العمر يمضى مع الزمن
المحرر
تمضى السنون ومعها تمضى أعمارنا ، ولكن كثيراً ما يكون ذلك فى غفلة منا .. وإذا نظرنا إلى كيفية مسار أعمارنا ، وكيف تمضى مع السنين ، فمن الملاحظ أن للعمر مراحل مختلفة . فمن سنوات الطفولة والصبا ، إلى سنوات الشباب ، ثم الكهولة ، ثم الشيخوخة نجد أن عملية تغيير مستمرة هى التى تحكم هذه المراحل ..
وعلى وجه العموم ، فان مراحل العمر يمكن
قسمتها إلى مرحلتين رئيسيتين ، مرحلة النصف الأول من العمر ، وهذه تتوسطها فترة
الشبيبة ، وتتميز بالقوة ، والأمل ، والطموح ، والانفتاح على الحياة . وفترة النصف
الثانى من العمر ، وهذه تبدأ بالضعف التدريجى فى القوة البدنية ، وظهور العديد من
الأمراض ، وتراجع الشعور بالأمل والطموح .. بل ونستطيع القول : انه بداية العد
التنازلى لنهاية الإنسان !
هذه المرحلة المتأخرة من العمر ، تمضى بنا السنون اليها حتما ولكن كثيراً
ما ننسى هذه الحقيقة ، ونحن فى مرحلة الشبيبة ، وننسى أن مرور الزمن يغير كل ما هو
متعلق بنا . وعن هذا الأمر يقول الوحى : " افرح أيها الشاب فى حداثتك ،
وليسرك قلبك فى أيام شبابك .. واعلم أنه على هذه الأمور كلها سيأتى بك الله إلى الدينونة
، فانزع الغم من قلبك،وابعد الشر عن لحمك ، لأن
الحداثة والشباب باطلان "(جا 11 : 9 ، 10). أى منتهيان
.. هذه الدعوة التحذيرية من الوحى الإلهى ، يحتاج كل شاب أن يضعها نصب عينيه ..
إنها دعوة لأن يدرك الشاب أن الحياة تمضى بدون توقف ، ولن يستمر أبداً على ما هو
عليه من صحة وقوة ونضارة وتلذذ بالحياة لأن الحداثة والشباب باطلان "
وبعد ذلك سيصل الإنسان إلى الشيخوخة ، ليجد نفسه وقد اكتنفه الضعف بوجه عام
، وأصاب الوهن أعضاء جسمه المختلفة ، فعلى سبيل المثال : الذراعان اللتان طالما
مدهما للعمل والأشغال المختلفة ، أصبحتا مهزوزين مرتعشتين.كقول الجامعة:" فى
يوم يتزعزع فيه حفظة البيت"،والساقان اللتان كثيراً ما حركهما للسير فى
اتجاهات مختلفة،أصبحتا لا تقوى على حمله ،كقول الجامعة:" تتلوى رجال القوة
".والأشياء التى كان يمكن للإنسان حمله بسهولة ،
أصبحت ثقيلة جداً ، ولا يقوى على حملها .. ويمتد الضعف والعطب ليشمل كل أعضاء
الجسم تقريباً..ولذا أقدم لك النصائج التالية :
(1) إن حركة الزمن تنبئك بأنه ليس هناك شئ
دائم فى هذه الحياة،فأن كنت تتمتع بالشباب والقوة الأن ، فذلك محكوم بناموس الزمن
الذى يجعل كل شئ متغيراً..وما يتمتع به الإنسان من قوة ونضارة وحيوية الشباب ،سوف
يمضى مع مضى السنين ،وسيذهب كل ما هو متعلق بالشباب إلى غير رجعة..حقاً أن الحداثة
والشباب باطلان .
(2) وحركة الزمن
تعلن لك أنك ف الطريق إلى النهاية ، والتى عنها يقول الكتاب : " لأن الأنسان
ذاهب إلى الى بيته الأبدى " (
جا 12 : 5 ) .. فالزمن الذى يمر بك هو قطار مسافر ، ويقترب بك من الأبدية
رويداً رويداً .وقد صدقت الحكمة التى تقول : " كل شئ يزيد عند الإضافة اليه ،
أما العمر فهو عند الإضافة اليه ينقص ! "..
وبما أن الأمر كذلك ، فيتعين عليك عزيزى ، أن تعمل حساباً لآخرتك .. يقول
الكتاب " لو عقلوا لفطنوا ، وتأملوا آخرتهم "( تث 32 : 29 )..وقد تأتى النهاية قبل الوصول إلى سن الشيخوخة .. وكم من
أناس يموتون فى ريعان شبابهم !
(3) عزيزى الشاب ..عليك أن تستغل هذه المرحلة العابرة من حياتك ، استغلالاً
حسناً ، بأن تزرع لصالح مستقبلك حتى يكون حصادك مباركاً ، فمرحلة الشبيبة تلعب
دوراً
رئيسياً فى التحكم فى مصير الإنسان ، الزمنى والأبدى ؛ فالشباب الذى لا يكبح جماح
شهواته ونزواته،ويلهث وراء مباهج ومسرات
الحياة التى ترتبط بهذه المرحلة ، فذلك ينعكس على شيخوخته وأبديته ،
فالشيخوخة تكون مكتنفة بالحزن واليأس ، إذ يقول الجامعة محذراً : " فأذكر
خالقك فى أيام شبابك قبل أن تأتى أيام الشر ، أو تجئ السنون اذ تقول ليس لى فيها
سرور " (
جا 12 : 1 ) وهذه الأيام
الكئيبة : الخالية من رفقة الله ، هى مقدمة لدخول الإنسان فى مصيره الأبدى ، حيث
تقع عليه الدينونة الإلهية حال رحيله من هذه الحياة..
أما الذى يذكر خالقه فى أيام شبابه ، مكرساً
حياته له ، رافضاً المتع الوقتية الزائلة والزائفة ، فهذا له وعود إلهية بأن إلهه
لن يتخلى عنه فى حالة الشيخوخة والضعف ، حيث يقول الرب : " وإلى الشيخوخة أنا
هو ، وإلى الشيب أنا أحمل ، قد فعلت وأنا أرفع ، وأنا أحمل وأنجى "(
إش 46 : 4 ).كما أن الرب يمنحه بركات وافرة حتى
فى شيخوخته اذ يكون مثمراً فى الشبيبة ، ويكون دساماً وخضراً(
مز 92 : 7 )..وفى النهاية ينطلق بسلام ليكون مع
المسيح، ذاك أفضل جداً..
عزيزى ..
إن العمر يمضى مع تعاقب السنين ، فلا تكن غافلاً عما يجرى .. فكر فى مستقبلك ،
الزمنى والأبدى..