هل توجد خطية بلا غفران؟!
اسحق جاد اسحق
"لذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ
وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ
لِلنَّاسِ" (مت 12 : 31)
هذه الكلمات التي نطق بها الرب يسوع من الآيات
التي أثارت جدلاً بين الدارسين، لما يبدو فيها من استحالة غفران خطية معينة، وهي
خطية التجديف على الروح القدس، وهو الأمر الذي يسبب حيرة للبعض من جهة إمكانية غلق
باب الغفران أمام الإنسان، والبعض الآخرقد يقلقهم فكرة وجود هذه الخطية، التي
يستحيل غفرانها، في حياتهم، ويكون ذلك بفعل وسوسة شيطانية عن إمكانية سقوطهم فيها
سهواً!.. إذاً لنبحث هذا الموضوع للوصول إلى الحقيقة..
1- جاءت هذه الكلمات من الرب يسوع في معرض رده
على ما إدعاه الفريسيون عليه قائلين: :«هذَا لاَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ إِلاَّ
بِبَعْلَزَبولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ» (مت 12 : 24) وذلك بعد أن أخرج الروح النجس
من الإنسان الذي كان أعمى وأخرس، وجعله يبصر ويتكلم! وقولهم هذا يُعد تجديفاً
سافراً على الروح القدس، الذي به عمل المسيح هذه المعجزة، وبدلاً من الإقتناع بأن
ماحدث هو عمل إلهي قالوا إنه عمل شيطاني! وتكمن فظاعة خطية التجديف على روح الله
في أن باعثها كان إنكار قادة اليهود للحق الواضح المتمثل في أعمال المسيح العظيمة
التي قام بها بقوة المسحة التي انسكبت عليه وقت معموديته، وبعدها قام بخدمته في
الكرازة والتعليم وعمل المعجزات، التي لم يماثله فيها أحد! وهذه المعجزات كانت
الشهادة الواضحة والدليل القاطع على صدق رسالته. وكان مطلوباً من القادة الدينيين،
قبل غيرهم، الإيمان والإقتناع بصدق رسالته بدون مكابرة، وقد اعترف بصدق رسالة المسيح
نيقوديموس ( وهو واحد منهم ) فجاء إلىه قائلاً له :« يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ
أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ
يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ»
(يو 3 : 2) ولكن أولئك الفريسيون كانوا قساة الرقاب ومعاندين ومقاومين للحق الإلهي
على طول الخط فتعاموا عن رؤية عمل روح الله الواضح أمام الجميع، وافتروا عليه
بوصفهم إياه بأنه " روح نجس!" (مر3: 30 )
فكلام
الرب يسوع موجه أساساً للقادة اليهود الذين كانوا دائماً يقاومون الروح القدس، كما
قال عنهم اسطفانوس الشهيد (أع 7: 51 ) فهم في حالتهم هذه يستحيل غفران خطاياهم،
لأنهم أبعد ما يكون عن التوبة الحقيقية، ولا يوجد غفران بدون توبة..
2- إن الروح القدس هو الذي يبكت الخاطي ويجذبه
إلي يسوع المخلص، إذ يقول عنه الرب يسوع:" وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ
الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ " (يو 16 : 8)
فلا يمكن أن يتوب الخاطئ إلا إذا تبكت على ماضيه وحاضره، الذي عاشه ويعيشه في حالة
عصيان الله. ومن هنا ندرك أن خلاص الخطاة لابد له أن يتم بعمل الروح القدس. فإذا
كان الإنسان في عداء مع الروح القدس، فيكون قد أغلق على نفسه باب التوبة والرجوع
الذي به يحصل على غفران خطاياه، لأنه بذلك يقف موقفاً مضاداً ضد من بواسطته تتم
دعوته ليخلص وتُغفر خطاياه.. وهذا ما فعله قادة اليهود بموقفهم من معجزات المسيح
الباهرة، والتي كانت لخير البشر، فهو الذي قيل عنه: " جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا
وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ
مَعَهُ" (أع 10 : 38) فقادة اليهود بإدعائهم الباطل عن السيد بأن الخير الذي
يفعله بروح الله القدوس، هو من فعل بعلزبول رئيس الشياطين، وضعهم في طريق مسدود لا
منفذ لهم منه، بالنسبة لغفران خطاياهم! وهكذا يكون الحال مع من يشاهدون الأعمال
العجيبة التي تجرى بقوة الروح القدس ويرفضون قبولها، بل وينسبونها لفعل شيطاني،
فأولئك تستحيل توبتهم وبالتالي لن يكون لهم غفران إلهي.
