أضواء على مثل الابن الضال
المحرر
هذا المثل الوارد في ( لو 15: 11-32 ) هو ضمن
ثلاثة أمثال قالها الرب يسوع في معرض رده على تذمر الفريسيين والكتبة، بسبب تقرّب
العشارين والخطاة منه ليسمعوا كرازته وتعليمه.. وتدور الأمثال الثلاثة حول إعلان
محبة الله للخطاة ، ورغبته في عودتهم اليه وخلاصهم، والأفراح التي تحدث في السماء
نتيجة لعودة أي خاطئ ضال أوضائع منهم.. ومثل الابن الضال حافل بالمعاني الرائعة
والتي نلاحظ أبرزها فيما يلي:
1- الله أبو كل البشر:
«إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ ابْنَانِ " (لو
15 : 11). هذا الإنسان يمثل الله وأبوته
للبشر، والابنان يمثلان كل البشرية. فنحن جميعاً أبناء الله لأننا خلقه، وصنعة
يديه، وبداخل كل إنسان منا نفخة من روحه القدوس. ولذا دُعي آدم " ابن الله
" ( لو3 : 38 ). والرسول بولس في حديثه لأهل أثينا يقول: " كما قال بعض
شعرائكم أيضاً: لأننا أيضاً ذريته " ( أع 17: 28 ).. وإن كان الابنان يمثلان كل بني الإنسان.
فالمؤمنون لهم بنوة أخرى روحية، أساسها قبولهم المسيح مخلصاً فصاروا أولاد الله أي
المؤمنون باسمه. ( يو 1: 12 ) هذا إلى جانب كونهم أبناء الله بالخلق مثل باقي
البشر.
2 - الآب السماوي وعطاؤه لنا:
"
فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ " (لو 15 : 12) هنا نجد في تقسيم المعيشة معنى العطاء الإلهي. فهو يعطي الجميع حياة ونفساً
وكل شئ. (أع 17: 25 ). وفي عطائه لايتقيد بسلوك الإنسان، بل يعطي حتى من
لايستحقون، إنه منعم حتي على غير الشاكرين والأشرار. ( لو 6: 35).. ليت كل إنسان
يتأمل في هذا الفيض المتدفق من الخيرات من
قبل الله، من حفظ للحياة والمأكل والمشرب والملبس، وأشياء اخرى؟. وكلها هبات
لاتقدر بمال !.
3- حياة الضلال بعيداً عن الآب السماوي:
" وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ
شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ
مُسْرِفٍ " (لو 15 : 13) السفر إلى كورة
بعيدة يعني التوغل في عالم الشروالخطية، حيث يكون ملذاً للإنسان الخاطئ إمتاع جسده
بملذات وقتية زائلة. وماذا تكون عاقبة التلذذ بالخطية ؟ العاقبة هي خسائر فادحة،
قد تكون في الصحة، أو في المال، أو في الكرامة.. الخ. وسوف يسيطرعليه شعور قاتل
باليأس والضياع! وهذا هو معنى القول: " فلما أنفق كل شئ، حدث جوع شديد في تلك
الكورة، فابتدأ يحتاج " لقد كانت الحاجة شديدة إلى ملء الفراغ وتعويض ما ضاع
منه ! ولكن هيهات أن يجد ما يتمنى في هذه الكورة المجدبة، التي لم يجد فيها ما يسد
رمقه، وكاد أن يهلك جوعاً! حقاً إن من يخطئ ( أو يضل) عن الرب يضر نفسه. (أم 8: 36
)
4- الرجوع
إلى النفس وقرار العودة إلى الآب السماوي:
" فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ
لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا!، أَقُومُ وَأَذْهَبُ
إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ
"..ألخ (لو 17و18) هذه هي الخطوة الأولى والأساسية، والتي عليها يتخذ
الخاطئ قراره بالرجوع إلى الله. إن الخاطئ وهو في حالة التوغل في أعماق الخطية
يكون مغيباً، فلا يفكر في نفسه أو مصيره ، أو ما
هي عاقبة
إستمراره هكذا في حالة الضياع!.
