" وستمتحن النار عمل كل
واحد ما هو "
( 1 كو 3 : 13 )
القس
/ عطية كامل
حدثت مشكلة كبيرة في كنيسة كورنثوس قديماً، فلقد
إنقسم الناس إلى شيع وأحزاب، وصار فيهم حسد وخصام
وإنشقاق ، فقال أحـــــــــــدهم : أنا لبــــولس ( مؤسس الكنيــــسة فى كورنثوس ) ( أع 18 : 1 ـ
17 ) وقال آخر : إنه لأبــــــــــولس ( وهو رجل فصــــــــــيح مقتـــــدر فى
الكتب ) (أع 18 : 27 ،
28 ) ونسب البعض أنفسهم لصفا. وأما الـمدهش فــــــــــهو إدخـال المــــسيح نفسه فى هذا
الإطار ، حينما قال البعض إنــــــــــــهم للمســـــــــيح ) (1كو 1 : 12 ) . وهكـــــــــــذا حشر البشر المسيح
وثلاثة من أروع خدامه في خلافاتهم وخطيتهم!!
فلم يكن هؤلاء الأفاضل طرفاً فى هذا النزاع
ابداً ، ولا المسيح بالطبع . ولكنها الكبرياء التى جعلت الكنيسة على حافة الإنهيار
. وكان المؤمنون يقاومون المؤمنين . ودب الحسد والخصام والتذمر والنميمة.. بإختصار،
كانت الكنيسة مهددة ، ممزقة ، تنزف ألماً !! وتنقسم إلى مجموعات فى نزاع دائم
ومنافسة خطيرة وخصومات شديدة، على عكس ما أراده لها المسيح من وحدة ووئام ومحبة
وسلام..
إن صرخة بولس المدوية :" هل انقسم المسيح ، ألعل بولس صُلب لأجلكم
، أم باسم بولس إعتمدتم ؟!"(1كو 1 : 13 ) كانت هى رده الأولي على هذا
الذي حدث ولكن رده القوي وإعلانه الرهيب جاء في الأصحاح الثالث مــــن الرسالة الأولى
إلـــــى كورنثوس . وهذا ما نتناوله ، بمعونة الرب ، فى السطور القادمة ..
بداية هذا الأصحاح يعلن الرسول حقيقتين هامتين وهما : إنه أحجم عن تقديم ما
لديه من حقائق ثمينة وإعلانات سماوية مباركة لهذه الكنيسة ، لأنهم ، ورغم مواهبهم
الكثيرة ، كانوا جسديين ، لا يستطيعون هضم الطعام القوي ، ولا فهم التعاليم الأعمق
، لذا إكتفى الرسول بتقديم الحقائق الأولية فقط كلبن لأطفال ، وكانت علامات
جسدانيتهم هي الحسد والخصام والإنشقاق ، وقول أحدهم إنه لبولس ، وآخـــر إنه
لأبولس (كو 3:1-4 )... ورغم
أن رجال الله هؤلاء لم يكن لهم أي دخل بهذه الإنقسامات ، ولا هذا الجدال ، إلا أن
الرسول يعلن بالروح القدس أن خدام الله هم مجرد عمال يعملون معاً عند الله . لا
يتنافسون . بل يكمل أحدهم الآخر . فهناك من يغرس ، وهناك من يسقي . وهي أعمال هامة
وضرورية . لكن الحياة تأتي من الله ، فلا الغارس شيئاً ولا الساقي ، بل الله الذى
يُنمي .(1 كو 3 : 7 ) ولكن أتعاب الخدام لن تذهب هباءً لأن كل واحد
سيأخذ أجرته بحسب تعبه ، وليس بحسب نجاحه . فربما ، وكما يقول جون وسلى ، يكون للواحد
حظه الضئيل من النجاح في الخدمة ، ومع ذلك تكون له مكافأته الأكبر. فالنتيجة ليست
مهمة الخادم ، بل هي عمل الله ، وما الخدام إلا أداوت ووسائل يستخدمها كيفما شاء..
