فهل هذا كلام يُعقل؟ بالطبع لا.. وسنورد هنا عدم معقوليته فى النقاط التالية :-
1- الاختيار المطلق لا يتفق مع عدل الله :
يقول أصحاب عقيدة هذا الاختيار، إن الله سبق فاختار اناساً بطريقة جبرية، لأنه لو ترك البشر لرغباتهم، لما قبل أحد منهم الدعوة الإلهية المقدمة إليه للخلاص. فلكي يظهر الله غنى نعمته عين بعضاً من هؤلاء البشر، للحياة الأبدية. وهو الذى يجذبهم إليه ليخلصوا، بدون أن تكون لهم إرادة ذاتية فى أمر خلاصهم!
هذا ما يقولونه.. وهو كلام غير معقول! فاذا كان كل الناس قد زاغوا وفسدوا، ولا يمكن أن يأتوا إلى الله ويقبلوا خلاصه، فهل الله العادل يختار فئة منهم – وهم قلة – ويترك الباقين لكى يهلكوا؟! ثم ما هى الحكمة فى اختيار أناس لكى يتمتعوا بنعمة الخلاص المجانى، وترك الآخرين للهلاك، اذا كان الجميع متساوون من جهة فسادهم الأدبى؟ هل توجد معايير معينة وضعها الله فى عملية الاختيار، ولا نعلمها؟ أم أن الاختيار تم على أساس "بختك يا أبو بخيت"؟!.
حاشا أن يكون الله العادل، والكامل فى جميع طرقه، أن يكون بهذه الصورة التى يفهمه بها الكلفينيون!
2- هل الإنسان مسير أم مخير؟ :
يقول أصحاب عقيدة الاختيار المطلق، إن الذين يقبلون الدعوة الإلهية ويخلصون، فذلك لأنهم مختارون، تم تعيينهم مسبقاً، والله يجتذبهم إليه فى الوقت المعين لذلك، ولا إرادة لهم فى أمر خلاصهم.. أما الرافضون للدعوة الإلهية فهم مسئولون عن رفضهم.. وبعبارة أخرى إن الذين يطيعون دعوة الله، مسيرون، بينما الذين يرفضونها مخيرون!! .. هذا ما يقولونه، ويالغرابة ما يقولون!
إذ كيف يكون الإنسان – إزاء مصيره الأبدى – مسيراً فى أمر طاعته، ومخيراً فى أمر رفضه؟! كيف يستقيم المعنى هنا فى هذا المفهوم الذى ينسب إلى الله التعامل مع البشر، معاملة مزدوجة، يكون فيها المختارون مسلوبى الإرادة، أما غير المختارين فهم مسئولون تماماً عن رفضهم، ويتحملون نتيجة قساوة قلوبهم؟!.
ولكن الحقيقة التى لا مراء فيها هى ان الإنسان مخير من جهة مصيره الأبدى. لأن الله خلقه حر الإرادة، ومسئول، مسئولية كاملة، عن قراره فى هذا الشأن..
وكم يكون مقلقاً للمرء عندما يتصور أن تحديد مصيره الأبدى ليس فى يده، إذ قد يكون ضمن من حظوا بنعمة الاختيار الجبرى، فيتمتع بالخلاص والحياة الأبدية، أو قد يكون سئ الحظ، فيقع نصيبه ضمن الذين تُركوا لمصيرهم المحتوم، وهو الهلاك الأبدى! فياله من أمر مزعج!
3- الكرازة بانجيل الخلاص فى ظل مفهوم الاختيار المطلق :
لا معنى لدعوة الرب الجميع للخلاص، اذا كان المختارون فقط هم الذين سيخلصون. وهم فئة محدودة ومعدودة ومقرر تعيينها سلفاً كأمر حتمى (بحسب اعتقاد الكلفينيين) ولكن الانجيل يخبرنا بأن الله أحب العالم أجمع، والمسيح مات من أجل الجميع (2كو15:5) وكفارته ليست لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً. (1يو2:2) ولذلك كان أمر المسيح لتلاميذه بالكرازة للعالم بأسره. "وَقَالَ لَهُمُ:«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. 16 مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ" (مر16،15:16) انظر أيضاً (أع8:1).