ولابد من العودة إلى
نفسه ليفكر في حالة التعاسة التي وصل إليها في بعده عن الله. وذلك سوف يقوده إلى
الخطوة التالية وهي إتخاذ قرار التوبة والعودة إلى الله " أقوم وأذهب إلي أبي
" وهذا هو أصوب وأروع قرار يتخذه الخاطئ في حياته!
5- الآب السماوي ينتظر، ويرحب، ويفرح بعودة
الخاطئ:
" فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ.
وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ
عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ " (لو 15 : 20) هذا هو شعور الآب السماوي، نحو كل ضال يعود اليه. لم ينتظر حتى يصل اليه
الضال العائد، بل ركض ( أسرع ) نحوه واستقبله بالعناق، ولم ينتظر حتى يكمل كلمات
الإعتراف التي كان قد رتبها قبل مجيئه، بل أمر عبيده بان يلبسوه الحلة الأولى
( أفخر الثياب)، إنه كلباس العُرس الذي يرمزإلى الكساء الروحي أوالتبرير (مت22:
11)، ويجعلوا خاتماً في يده، كرمزللسلطان وحمل المسئولية، وحذاءً في
رجليه، كرمز إلى استعداد الحياة الجديدة التي سيحياها في وضعه الجديد، وأن
يذبحوا العجل المسمن، كرمز لوليمة الفرح السماوي بعودة الخاطئ التائب، إلى
حضن الآب السماوي، بعد حياة الضلال، وحصوله على الحياة الأبدية بعد أن كان ميتاً
روحياً، بالذنوب والخطايا.
. وهذا الفرح السماوي ينعكس أثره على قلب الإنسان التائب الذي قبل الخلاص،
فيسوده فرح غامر !!. (انظر أع 8: 39- 16: 34 )
6- موقف
الابن الأكبر:
" فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُلَ
" (لو 15 : 28). كان غضب هذا الابن على
أبيه بسبب احتفال الأب بعودة ابنه الذي كان ضالاً. لقد كان يبغض أخاه، وكان يرى
أنه هو الأحق بهذا التكريم... وبهذا هو يمثل جماعة الكتبة الفريسيين المرائين،
أصحاب البر الذاتي، الذين يثقون بأنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخرين، ولا
يريدونهم أن يخلصوا. (لو 18: 9) بل هو يمثل كل المتدينين ظاهرياً، الذين لهم صورة
التقوى ولكنهم منكرون قوتها.. لقد كان ضالاً وهو في داخل البيت، كما ضل أخوه في
الكورة البعيدة. كلاهما ضل بعيداً كقول إشعياء النبي: " كُلُّنَا كَغَنَمٍ
ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ " ( إش 53: 6 ) فكل البشر ضلوا. وليس من يعمل صلاحاً، ليس ولا واحد. .
وحل هذه المشكلة هو في العودة إلى أحضان الآب السماوي..
وهذه هي
الخلاصة التي يحملها لنا هذا المثل: إن الله يريد من الإنسان البعيد الضال أن يرجع
إليه تائباً ليحصل على الخلاص من جميع خطاياه. وهو يدعو الكل بدون تفرقة، لأن
الجميع بلا إستثناء زاغوا وفسدوا، سواء من هم يعيشون بعيداً عن الله ولا علاقة لهم
به، أو من يعيشون حياة التدين الظاهري ولا يبدو عليهم أنهم خطاة.. الجميع محتاجون
أن يتوبوا ويبدأوا مع الله في علاقة صحيحة..كل البشر محتاجون إلى هذه البداية
الصحيحة، وبلغة أخرى محتاجون إلى الولادة الجديدة أو الولادة من فوق!
كقول الرب يسوع لنيقوديموس: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ
لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ». (يو 3 : 3)
هذه هي البداية في الطريق الصحيح للحياة مع الله، أن يولد الإنسان من جديد. وبدون
هذه الولادة فلا قبول في ملكوت الله، لأن الإنسان- كل إنسان- هو خاطئ بالطبيعة،
يحتاج إلى الغفران والتبرير والحصول على طبيعة جديدة تؤهله للقبول لدى الله والسير
في طريقه..