أساسيات
الإيمان ( 8 )
التكلم
بألسنة
اسحق جاد اسحق
وهنا لنا وقفة مع أحد الإظهارات التى يعطيها
الروح القدس وهى " الألسنة " وهذه قد ثار حولها جدل كبير ، وانقسمت
الأراء بشأنها بين مؤيد لإستمرارها ، وبين معارض بل ومهاجم لإستمرارها .. ولابد من
إيضاح الكلام الذى جاء فى الإنجيل بشأنها ...
بداية لابد من إيضاح أن التكلم بألسنة ، منه ما هو " علامة "
لأزمة لحلول الروح القدس ، كما عرفنا فيما سبق ، ومنه ما هو " موهبة "
تدوم مع من تُعطى له . وهذه ليست لكل المؤمنين المعمدين بالروح ، بل للبعض منهم ،
وهى إحدى المواهب التسع الواردة فى ( 1 كو 12 :0 1 )
1ـ هل كانت الألسنة للتبشير بالإنجيل ؟
هناك رأى ينتشر بين منكرى إستمرار
الألسنة إلى الآن ، مفاده أن الألسنة التى تكلم بها المؤمنون فى يوم الخمسين ،
كانت
* جاء عن الألسنة بأنها كانت ، إما بعظائم الله ، أو بتعظيم الله : ففى
ألسنة يوم الخمسين ، جاء عنها القول من الذين سمعوها ، وهم يهود من جنسيات ولغات
مختلفة ،" .. نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله " ( أع 2 : 11 ) .
وكذلك المتكلمون بألسنة فى بيت كرنيليوس قيل عنهم : " يتكلمون بألسنة ويعظمون
الله " ( أع 10 : 46 ) . وهذا يعنى أن التكلم بلغات فى الحادثتين لم يكن
موجهاً إلى أحد من الناس ، بل كانوا فى الأولى يتحدثون بعظائم الله ، أى الشهادة
عن أعماله العظيمة والإشادة بها ، وفى الثانية كانوا يعظمون الله ، أى الصلاة والتسبيح
لرفعاسم الرب وتعظيمه . ولا توجد أى إشارة للكرازة بالإنجيل
..
أما الكرازة
بحق فهى التى قام بهابطرس فى يوم الخمسين لجمهور
اليهود المحتشدين أمامه، كلمهم بلغته المحلية التى كان يعرفها هؤلاء اليهود ، وهى
الأرامية .. هذا وقد ذكر التاريخ أن بطرس كان يصطحب معه مرقس كمترجم له ( كتاب
البراهين الكتابية والتاريخية على داوم مواهب الروح المعجزية :تأليف القس عطية جيد
، ص 82 ). فلو كان بطرس قد اكتسب لغة أو لغات أخرى ، لينادى بها بانجيل المسيح
فلماذا احتاج الأمر الى أن يصطحب مرقس ليترجم له ؟
2ـ هل كان المتكلم بلسان آخر يفهمه ؟
هناك من
يزعمون أن المتكلم بلسان آخر كان يفهمه . لكن هذا غير صحيح ، لأن المتكلم بلسان
آخر ، يتكلم من خلال روحه الإنسانية ، وليس من خلال ذهنه . وهذا ما عناه الرسول بقوله : " إن كنت أصلى بلسان
، فروحى تصلى ، وأما ذهنى فهو بلا ثمر " ( أى بلا إدراك ) . ( 1 كو 14 : 14 )
. وهنا يبين لنا أن الذهن والروح مختلفان ، حيث أن الصلاة بالروح تخرج الى الله
مباشرة بدون وعى من جانب المصلى لما يقوله ، اما الصلاة بالذهن فهى التى تُفهم , ولذا يستطرد الرسول قائلاً:
:" أصلى بالروح وبالذهن أيضاً ، أرتل بالروح وبالذهن أيضاً " وذلك ليبين
انه يوجد فرق بين الروح والذهن ..
ثم لو كان المتكلم بلسان آخر يفهمه ، فلماذا
يقول بولس الرسول : " لذلك من يتكلم بلسان فليصل لكى يترجم " ( 1 كو 14
: 13 ) , فلو كانت اللغة التى يتكلم بها مفهومة عنده ، لماذا لا يقدم رسالته إلى
الكنيسة بلغتها ، ولماذا يحتاج الأمر إلى رفع صلاة منه لكى يعطيه الروح القدس
ترجمة ؟ !
