د / شهدي جاد..
استجابة منا لرغبة القراء الأعزاء، يشرفنى أن أكتب بحثاً متواضعاً مقبولاً، لهذه الآية والموجودة فى (1كو41:15)، والتى نصها : "مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ، وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ".
وهى ضمن الآيات التى لاقت جدلاً كثيراً بين المفسرين. والحق يقال، اننى لا أدعى الكفاءة، أو أننى جدير فى شرحها، أو تفسيرها بقدر إعترافى صراحة، ودائماً، أن كل ما نكتبه فى مجلتنا هو مجرد نور يصل إلى أذهاننا، واننا على أتم الاستعداد، فى كل مرة، للتغيير طالما أن الرب أشرق علينا بنور جديد فى الكلمة. وعلى هذا الأساس نحن نتنازل طواعية عما كنا نتمسك به فى الماضى، وصاحب الإحسان، دائماً يمن علينا، فى كل مرة نخضع فيها، بنور جديد، أسطع وألمع وأروع وأعمق..! فله كل المجد..
وعلى هذا الأساس أيضاً، نعلن بجرأة اننا ننحنى أمامه، معلنين الإخلاص له وحده، والإنتماء لمدرسته، وقد ودعنا، بلا رجعة، الآراء المجمدة والمثلجة، التى قالها الناس والتى أتاهتنا فى خضم الكبرياء والذات، بالإضافة إلى الشعور الزائف بالسلام من جهة المستقبل الأبدى، ونسيان جهادنا وسهرنا وتسلحنا ونحن فى هذه البرية..
ولا أخفى على القارئ الكريم انه فى كل مرة تلاقينا آيات عسرة الفهم. فدائماً أسلك طريقين فى دراستها :-
الأول : الجلوس أمام الرب وكلمته ساجداً طالباً منه النور، ومن حيث انه له الحق وحده فى فتح السفر المختوم (رؤ5:5) كما انه طواه من قبل (لو20:4) وهو قادر أن يفتح الذهن لفهم المكتوب (لو45:24). وعن طريق الروح القدس الذى يأخذ مما له ويخبرنا (يو14:16).
ثانياً : الرجوع إلى أقوال الآباء، وتفسيراتهم لزيادة التأكيد. وحتى لا أترك نفسى عرضة للإنسياق وراء كل تعليم. وحيث أن التاريخ يشهد عن عظمتهم وإيمانهم واخلاصهم، وانهم المعتبرون أعمدة (غل9:2). فاقوالهم تتفق إلى حد كبير للغاية مع روح الكتاب، وخصوصاً أن من هؤلاء الآباء من كانوا قريبين من عصر الرسل. ولم تكن الكنيسة قد انقسمت بعد، ولم تكن أمواج الضلالات العاتية قد اجتاحت الكنيسة بعد. فأقوالهم تستحق كل احترام، حتى أنك تشعر فى أقوالهم بقوة إيمانهم ورجاحة تفكيرهم، وسلامة عقيدتهم من كل تشويش. فمن منا لا يعرف اوريجانوس، أو أغسطينوس، أو أثناسيوس، أو ذهبى الفم..
والذى دفعنى بقوة لكتابة هذا الموضوع هو ما تفوه به أحد المغمورين من على أحد المنابر، وفى تفسيره لهذه الآية بدأ كلامه بالقول : إن الذى يقول بغير التفسير، الذى سوف يقوله، لا يفهم الكتاب! والحق يُقال أن الجميع أبدوا دهشتهم من تفسيره الغريب، والذى كان كالآتى : أن "نجماً يمتاز عن نجم فى المجد" يُقارن بين مجد المؤمن الأرضى ومجد المؤمن السماوى. لأن المجد السماوى للمؤمنين كلهم، متساوٍ. وليس لأحد مجد أعظم من الآخر..
