هل يغير الله خطته؟!
هل يغير الله خطته، أو يتراجع في كلامه الذي سبق أن أعلنه؟ لقد ذُكرت في الكتاب المقدس أحداث ومواقف يبدو من ظاهرها وكأن الله لم ينفذ ما أعلنه وهنا يثار جدل حول هذا الأمر إذ قيل عن الله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع 1: 17) وأيضاً قول الرب عن نفسه "لا انقض عهدي، ولا أغير ما خرج من شفتي" (مز 89: 34).ونعرض هنا بعض ما ورد في الكتاب المقدس في هذا الشأن، لمعرفة الفكر الكتابي الصحيح حول ما إذا كان يوجد تغيير في الخطط الإلهية أم لا ؟!إطالة عمر الملك حزقيا خمس عشرة سنة:فقد أرسل له الرب النبي أشعياء برسالة يقول له فيها: "أوص بيتك، لأنك تموت ولا تعيش!" ولم يستسلم حزقيا للأمر الواقع، بل صمم علي الصراخ للرب، إذ جعل وجهه نحو الحائط. وأخذ يبكي ويتضرع إلي الرب، فعاد الرب وأرسل إليه أشعياء مرة أخرى قائلاً له: "قد سمعت صلاتك، قد رأيت دموعك، هاأنذا أضيف علي أيامك خمس عشرة سنة" (2مل 20: 1- 9 وأش 38: 1- 5)عفو الرب عن أهل نينوى بعد مناداة يونان عليهم بانقلاب مدينتهم: فقد أمر الرب يونان بأن ينادي علي المدينة، بأنها ستنقلب بعد أربعين يوماً! وكان رد فعل أهل المدينة، ومعهم ملكهم هو انهم آمنوا بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً من كبيرهم إلي صغيرهم، وتابوا عن شرورهم، وصرخوا إلي الرب ليرحمهم، ومضت مدة الأربعين يوماً ولم تنقلب المدينة. لقد أشفق الرب عليهم وعفا عنهم عندما آمنوا وتابوا وتذللوا أمامه وطلبوا وجهه (اقرأ يونان ص 3)رؤيا عاموس للجراد آكل العشب:فقد رأى النبي عاموس في رؤيا وإذا الجراد لم يبق شيئاً! وهنا طلب النبي من الرب قائلاً "أيها السيد الرب اصفح! كيف يقوم يعقوب فإنه صغير! فندم الرب علي هذا، ما رأيته لن يكون قال الرب" (عا 7: 1- 3) لقد أعلن الرب للنبي، من خلال الرؤيا، عن ضربة الجراد، ولكن عندما صلى النبي طالباً الإشفاق والصفح، تلقى وعداً إلهياً بأن ما رآه لن يكون.وأخيراً أضع النص الوارد في أرميا (18: 7- 10) يقول الرب: "تارة أتكلم علي أمة وعلي مملكة بالقلع والهدم والإهلاك، فترجع تلك الأمة التي تكلمت عليها عن شرورها فأندم عن الشر الذي قصدت أن اصنعه بها، وتارة أتكلم علي أمة وعلي مملكة بالبناء والغرس فتفعل الشر في عينيّ فلا تسمع لصوتي فأندم عن الخير الذي قلت أني أحسن إليها به".تعالوا بنا نلقي الضوء علي هذا النص الأخير، لنجد أن تغيير خطة الله مع الذين ذكرناهم مرتبط بتغيير أحوال البشر، فهو في عدله، إذ يرى أمة شريرة، يعلن عن قضائه عليها عقاباً علي شرها .. فإذا تغير حال هذه الأمة، فأقلعت عن شرها تائبة إلي الله، فإن الحال يتغير من جانبه بالنسبة لها، فلا يأتي عليها العقاب الذي تكلم به، وتحظى برحمته.أيضاً يتغير الحال إلي العكس بالنسبة للأمة التي يعلن الله لها عن إحسانه إليها، وذلك إذا حدث تحول منها إلي الشر، فهنا يمنع الله عنها الخير والإحسان.ومن هنا نرى أن اعلان التغيير من جانب الله، مرتبط بتغيير موقف الإنسان.ولكن، هل يغير الله خطته، بحسب ما نرى من ظاهر الكلام هنا؟ الواقع أن الله لا يمكن أن يغير خطته علي الإطلاق! ولكن المعنى المقصود الصحيح لما نراه من تغيير هو أن الله يعلن قضاءه، ولكن لا يعلن عفوه، إذ هو مشروط بالتوبة والتذلل والصراخ إلي الرب وطلب عفوه .. إذا فلا تغير في فكر الله، كرد فعل لتغير موقف الإنسان، بل كل ما في قصده مقرر سلفاً!فبالنسبة لإطالة عمر حزقيا خمسة عشر عاماً، فإن الله وضع له هذه المدة الإضافية، بشرط أن يصلي متضرعاً باكياً! وحدث أن حزقيا نفذ هذا الشرط، فأضيفت إلي عمره سنوات أخرى كانت في فكر الله!كذلك الحال بالنسبة لأمر الرب ليونان بالمناداة علي نينوى بالانقلاب، فإن الرب كان عنده أمر غير معلن، (وهو العفو في حالة التوبة) إذ كان يريد أن تأتي توبة أهل المدينة بدافع منهم، وحدث أنهم تابوا ولبسوا مسوحاً وصاموا وتضرعوا إلي الله طالبين رحمته، فعفا عنهم. وهذا الأمر جعل يونان يغتاظ ويحزن، لأنه لم يكن يريد نجاة المدينة، حتى لا يصبح كاذباً بقوله "بعد أربعين يوماً تنقلب نينوى" وكانت إجابة الرب ليونان علي موقفه هذا هي: "أفلا أشفق أنا علي نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من أثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم، وبهائم كثيرة؟!"أيضاً في رؤيا عاموس للجراد وهو يأكل العشب، فلو أن عاموس لم يتضرع إلي الرب طالباً صفحه لكانت الرؤيا (وهي التلف الذي كان سيحدثه الجراد) قد تحققت. ولكن الرب وعد عاموس بأن ما رآه لن يكون.إذاً الله يعلن قضاءه المرتبط بعدله، وفي نفس الوقت عنده قصد للعفو، وهو المعبر عنه بالندم (وهو اصطلاح يكنى به إعلان الخطة الإلهية البديلة) ولكن مشروط كما أوضحنا فيما سبق فإذا تم الشرط يكون التصرف الإلهي في صالح الإنسان كما حدث مع حزقيا وعاموس وأهل نينوى.
المحرر