والقائلون بالرأيين سالفى الذكر ، يهدفان من
وراء ذلك إلى إنكار إستمرار الألسنة إلى وقتنا الحاضر ، فبالنسبة لقولهم بالألسنة
الكرازية ، فهذا يعنى(فى نظرهم) إنه لم تعد هناك حاجة لها الآن ، لأن الإنجيل قد
بُشر به بلغات العالم المختلفة يوم الخمسين .. وبالنسبة للقول أن الألسنة كانت
مفهومهة للمتكلمين بها ، فذلك يعنى ( عند أصحاب هذا الرأى) ـ إن الألسنة الحالية
هى مجرد "رطانة " بلا معنى ، طالما هى غير مفهومة لمن يتكلم بها .. وقد
تم تنفيذ هذين الرأيين فيما سبق .
3 ـ لماذا التكلم بألسنة ؟
كل عطايا الله صالحة ، ولها أهداف سامية
مباركة . وعطية الألسنة من روح الله للمؤمنين لها أهداف مباركة . ولذا أوصانا
الكتاب قائلاً :" ولا تمنعوا التكلم بألسنة "( 1 كو 13 : 39 ) وذلك لما
لها من فوائد عظيمة للأفراد والكنيسة ، وفوق كل شئ تمجيد اسم المسيح :
* " المتكلم بلسان يبنى نفسه " (
1 كو 14 : 4 ) وبناء النفس يتم بما قاله الرسول بعد ذلك وهو :" ولكن إن لم
يكن مترجم فليصمت فى الكنيسة . ويكلم نفسه والله " ( 1 كو 14 : 28 ) وبهذين
الأمرين ، أى كلامه مع نفسه وكلامه مع الله ، يبنى المؤمن نفسه . وروح الله الساكن
بداخله هو الذى يتحدث إلى نفسه ( بلغة أخرى ) حاملاً لها الفرح والتعزية والتشجيع
. ويكلم الله بالصلاة ، التى قيل عنها :" لأننا لسنا نعلم ما نصلى لأجله كما
ينبغى ، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها " ( رو 8 : 6) ( بأنات
لا يُنطق بها ، أى بلغة غير مفهومة بالنسبة له ) . فهو " بالروح يتكلم بأسرار
" ( 1 كو 14 : 2 ) وبذلك يُبنى بناءً روحياً صحيحاً ومتيناً ..
* والكنيسة تنال بنياناً ، إذا تمت ترجمة الألسنة . وهذا ما
قاله الرسول :"
لأن من يتنبأ أعظم ممن يتكلم بألسنة ، إلا إذا ترجم حتى
تنال الكنيسة بنياناً " ( 1 كو 14 : 4 ) فالكنيسة تُبنى عندما تأتيها رسالة
بلغتها من الروح القدس مباشرة . قد تكون رسالة تشجيع ، أو عتاب أو توبيخ ، أو
تحذير . ألخ، حسب حالة كل كنيسة .. وهذه تصب فى اتجاه البناء الروحى لجماعة
المؤمنين .. والبناء الروحى مطلوب ، للفرد والكنيسة .. يقول يهوذا :" وأما
أنتم أيها الأحباء فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس مصلين فى الروح القدس "
( يهوذا 20 )
* الألسنة آية لغير المؤمنين ( 1 كو 14 : 22 ) .. معنى أن الألسنة
" آية " أى علامة عجيبة تجذب الإنتباه ، وتكون شهادة قوية لغير المؤمنين
بتأكيد حقيقة وجود الله الحى الحقيقى . وهذا ما حدث عندما سمع اليهود ، الذين
كانوا فى أورشليم ، وكانوا من جنسيات مختلفة سمعوا المائة والعشرين ، المتكلمين
بلغات أخرى غير لغتهم الأصلية ( وقد بلغت 15 لغة ) عرفها أولئك اليهود . وهذا
جعلهم فى حيرة لأن كل واحد منهم كان يسمعهم يتكلمون بلغته . وعبروا عن حيرتهم
ودهشتهم قائلين :"ما عسى أن يكون هذا ؟!
ومعنى هذا إن الألسنة " آية " تشهد عن
الله الحى ، وعمل روحه العجيب !! وحقاً ما أحوج القلب القاسى إلى هذه الظاهرة
العجيبة ، لكسر عناده وقساوته ..
حقاً إن عطية الألسنة التى ارتبطت بحلول الروح
القدس والإمتلاء به ، هى عظيمة الأهمية والمنفعة . إنها إحدى الظواهر العجيبة التى
تعلن عن حلول روح الله فى المؤمنين .. وهذا الحلول هو للمنفعة ، كما يقول
الكتاب ( انظر1 كو 12 : 7 ) .. فعجباً لمن
يرفضون هذه المنفعة ! .. عجباً لمن يقول إنى غنى وقد استغنيت ولا حاجة لى إلى شئ !