وعلى هذا نستنتج طبعاً أن بولس الذى حمل فى جسده سمات الرب يسوع، سيتساوى مع ديماس الذى ترك الخدمة لأنه أحب العالم الحاضر.. وهذه كارثة..!! وبالتأكيد هناك سببان جعلا هذا المفسر يقول ما قاله :-
1- عدم الاصطدام مع معلميه، لأن كلامه هذا موجود بالحرف فى كتبهم، التى تمتلئ بها مكتباتهم والمكتبات المسيحية الأخرى، ويقال هذا الكلام أيضاً من فوق المنابر فى ربوع مصر، لأن السادة الوعاظ استسهلوا الوجبات الجاهزة، هروباً من الإعداد والتحضير والقراءة والمقارنة..
2- هروب حقيقى من المسئولية، بغية فى راحة الضمير.. لكن هل هذا الكلام يتماشى مع رأى آباء الكنيسة الأولى، والذين خدموا باخلاص؟ سأضعكم الآن أمام فارس من فرسان الكلمة، والذى يستحق فعلاً أن يسمى "ذهبى الفم" ماذا قال فى هذا الصدد؟ قال : "سيقوم الكل فى قوة وعدم فساد، ولكن فى هذا المجد، الذى بلا فساد، لا يتمتع الكل بذات الكرامة والأمان. فمع وجود قيامة واحدة للمؤمنين، توجد اختلافات ضخمة فى الكرامة من جسد لآخر. مجد الشمس شئ، ومجد القمر آخر، ومجد النجم آخر، فكما يوجد اختلاف بين الأجسام الأرضية، يوجد أيضاً فى السماوية، هذا الإختلاف ليس بالأمر العادى، بل يبلغ قمته. لا يوجد اختلاف فقط بين الشمس والقمر والنجوم بل وبين النجوم وبعضها البعض فمع وجودها جميعاً فى السماء غير أن البعض منها لها مجد أعظم، والأخرى أقل".
ماذا نتعلم من هذا؟ وان كان الجميع سيكونون فى ملكوت الله، لكن لا يتمتع الجميع بذات المكافأة. وان كان الخطاة فى الجحيم، لكن ليس الكل يعانى نفس العقوبة (القمص تادرس يعقوب – شرح رسالة كورنثوس).
وأنا أتساءل، عزيزى القارئ، هل هناك من عاقل يقول غير ذلك؟ وهل يعقل أن نجماً يمتاز عن نجم، هو كلام عن نجم واحد، أم هذا الكلام عن نجمين مختلفين؟ والكتاب يمتلئ بهذا الفكر الرائع من حيث اختلاف المكانة والمنزلة والدرجة والرتبة. وليس الكل سواسية. وأذكر منها مثلاً :
هل الذى يفهم فى كلمة الله والنبوات، والذى يربح النفوس، ويقول عنه دانيال فى (3:12) "وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ" هل الذى سيضئ كالكواكب، يتساوى مع الذى سيخجل عند مجيئه؟!
والجلوس على العرش ليس للكل، لكن مشروط بمن يغلب فقط. وأيضاً حتى مكان وترتيب الجلوس مشروط، مثلاً يقول الرب للراغبين فى الجلوس عن اليمين واليسار، انه ليس للكل ولكن بشروط، هذا ما قاله بفمه الكريم لإبنئّ زبدى : "أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟" (مر38:10). ورغم ردهما بالإيجاب، إلا أنه لم يعدهما بتحقيق آمالهما، بل قال "وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ" (مر40:10).
والإعداد هنا، كما يقول ذهبى الفم، ليس هبة، ولكنه مكافأة .. والفرق كبير، حيث أن الرب يكون كحكم المباراة فى إعلان النتيجة .. وفى (يو2:14) صرح الرب بانه ذاهب ليعد لهم مكاناً. ومتى أعد لهم المكان سيأتى أيضاً ويأخذهم. والإعداد هنا يتأثر بحالة المؤمن الأدبية والجهادية. وفى هذه الآية يقول أغسطينوس : "القديسون مثل الكواكب فى السماء، ينالون فى الملكوت مواضع متنوعة، بدرجات مختلفة فى البهاء. ولكن لا يُحرم أحد منهم من الملكوت" (اقتباس للقمص تادرس يعقوب).
