فرصة التوبة
ينتشر بين الأوساط المسيحية فكر غريب ، مفاده أن فرصة التوبة والرجوع إلى الله بالنسبة للخاطئ ، ممتدة أمامه حتى أخر يوم فى حياته ॥ وأصحاب هذا الرأي يستندون على ما حدث مع اللص الذى آمن بالمسيح ، وهو ينازع الموت ، وقد وعده المخلص بأنه سيكون منعه فى الفردوس ، فى ذات اليوم .. وبناء على هذا يرون أن فرصة التوبة ممتدة أمام الخاطئ بطول عمره ، لان الله طويل الأناة ، ولذا سيظل منتظراً للخاطئ ما دام فى عمره بقية .. ولكن هذا الرأي غير صحيح ، كما سنبين ذلك فيما يلي :
( 1 ) بالنسبة للص التائب :الذى يجعلون منه دليلاً على إمتداد فرصة الانتظار الإلهية للخاطئ حتى نهاية عمره .. دعونا نتساءل : كم عظه سمعها هذا اللص ، وكم دعوة خلاصية وجهت إليه ؟ لا أظن أن أحدا بشره أو وصلته أى دعوة للتوبة والخلاص من قبل .. والفرصة الوحيدة التى جاءت أمامه كانت وهو معلق على صليب بجانب صليب يسوع وفى ساعاته العصيبة هذه ، آمن بهذا الشخص المعلق على صليب بجواره ، يعاين العذاب والعار والهوان ، آمن به رباً وملكاً وإن له ملكوت قادم فقال له " اذكرني يارب ما جئت في ملكوتك " ويا له من إيمان عظيم رائع ॥! وكان رد المسيـــح عليــــه
" الحق أقول لك اليوم تكون معي في الفردوس " (لوقا 23 : 42- 43) لقد اغتنم هذا اللص الفرصة الوحيدة التي أتيحت أمامه فنال الخلاص وضمن الفردوس والحياة الأبدية ..
وعلى قياس ما حدث مع اللص أقول : إذا افترضنا أن شخصا عاش أغلب سني حياته في مكان أو مجتمع لم تصله في رسالة خلاصية أو قدم له أحد دعوة لقبو إنجيل نعمة الله ولكن في أواخر حياته وصلته دعوة للخلاص فهذا ممكن خلاصه إذا استجاب للدعوة الإلهية .
أما لو أن شخصا آخر سمع عظات خلاصية كثيرة ووجهت له دعوات خاصة للتوبة والرجـــوع إلـــى الـــرب
ولكنه تقسي رافضا أن يسلم حياته للمسيح المخلص سيأتي وقت يتركه فيه الله لقساوته فيمسي مرفوضا ولا يكون هناك أمل في خلاصه فيما بعد .
والخلاصة أن حالة اللص التائب هي حالة خاصة وكذلك الحالات المماثلة ولا تصلح أن تعمم أو تكون قاعدة .
(2) إن الإنسان الخاطئ لا يمكن أن يأتي إلى الرب من ذاته ، وهذا ما قاله الرب يسوع " لا يقدر أحد أن يأتي إلي إن لم يجتذبه أبي الذي أرسلني " (يو 6 :44)
إن الله يعمل بواسطة الروح القدس على جذب الخطاة الى المسيح ليخلصوا وينالوا الحياة الأبدية وهذا يعني أن المبادرة في أمر خلاص الخاطئ هي من جانب الله وهو بدافع محبته ورغبته القوية في خلاص الخطاة يظل يوجه دعواته لهم واحدة تلو الأخرى وبوسائل مختلفة .
ولكن إلى أي مدى يظل الله يوجه دعواته ؟ الإجابة هي إلى زمن محدد فيه يقدم الله كل الوسائل التي من شأنها أن تأتي بالخاطئ إليه لينال الخلاص فإذا استنفذ كل الوسائل لم يبقى إلا أن يترك الخاطئ لطريقه المؤدي إلى الهلاك الأبدي । قال المسيح موجها كلامه إلى أورشليم المدينة التي رفضته (لأنك لم تعرفي زمان افتقادك) " لو 19 : 44"
وقال في سفر الرؤيا عن إيزابل (التي هي رمز للشر) " وأعطيتها زماناً لكي تتوب عن زناها ولم تتب" "رؤ 2 : 21"
ومعنى هذا أن الفرصة المعطاة للتوبة هي إلى زمن معين فإذا لم يتب الخاطئ فسوف يتوقف عمل الله معه الذي كان يجربه بالروح القدس . وإذا توقف عمل روح الله عن التعامل مع الخاطئ الرافض للخلال فهل ننتظر منه أن يتوب من تلقاء ذاته ؟ كلا على الإطلاق إذ ينعدم عنده الإحساس تماما فلا يتأثر بأي دعوة توجه إليه من أجل خلاص نفسه وسيحسب ضمن من قال عنه الرسول إذ هم قد فقدوا الحس "أف 4 : 19"
فلا تفلح معه المحاولات التي تهدف إلى الإتيان به إلى الإيمان بالمسيح وحتى التخويف من عذاب الجحيم لا يلاقي عند من فقد الحس أي تأثير بل حتى لو قام شخص من الأموات وعاد من العالم الآخر لكي يشهد للناس عن حقيقة الجحيم ويحذر الخطاة من الذهاب إليه فإن لم تكن تتوفر لديهم الرغبة في التوبة فلن يصدقوا أو يتأثروا (انظر لو 16 : 31) حيث تكون قلـوبهم قاسيـة وضمـائرهم موسومة ( إي بلا إحساس )( 1 تي 4 : 2 )
( 3 ) ومع ذلك فإني أقول لكل من يعيش حياة البعد عن الرب : إن كان لديك رغبة في أن تتوب ، فمعنى ذلك أن روح الله يتعامل معك محاولا اجتذابك إلى أحضان الفادي المسيح ، وانتبه جيدا إلى كلام الرسول بولس القائل (هوذا الآن وقت مقبول .. هوذا الآن يوم خلاص) " 2 كو 6 : 2" تعال إلى المسيح اليوم .. وليس غدا .. لا تصدق ما يردده البعض بأن فرصة الخلاص ممتدة مع الإنسان بطول عمره ، فذلك من شأنه أن يدفع إلى التأجيل والتهاون في تسليم النفس للمسيح وقد تضيع الفرصة الثمينة وإلى الأبد ..
أيضا لا تؤجل لأن الحياة غير مضمونة ولا أحد منا يعلم متى ستنتهي فالعمر قد ينتهي بغتة وبدون مقدمات .
فهل تسارع في وضع يدك في يد الله الممدودة لك للتصالح معه ؟ أرجوك لا تؤجل واقبل مصالحته قبل أن تأتي عليك دينونته..!!