يُحكى أن أحد الأغنياء كان عنده شاب يعمل فى خدمته. وكان هذا الشاب بسيطاً، لا يعرف الكثير من شئون هذه الدنيا. فكان الِرجل الغنى يطلق عليه لقب "الغبى"!
وذات يوم قام الرجل بتسليم الِشاب "عصا" وقال له : خذ هذه العصا، وابقيها معك. فاذا وجدت شخصا آخر أكثر غباءً منك فاعطه العصا!
ومرت الأيام، وأصيب الرجل الغنى بمرض شديد! ولم يفلح الأطباء فى علاجه .. وازدادت حالة الرجل سوءاً.. وعرف أن نهايته باتت وشيكة. وأراد أن يقدم للشاب نصائحة الأخيرة، فأرسل فى استدعائه، ولما جاء وقف بجوار سرير الرجل المريض، وكان مطرقاً برأسه إلى الأرض فى حزن، وانتظار ما يريد الرجل أن يقوله له..
وبدأ حديثه مع الشاب بصوت ضعيف قائلاً : اسمع يابنى، أنا سأرحل عن قريب، وستكون رحلة بلا عودة! ثم أكمل الرجل كلامه ببعض النصائح للشاب..
وبعد أن انتهى من نصائحه.. بدأ الشاب فى الكلام فقال : إذا كنت ياسيدى سترحل، رحلة بلا عودة، كما تقول، فماذا أعددت لهذه الرحلة؟ فالذى ينوى السفر، عليه الإعداد لذلك، فماذا أعددت أنت لهذه الرحلة التى لن تعود منها أبداً؟
وأجاب الرجل بصوته الضعيف : ألم أقل لك انك غبى؟ إن رحلتى هذه تعنى أننى سأموت، فماذا يمكننى أخذه وأنا فى حالة الموت؟!
وهنا استجمع الشاب شجاعته قائلاً : اسمع ياسيدى انك ستمضى إلى أبديتك، فماذا ستأخذ معك من أعمال صالحة.. المفروض انك سوف تعطى حساباً عن حياتك هنا. فهل هيأت نفسك لهذا الحساب؟! أنت ستمضى، فهل لديك رصيد ينفعك؟.. ثم مد الشاب يده بالعصا نحو الرجل، وأضاف : يبدو انك لم تُعد العُدة للرحيل الأبدى، ولذا فانى أراك أكثر غباءً منى! فخذ هذه العصا!
عزيزى القارئ.. كلنا راحلون من هذه الدنيا .. ولعل مناسبة نهاية العام، وبداية عام آخر، تكون فرصة للتفكر فى هذا المعنى، فقطار الزمن يمضى بلا توقف، وتتابع الأعوام يؤكد على حقيقة أننا ماضون نحو النهاية، التى تعنى بداية الأبدية. نعم الأبدية التى يدخلها الإنسان ولا يعود منها! فماذا .. ياعزيزى تحمل معك من زاد لهذه الرحلة التى بلا عودة؟!
فى مثله عن وكيل الظلم، أوضح المسيح كيف أن الوكيل عندما علم انه سيخرج من الوكالة، تودد إلى الأشخاص المديونين لصاحب الوكالة، بأن ترك لهم مبالغ كبيرة من ديونهم. وذلك حتى يصيروا عوناً له فيما بعد.. وعلق الرب يسوع قائلاً : "وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ" (لو9:16).
وهذا الكلام موجه لنا جميعاً، لنعمل حساباً ليوم رحيلنا من هذا العالم، بما يكون لنا من رصيد صالح... اقرأ معى ما جاء فى (رؤ13:14) "اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ». «نَعَمْ» يَقُولُ الرُّوحُ: «لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ" .. لاحظ معى أن الأعمال الصالحة تتبع أصحابها عند رحيلهم..
إن العمر يمضى فى غفلة منا.. ولذا يتعين علينا أن نقف وقفة تأمل وذلك عندما نودع عاماً، ونستقبل آخر. فهذا يعنى أن عجلة الزمن تدور بلا توقف، وبالتالى فان العمر يمضى مع الزمن. والعمر له حد معين قد حدده الخالق سبحانه، فاذا وصل الإنسان إلى هذا الحد انتهت حياته!
عندما تستقبل عاماً جديداً، فلا تدع ذلك يمر بدون وقفة مع نفسك، لتعرف أن عمرك قد اضيفت إليه سنة جديدة، وهذه الإضافة لا تعنى الزيادة بل النقصان! نقصان من رصيدك المتبقى لك من العمر! بل أن كل يوم يمر على الإنسان يقربه من نهايته!
وهذا يؤكد على حقيقة اننا جميعاً راحلون من هذه الدنيا، وان هذه الدنيا ليست المقر الدائم، وأن المقر الدائم، هو الذى سيذهب إليه الإنسان بعد الموت، وهو ما وصفه سليمان بالقول : "لأَنَّ الإِنْسَانَ ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ الأَبَدِيِّ، " (جا5:12).
والسؤال لك : عزيزى القارئ، هو : اذا أتت عليك ساعة الرحيل من هذا العالم إلى الأبدية، فالى أين ستذهب؟ هل إلى دار النعيم والهناء، أم إلى دار العذاب والشقاء؟!
دعنى أسألك بصيغة أخرى : هل قبلت المسيح مخلصاً شخصياً لك، وتصالحت مع الله؟ هل عندك يقين بالحياة الأبدية بعد الممات؟ فكر قبل أن تجيب.. وإذا كانت اجابتك نعم، فهنيئاً لك. أما إذا كانت لا، فالفرصة أمامك.. لا تؤجل "هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ" (2كو2:6).
ليتك ياعزيزى تبادر بانتهاز الفرصة الآن، وليكن العام الجديد بالنسبة لك، هو بداية الحياة الجديدة مع الرب.. وكل عام وأنت بخير..