هذا إلى جانب كلام الرب فى (لو19) ووعده للعبيد الأمناء بالمكافأة، وليس كلهم بنفس الدرجة، فبعضهم سيملك على عشر مدن، والآخر على خمس مدن. فأى منطق يقول أن الجميع متساوون؟.
ثم إن الذى يقول أن الدرجات متساوية للجميع، وان نجماً يمتاز عن نجم، ليس مقارنة بين نجمين، وانهم جميعاً متساوون، عليه أن يقرأ بتدقيق فى نفس الأصحاح (1كو23:15) : "وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ: الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ" فهل الرتب واحدة؟ إذا كانت واحدة، فلا تصبح رتباً اطلاقاً، ولكن مجرد "زى موحد" وانتهى الأمر..
الرتب يا أعزائى أمر نمارسه ونراه فى الحياة العملية والعسكرية. والملائكة فى السماء تعمل بنظام الرتب، إبتداءً من جنود مروراً بولاة وسلاطين، نهاية برؤساء. فليس الرتب اختراع بشرى، لكنه مؤسس أصلاً فى السماء.. ألا يقود تعليم أن الكل سواسية فى المجد، إلى الكسل والتراخى والفوضى، والكل سيصبح سداح مداح؟! فالعاطل والباطل، كالعامل والكامل. وهذا الأمر تحبه الطبيعة البشرية التى فينا.
ونحن نقرأ انه بالنار سيُمتحن عمل كل واحد. وان البعض سيكون مجده مجرد خشب أو عشب أو قش. والآخر ذهب، فضة، حجارة كريمة. (1كو12:3).. هل من مقارنة بين العشب والقش مع الذهب والأحجار الكريمة؟! ثم كلام بولس لتيموثاوس هذه الوصية الغالية : "ليتجنب الإثم كل من يُسمى اسم المسيح" لماذا؟ "وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ" (2تى20:2). فهل من مقارنة بين الخشب والذهب؟! أو بين آنية الكرامة وآنية الهوان. هل هنا الكل سواسية فى المجد والكرامة؟
أخيراً رسالة لكل مؤمن اغتسل بالدم الكريم. الرب أعطاك فرصة هنا على الأرض، قد تطول أو تقصر. وعلتها الوحيدة هى لكى تؤسس، وتعد لك مكاناً. فبقدر جهادك سيُبنى قصرك السماوى. هذا ليس اختراعاً ولكنه فكر الكتاب. حتى لبسك فى العرس ستحدده أنت، ومن أى الأنواع سيكون.. لقد قال الصادق الأمين : "وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ" (أى أعمال البر التى قاموا بصنعها) (رؤ8:19).
صدقنى ياعزيزى، هذه فرصتك، اغتنمها، إعمل لأجلها ليلاً ونهاراً، ولا يغرر بك أحد، فليس هناك وقت للضياع. لا يتسع المقام لعرض كل ما قاله الكتاب عن هذا الأمر، فابراهيم لن يكون مثل لوط، ولا موسى مثل هارون، ولا عالى مثل صموئيل.. هذا مستحيل..!!
فى (عب11) مثلاً وهى لوحة الشرف لقديسى العهد القديم، لم يساوالكتاب مثلاً بين ابراهيم ويعقوب، يقول عن ابراهيم 7 شهادات : أطاع – خرج – سكن – حسب.. إلخ، ولكن عن يعقوب يقول : عند موته (فقط) سجد على رأس عصاه..
عزيزى، أرجو أن تتجه بقلبك للرب، ليفتح أمامك كنوز المعرفة، وتنجو بنفسك من الخسارة المؤكدة..
د/ ابراهيم جاد
محمول : 01001274765