتباع المسيح، فكرزوا بالكلمة حتى فى أسوأ الظروف، إذ كانوا محمولين بقوة الروح القدس، فلم تثنهم الإضطهادات عن أداء الرسالة التى كلفهم بها سيدهم.. ولذا جاء عن الذين تشتتوا من جراء الإضطهاد هذا القول: "فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ" (أع4:8) .. حقاً أن ربح النفوس للمسيح هوالرسالة العظمى للكنيسة ..
4– الصلاة الحارة :
من سمات الكنيسة الحقيقية أن تخرج منها صلوات حارة ومستمرة لطلب وجه الرب .. وحقا ما أشد الحاجة الى الصلاة، على مستوى الجماعات والأفراد، أقتداءً بسيدنا المبارك، الذى كان يقضى الليل كله فى الصلاة، وعلمنا قائلاً : "ينبغى أن يصلى كل حين ولا يمل".
والروح القدس، بسكناه فى المؤمنين، هو الذى يدفعهم للصلاة، مبعداً عنهم كل ملل، ويدخل بهم الى عرش النعمة، ويقود صلاتهم متشفعاً فيهم (رو26:8-27) لتكون للصلاة قوة وفاعلية، ولها نتائج مباركة، فتبعد عن الكنيسة وعن شعب المسيح كل مخططات ابليس الشريرة، بل وتعمل على هدم مملكته، وتعطى الكنيسة بنياناً ورفعة وقوة لخلاص وتحرير أسرى الشيطان الذين أقتنصهم لإرادته.
هذه هى ابرز ملامح كنيسة المسيح، جماعة المؤمنين المفديين بدمه الكريم، المملوئين من روحه القدوس. فالروح هو الذى يعطى الكنيسة نجاحاً فائقاً، وجمالاً باهراً، إلى أن يأتى عريسها المبارك ليأخذها إليه. وهى مجيدة وبلا عيب أو غضن أو دنس (أف27:5).