قدمنا في العدد الماضي الجزء الأول من مقال "أبواب الشيطان" للأب باسيليوس، وقد تناول فيه (باب الخداع) الذي يدخل منه إبليس لأفكار الناس ليضللهم .. وفي هذا العدد نقدم الجزء الثاني من المقال، ويتضمن بابين آخرين يدخل منهما الشيطان. (2) باب الثقة الزائدة: هل عندما تنتصر علي خطية ما، تغلق هذا الباب بثقة وكأن إبليس لن يجرؤ علي محاربتك في هذه الخطية مرة أخرى! لكن هذه ثقة في غير مكانها فبواسطتها وبدون أن تشعر تفتح الباب لإبليس كي يدخل منه مرة أخرى. هل تشعر في داخلك أنك متواضع؟ احذر .. فهذه أولى الخطوات التي تقودك إلي الكبرياء دون أن تشعر. عندما تقول: إن هذه المنطقة أصبحت أقوى منطقة في حياتي، ففي هذه اللحظات يدق ناقوس الخطر!! كم من نفوس دون أن تشعر دخل إليها إبليس من باب الثقة الزائدة؟؟ تذكر معي يشوع عندما سقطت أسوار أريحا .. أخذته الثقة الزائدة، فكانت النتيجة أنه استهتر بمدينة عاي. "لا يصعد كل الشعب، بل يصعد نحو ألفي رجل، أو ثلاثة آلاف رجل ويضربوا عاي .. لا تكلف كل الشعب" (يش 7: 3) ونسي يشوع أيضاً في غمرة الثقة الزائدة أن هناك خطية في وسط إسرائيل. عندما تحقق انتصاراً كبيراً علي العدو، فإن لحظات الخطر تكون شديدة للغاية. لأنه لن يتركك. هل تخاصم أحداً وتشعر بثقة زائدة إنك قادر علي مصالحته في أي وقت؟ لكن تمر الأيام، وتعجز عن القيام بالمصالحة، لأن الكراهية ملأت قلبك!! هل تقضي كل وقتك بعيداً عن الرب، لكنك بثقة زائدة تشعر أنك قادر علي الصلاة والرجوع إليه في أي وقت؟ ويوهمك الشيطان أن الصلاة متاحة في أي وقت .. حتى يأتي عليك وقت وتشعر أنك غير قادر أن تتقدم للرب بصلاة أو قراءة الكلمة، وتجد نفسك ابتعدت كثيراً عنه، فقد دخل الشيطان لحياتك من باب ثقتك الزائدة!! تذكر معي عندما أعلن الرسول بطرس أمام الرب يسوع أنه مستعد أن يمضي معه ليس فقط إلي السجن لكن إلي الموت!! كذلك كم شخص منا يردد هذه الكلمات أمام الرب!! لكن المهم ليس فقط ترديد الكلمات لكن القدرة علي فعلها. تستطيع أن تردد كلمات المحبة للرب عندما تكون محاطاً بجو روحي، أو داخل الكنيسة، لكن المهم عندما تتعرض لأزمة أو لموقف صعب، هل تكون هذه الثقة الزائدة في مكانها؟ وماذا سيكون رد فعلك الحقيقي؟ تذكر معي كلمات الرب يسوع لبطرس "طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (لو 22: 32) أيضاً قال الرب يسوع كلمات مهمة للغاية: "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة" (لو 22: 31) الغربلة هي وضع الحنطة داخل إطار خشبي مشدود عليه سلك ثم تُرفع هذه الحنطة لأعلى لكي يتم التخلص من القش، ثم تسقط الحنطة لأسفل. وكأن الرب يحذر: إن إبليس لا يستهان به! هذا عمل الشيطان، فهو يرفعك لأعلى، ارتفاعاً زائفاً، ليجعلك تسقط بعد ذلك لأسفل. كم من نفوس دون أن تشعر سقطت في هذه المصيدة؟! عزيزي القارئ.. إياك والثقة الزائدة فقد أسقطت جبابرة مثل: شمشون الذي قال بثقة: "أخرج حسب كل مرة وانتفض" (قض 16: 20) مثلما نرى أننا نستطيع بسهولة التغلب علي خطية ما، وفي أي لحظة يمكننا القضاء عليها، لكن الكتاب يقول عن شمشون: "ولم يعلم أن الرب قد