3- إن فكرة
عدم غفران الله لخطية ما، لا تنسجم مع المفهوم العام الذي يعلنه الكتاب عن غفران
الله لأشنع أنواع الخطايا والشرور، ولا يستثني في ذلك أية خطية مهما عظمت! مادام
الإنسان يتوب عنها، ويعترف للرب بها، فمثلاً يقول الرب بلسان إشعياء: "
هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ
تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ
" (إش 1 18) وأيضاً يقول الرسول بولس: " وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ،
وَلكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ
بِرًّا " (رو 4 : 5). لأن الله فعلاً يريد خلاص الإنسان ولا توجد خطية تستعصي
على الغفران إلا التي لايتوب عنها
الخاطي.. وبالنسبة للفريسيين فإذا افترضنا جدلاً إنهم تابوا عن خطية التجديف
والمقاومة للروح القدس، فإنهم كانوا سيحظون بالغفران الإلهي. ولكن الحقيقة هي إنهم
ما كانوا سيتوبون وهم على حالتهم هذه التي فيها وضعوا حاجزاً بينهم وبين الله مانح
الغفران بمعاداتهم السافرة لروحه الذي كان من
شأنه أن يقودهم ويهدي
طريقهم ليتمتعوا بالغفران الإلهي.
ومع ذلك فالمسيح في معرض رده على هؤلاء
الفريسيين بعد قوله السابق مباشرة، نجده لا يزال ينتظر رجوعهم عن طريقهم الردئ
لتتغير حياتهم فقال لهم: " اِجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيِّدَةً وَثَمَرَهَا
جَيِّدًاَ أوِ اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيًّا، لأَنْ مِنَ
الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ "(مت 12 : 33) أي تغيروا عما أنتم فيه
لتثمروا ثمراً صالحاً، اجعلوا داخلكم صالحاً ليظهر ذلك على أفعالكم وأقوالكم. وهو
بذلك يدعوهم إلى التغيير من طبيعتهم الفاسدة إلى طبيعة صالحة، ويكون ذلك بالتوبة
والرجوع إلى الله.
أخيراً أقول إن القلق قد يسيطر على البعض الذين
لديهم شعور بالخوف من احتمال أنهم قد وقعوا في هذه الخطية، في ماضيهم، وبالتالي
لاغفران لهم، فأقول: حتى لو كانوا بجهل قد وقعوا في هذه الخطية، فإن الشعور بالقلق
من جهة هذا الأمر، معناه أن الشخص يسعى بأمانة وإخلاص لأن تكون حياته مرضية قدام
الله، وبالتالي تكون خطاياه قد غُفرت. أما أولئك الذين وجه لهم المسيح كلامه،
فكانوا قساة معاندين فأغلقوا على أنفسهم باب التوبة والغفران!!.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++
كيف تحُسب البركة لعنة؟!
« مَنْ
يُباركُ قَرِيبَهُ بِصَوْتٍ عَال فِي الصَّبَاحِ بَاكِرًا، يُحْسَبُ لَهُ لَعْنًا»
(أم 27 : 14)
هذه الآية يساء فهم معناها، إذ هناك من يقول
إن الذي يبارك قريبه صباحاً، فهو يريد من وراء هذه البركة شيئاً ما منه، صدقة
مثلاً. وهذا الأمر يضايق الشخص الآخر إلى درجة أنه يحسب كلمات البركة كأنها
لعناً!! ولكن عندما قرأت هذه الآية في الترجمة العربية المبسطة فإن نصها هو:
" الذي يلقي التحية صباحاً بصوت مزعج تُحسب تحيته لعنة!"
معنى
هذا أن الكلام حتى لو كان طيباً ولكن طريقة النطق به مزعجة أوحادة، فهو يكون
مؤذياً لمتلقيه ويحسبه لعنة لا تحية بركة! فعندما يقول الواحد للآخر مثلاً بصوت
مرتفع حاد، وهو قريب منه، " صباح الخير" فذلك يسبب له ازعاجاً! وبذلك
كأنه يقول له " صباحك هباب!"..
والدرس
الروحي والأخلاقي الذي نتعلمه هو أن كلامنا يجب أن يكون بكل هدوء ووداعة، وبذلك
نتمثل بسيدنا تبارك اسمه الذي قيل عنه:«لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ
صَوْتَهُ» (مت12:19)