دكتور القس / صفاء داود فهمي
ابتداءً من حكم " نبوخذ نصر " بدأت الفترة
التى أسماها الرب يسوع " أزمنة الأمم "
( لو 21 : 24 ) . وكان نبوخذ نصر ( دا ص 2 ) ، مؤسس الإمبراطورية البابلية
الثانية ، قد رأى فى حلم تمثال إنسان . وقد فسر " دانيال " هذا التمثال
بأنه يمثل هذه الفترة كلها ، كما أعطى في باقي نبوته تفصيلات إضافية ، حدثت بعد
ذلك ، ولا زالت تحدث بصورة مدهشة ! .
فرأس التمثال من ذهب ، يمثل الإمبراطورية
الكلدانية التى أسسها نبوخذ نصر نفسه ، حيث أصبحت إمبراطورية عالمية سنة 606 ق
. م ، بعد أن هزمت مصر . وقد رآها دانيال فى حلمه هو ( دا ص 7 ) ممثلة
بأسد له جناحا نسر ( أى ملك الوحوش وملك الطيور ) .. ثم يأتي بعد ذلك الصدر
والذراعان من فضة ، وهم ممثلو مملكة مادي وفارس الأقل فى العظمة ، والتى تأسست عام
530 ق . م ، بعد أن هزمت الكلدانيين . وقد رآها دانيال فى حلمه فى صورة دُب ، الذى
يتميز بالشراسة .
ثم رآها مرة أخرى فى صورة كبش له قرنان ، أحد القرنين أعلى من
الآخر ، والأعلى طلع أخيراً ، إشارة الى تسيد الفرس ، بعد فترة ، على الماديين .
( دا ص 8 ) . وكورش الفارسى ، مؤسس الإمبراطورية ، أتت عنه نبوة بالاسم ، قبل
ظهوره بنحو 200 سنة ، عندما ذكر إشعياء كيفية انتصاره على ملك بابل . ( إش 44 ، 45
) كما أنه فى ( دا 11 : 2) نجد وصفاً دقيقاً لفترة
تسلط الفرس ، وحتى هزيمتهم على يد الإسكندر الأكبر عام 331 ق . م ، لتبدأ الإمبراطورية
الثالثة التي رآها نبوخذ نصر فى التمثال كالبطن والفخذين من النحاس . وفى تفسير
الحلم يقول دانيال : " ومملكة
ثالثة أخرى من نحاس، فتتسلط على كل الأرض " ( دا 2 : 39 ) .
ونلاحظ أنه لم يقل هذا التعبير
بالنسبة لمملكة فارس . وهو عين ما حدث فى التاريخ .. وقد رأى دانيال فى حلمه
إمبراطورية اليونان هذه في صورة نمر ( الذى يتميز عن الوحوش بسرعة الإنقضاض على
الفريسة ) وله على ظهره أربعة أجنحة ( للتعبير عن السرعة ) . وهو ما ظهر بوضوح في
الإسكندر الأكبر ، مؤسس تلك الإمبراطورية ، إذ أنه في أقل من تسع سنوات غزا العالم
بأسره ، كما رأى دانيال هذه الإمبراطورية فى صورة تيس من المعز ، جاء من الغرب
طائراً على وجه كل الأرض ، ولم يمس الأرض ( من شدة السرعة)، وله قرن معتبر
بين عينيه . لكن هذا القرن انكسر سريعاً . ( صورة لموت الإسكندر وهو فى ريعان
شبابه _ 32 سنة ) .. ثم بعد الإسكندر قامت مشاجرات بين قواده ، إنتهت بتقسيم
المملكة إلى أربعة أقسام .. وقد ذكر دانيال هذه الأمور كلها . ( دا 8 : 11 ) قبل
حدوثها بنحو 300 عام . ثم ركز الضوء على قسمين من أقسامها الأربعة : ملك الشمال
، وملك الجنوب ،لأن منازعتهما الطويلة لم تنته بعد ، فالجزء الأكبر منها قد تم ،
والجزء الأهم لابد أن يتم عن قريب ..
ثم
الإمبراطورية الرابعة ، وهى الإمبراطورية الرومانية ، التى تأسست عام 68 ق . م
، على أنقاض الإمبراطورية السابقة لها ، والتي رآها نبوخذ نصر فى صورة الساقين من
حديد ، إشارة إلى قسوتهم التى لم يشهد لها العالم مثيلاً ، فهم الذين أصدروا الحكم
على ابن الله بالصلب ، ثم اضطهدوا الكنيسة فى عصور الإستشهاد ." لأن
الحديد يدق ويسحق كل شئ " ( دا 2 : 40 )
على أن قدمي
التمثال وأصابعه العشرة كان بعضها من حديد والبعض الآخر من خزف .. وفى تفسير
دانيال للحلم يذكر أن الإمبراطورية الرابعة نفسها ، فى صورتها الأخيرة ، لن تكون
كصورتها الأولى ، بل منقسمة إلى ممالك عشر ( يربطها إتحاد كونفيدرالى ). وها نحن نرى
الإتحاد الأوروبى، وهذه الدول ليست كلها فى مستوى واحد من القوة وهذا ما رآه دانيال : " فبعض المملكة يكون قوياً
، والبعض قصماً " ( د 2 : 42 ) . وقد عمت الإشتراكية دول أوربا ، دون أن
تتلاشى الفوارق بين الطبقات ، تماماً كما رأى دانيال من آلاف السنين ! "
يختلطون بنسل الناس ، ولكن لايتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف
" ( دا 2 : 43 )
لاحظ أن
دانيال حدد عدد الإمبراطوريات العالمية بأربع فقط . وكم هو مثير أن تعرف أن كل
محاولة عُملت لإقامة إمبراطورية خامسة قد انتهت بالفشل . فنحو عام 800 م ،
حاول " شارلمان "
إنشاء إمبراطورية أوروبية ، لم يُكتب لها النجاح ، ثم حاول " نابليون
" بناء إمبراطورية يكتب لها البقاء لفترة أطول ، لكنه فشل ، ومات منفياً
فى جزيرة " سانت هيلانة " وأخيراً جاء " هتلر "
وأسس الرايخ الثالث ، وحاول ابتلاع كل أوروبا . وقد وصل به الغرور أن قال فى أحدى
خطبه : إن امبراطوريته ستستمر ألف سنه ! لكن الله كان قد قال شيئاً آخر . وانتهى هتلر
إلى مصير غامض ، حيث مات منتحراً مسموماً بالزرنيخ ، أو مقتولاً ، أو منتحراً
بإطلاق الرصاص على نفسه وعلى عشيقته ، ولا توجد أدلة قاطعة حتى الآن . وكما فشلت
كل محاولات إنشاء إمبراطورية خامسة ، هكذا فشلت أيضاً محاولات إحياء إمبراطورية
الفرس التى حاول القيام بها " شاه إيران " .. وهكذا باءت كل
المحاولات بالفشل !!.
ٍ