فارقه" (قض 16: 20) إبليس عندما لا ينجح في الدخول من هذه الأبواب يدخل من: (3) باب الصداقة: الشيطان يستطيع أن يكون صديقاً لك، فهو يأتيك أثناء لحظة احتياجك هامساً في أذنيك" إن لا أحد يشعر بك، أو يعاونك في حل مشكلتك، والكل قد انفض من حولك، ولا أحد يقف إلي جوارك .." يحدثك بكلمات تبدو روحية، وكأنه يهتم بمشاكلك وأحزانك!! فالكتاب يقول عنه: "يغير شكله إلي شبه ملاك نور" (2كو 11: 14) فيتحدث إليك مثلما تحدث إلي الرب يسوع بعد أن صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة "جاع أخيراً" (مت 4: 2) فقال له المجرب "فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً" (مت 4: 3) يصور لك أنه يشعر بك، وأنه يريد صالحك، وهو القادر علي حل مشكلتك. قارئي الحبيب.. احذر إبليس .. فهو يحاول أن يقيم معك عهد صداقة، فيحدثك بهذه الكلمات .. لماذا تتألم وتتعب كثيراً؟ وماذا كانت نتيجة إيمانك وتبعيتك للمسيح إلا هذه المعاناة والآلام! بينما يحاول أن يشعرك أن راحتك في إتباعه هو!! مثل العرض الذي قدمه للرب، أن يعطيه كل الممالك، أي المركز والسلطان. فهو أيضاً يعدك أن تعيش في سلام، وأن يعطيك غنى وسعادة، وكل ما تشتهي أن تملكه علي الأرض، لكن هناك شرط، أن تكون من أتباعه "أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي" (مت 4: 9) قد يعطيك إبليس سلاماً زائفاً أو غنى أو يحقق لك بعض المكاسب الأرضية الوقتية، لكن من أجل أن يبعدك عن الله .. تذكر معي كلمات آساف النبي "غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار .. ليسوا في تعب الناس ومع البشر لا يصابون" (مز 73: 3) فقد دخلت الغيرة قلبه عندما رأى النفوس البعيدة عن الرب، ولكنها رغم ذلك تعيش في سعادة! إبليس يخدعك بأن يجعلك ترى أتباعه يعيشون في سلام، بينما من يسير مع الرب يعيش في ألم وضيقات، ولكن انتبه، هذه ليست النهاية، فالنهاية دائماً هلاك الأشرار. تابع بعي ما قاله آساف بعد ذلك "كيف صاروا للهلاك بغتة، اضمحلوا فنوا من الدواهي" (مز 73: 19). إبليس يوهمك أن أمورك المادية ليست علي ما يرام، وأن دخلك لا يكفي .. لكن انتبه لأن حجارة الله أفضل من خبز الشيطان، فالكلمة تعلن "القليل الذي للصديق خير من ثروة أشرار كثيرين" (مز 73: 16) قارئي العزيز .. هل حاول إبليس الدخول إلي حياتك عن طريق أحد هذه الأبواب، أو ربما عن طريق العديد من الأبواب الأخرى التي لم نتحدث عنها .. هل دخل إبليس بالفعل، ولم يجد أي مقاومة منك حتى الآن؟! والآن .. هل تراجع موقفك بأن تغلق هذه الأبواب أمامه؟ صلاة يا رب ساعدني أن أغلق الأبواب أمام العدو بقوة، اجعلني احتقر عطايا الشيطان مهما كانت صعوبة ظروفي. يا رب .. إبليس لا يرحم لكني أثق في قوتك.. يا رب .. رغم ضعفي لكني لا أخاف المعركة لأني أثق أنك سوف تعين ضعفي.. إلهي .. كم من أبواب فتحتها بإرادتي أمام الشيطان .. كم من أشياء جيدة سرقها إبليس من حياتي .. كم مرة خدعني إبليس واستسلمت له .. ولكنك تستطيع الآن أن تعالج القلب المريض .. أنت وحدك تتفهم ضعفي، وتسندني لكي انهض مرة أخرى.
الأب باسيليوس راعي كاتدرائية الكاثوليك بالمنيا