الخدام قنوات تجرى فيها نعمة الله . هناك
، كما يقول هول - وحدة وتنوع بين خدام الله ، ولكن ليس هناك خصومة ولا تنافس مدمر
بينهم !! كما أن توزيع العمل مهمة الرب . نعم يقول الرسول، إن الخــــــــــــــــدام هــــــــــم
عمــــــــــــال الله يســــــــتخدمهم كمـــــا يشــــــــــــــــاء ، وليـــــــــــــــــــس
لأحـــــــــــــــــــــــــــــد أن يستعلي على الاخر او ينافسه،
بل يعمل الجميع في وحدة وسلام لأن الحقل يتسع
للجميع، ولا مجال للغيرة هنا، أو الحسد .. ولكن بما أن أتعاب خدام الله ليست واحدة
، فبعضهم يعانى أتعاباً مريرة وأخطاراً شديدة ، أو جوع وعري وجلد وسجن ، وبعضهم قد
لا يعاني مطلقاً . بعضهم يتنازل عن حقوقه ، وبعضهم قد يطالب بها . بعضهم يرفع وجهه
دائماً نحو السماء، وبعضهم يستجدي معونات البشر . بعضهم قد لا تظهر خدماتهم للناس
ابداً ، وبعضهم يهمهم دائماً رأي البشر فيما يفعلون . وهكذا ..
ومن أجل هذا عيّن الله يوماً لفحص أتعاب الخدام لكشف معدنها ، وإظهار
أصالتها وستنكشف طبيعة عمل كل واحد ما هى. وفي هذا يقول الرسول: " وستمتحن
النار عمل كل واحد ما هو" ( 1 كو 3 : 13 ) . إن نيران الفحص الإلهي ستبين
نوعية كل خدمة ، وهدف كل تحرك . ويقول ف . ب . هول على الصفحة 88 من كتابه "
الرسائل المبكرة" طبعة 2005 ما يلي
:" وكم ستكون خسارتنا إذا خرجنا من نار الفحص عرايا وتجردنا من كل ما كسونا به أنفسنا كثمرة لعملنا هنا.. نعم ونعم كم سيكون هذا الفحص
كاشفاً ، حيث يقول الكتاب :" إن احترق عمل أحد ، فسيخسر ، وأما هو فسيخلص
ولــــــكن كما بنار " ( 1 كو 3 : 15 ) موضحاً أن أعــــمالاً ستتلاشى ،
وخدمات ستفنى وستنكشف السرائر ، وتتضح الأهداف. وسيخرج البعض فائزاً ، لأن أعماله
كانت ذهباً أو فضـــــــــــــة أو حجارة كريمة . فالنار الإلهية سوف تعلن صفة
العمل الذى أنجزناه هنا ، وتوضح أهدافه ، وسيبقى ما هو سماوي فقط ، ويكافأ صاحبه .
وستنهار التعاليم الرديئة ، والخدمات الباطلة. فكل ما هو خشب أو عشب أو قش ،
سيحترق ليظهر لصاحبه فى يوم الخجل أن خدمـته لم تكن سماوية المصدر، ولا إلهية
الهدف، بــل كانت باطلة، مصدراً وهدفاً..
يقول الكتاب : إن صاحب الأعمال المحروقة سيخسر . وهذا ليس سهلاً ، فى موقف
الفحص هذا ، حيث يقف الإنسان خجلاً نادماً قدام الله وقد ضاع كل أجر. ويرى أن
خدمته كلها قد رُفضت واحترقت ، عندها
سيعرف معنى الآية التى تقول : " انظروا إلى أنفسكم لئلا نضيع ما عملناه ،
بل ننال أجراً تاماً " ( 2 يو 8 ) وستنفتح العيون متأخراً على الآية التـــــي
تقول :" والآن أيها الأولاد اثبتوا فيه حتى إذا أظُهر يكون لنا ثقة ، ولا
نخجل منه فى مجيــــئه "( 1يو 2 : 28 ).
نعم إنها لحظة ستضيع فيها الأعمال ، وتتزعزع فيها الثقة الكاذبة ، ويرافـــــــــــق
البعض خجل أبدي ، وإن كانوا سيخلصون ولكن كما بنار .. إن العدالة الإلهية ، والتى
تقول أن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه ، ترفض قول القائلين بتساوي الجميع فى
الأجر، أو المكانة . وأما القول بجلوس الجميع على العروش مكللين ، فهو من قبيل
الأماني الزائــــفة وتعـــــــــاليم الضلال. فالكتاب يقول : إن كل واحد فى
رتبته سُيحيا .(1كو 15 : 22 ، 23) . والرتــــــــبة الأولى ستكون للساهرين
المدققين بالتأكيد.. نعم سيخلص أصحاب الأعمال المحروقة، ولكن كما بنار .. وهذا قد
ندرسه معاً يوماً ما ..