اذاً رسالة الإنجيل مقدمة لكل الناس، بدون استثناء وذلك على أساس أن كفارة المسيح شملت كل العالم، لأن موته كان ثمن شراء الجميع. (بعكس اعتقاد الكلفينيين)
ومن هذا المنطلق فان الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون. ولذا أرسل رسله ومبشريه، يدعون الناس للتوبة والرجوع إليه. والكتاب المقدس ملئ بالآيات التى فيها نرى الدعوات الإلهية للبشر كافة..
فما معنى الكرازة بانجيل المسيح لعموم البشر، مع وجود اعتقاد بأن المختارين فقط هم الذين مات المسيح من أجلهم، وشملتهم كفارته وحدهم؟! (وهو اعتقاد باطل كما بينا فى ما سبق).. لكن يبدو أن أصحاب عقيدة الإختيار المطلق يرون أن العمل الكرازى هو اجراء روتينى، فيمارسونه بلا جدية، أو قد لا يمارسونه مطلقاً، إذ هم مقتنعون بان المختارين المعينين للحياة الأبدية، سوف يأتون حتماً إلى الرب ويخلصون بكرازة أو بدون كرازة!!
ولكن الرب الساهر على كلمته ليجريها يعمل بقوة، والكرازة بالانجيل تسير مصحوبة بقوة الروح القدس، الذى يعمل فى جذب النفوس لنوال الحياة الأبدية. والرب يستخدم فى ذلك خداماً كارزين، وذلك حتى يتم اجتذاب النفوس المائتة للتمتع بنعمة الحياة الأبدية.. الكرازة ضرورية لخلاص النفوس"كيف يسمعون بلا كارز؟" (رو14:10) وصوت الرب لا يكف عن دعوة الخطاة اليه، والوحى ينادى بواسطة الرسول بولس قائلاً : "اليوم ان سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم".
4- الاختيار شرطى، وليس مطلقاً :
فهو مشروط بقبول الإنسان للدعوة الإلهية له. أما الاختيار بحسب رأى أتباع جون كلفن فهو أمر جبرى وحتمى، ولا دخل للإنسان فيه.. وهم يسوقون بعض الأدلة التى يرونها مؤيدة لفكرهم مثل ما جاء فى (رو29:8) و(اف4:1-5) و(1بط2:1).
وهذه الآيات تتحدث عن اختيار أو تعيين سابق، ولكن ليس بحسب نظرية الاختيارالمطلق، بل ان الاختيار السابق مبني علي المعرفة السابقة.
يقول الرسول بولس"لأن الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم" (رو8: 29) فهنا نجد ان التعيين مبنى على المعرفة بحالة من شملهم هذا التعيين. وكذلك النص الوارد فى (1بط2:1) والذى يقول : "بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ" فهنا أيضاً نرى أن الاختيار تم على أساس علم الله المطلق.
لان الله عالم بموقف من اختارهم وهو قبولهم للدعوة الالهية.وهذا هو الاختيار الشرطي اي المشروط بقبول الانسان الدعوة المقدمة اليه ليخلص. والله لا يتدخل في ارادة الانسان ليجعله يقبله، او يجتذبه عنوة، بل هو دائماً باسط يديه لكل راغب في الخلاص، والنجاة من الدينونة والتمتع بالحياة الابدية. يقول د/القس صفاء داود في كتاب "حوار مع صديقي القديس كلفن":"الله لا يختار مسبقاً بعض الخطاة ليؤمنوا، لكنه يعرف مسبقاً مَن من الخطاة سوف يؤمن بارادته الحرة. ومن منطلق هذه المعرفة هو يختارهم مسبقاً لمجده" .
عزيزى.. هل ترغب أن تكون ضمن المختارين؟ عليك أن تختار الرب يسوع، كما اختارته مريم كالنصيب الصالح. الذى لن يُنزع منها.. أنت صاحب قرارك. وأنت مسئول مسئولية كاملة عن مصيرك الأبدى.. ان مسألة اختيارك للحياة الأبدية، هى بيدك أنت.
اسحق جاد اسحق