دروس من حياة يوسف
المحـرر ..
وردت قصة حياة يوسف فى الأصحاحات من 37 إلى 50 من سفر التكوين. وهى تقدم لنا نموذجاً لامعاً لشاب، نقى السيرة والسريرة. ولكنه برغم ذلك يجد نفسه يسلك طريقاً وعراً، ملئ بالأشواك، وذلك نتيجة لقسوة أخوته الذين باعوه عبداً.. وبعد ذلك ظل يعانى لمدة 13 سنة.. وأخيراً إنتهى به المطاف إلى الوصول للمنصب الرفيع، فكان الثانى بعد فرعون ملك مصر، بل فى الحقيقة كان يوسف هو الحاكم الفعلى لمصر.. وبهذا رأينا أن الخير الذى كان فى يوسف، والذى ظل ساقطاً فى القاع لعدة سنوات، قد طفا على السطح وصارت له السيادة.. لقد أعتدل الميزان وأُنصف المظلوم.. ومن خلال ما سطره الوحى المقدس عن حياة يوسف، نتعلم عدة دروس.. وأبرزها فيما يلى :
1- البرئ الذى ظلم :
ماذا كان ذنب هذا الشاب البرئ، السليم النية، حتى يلاقى ما لاقاه من أخوته؟ كل ما فعله هو أنه قص عليهم حلمين رآهما فى المنام، والحلمان ينبآن بأنه سوف يتسيد على أخوته.. أما مسألة تفضيل أبيه له على باقى إخوته فليس ليوسف ذنب فى ذلك. ولكن هؤلاء الأشرار أضمروا له الشر، وكانوا ينوون قتله إذ قالوا : "هُوَذَا هذَا صَاحِبُ الأَحْلاَمِ قَادِمٌ. 20 فَالآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى الآبَارِ" (تك19:37) ثم غيروا خطتهم، وباعوه عبداً. والذين أشتروه كانوا تجاراً إسماعيليين. وبالطبع لم يعاملوه معاملة رقيقة. ولعلهم هم المقصودون بقول الكتاب : "آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ" (مز18:105).
هذا الفتى الغض، الذى لم يفارق أباه إلا نادراً، وكان يستمتع بكل ما فى قلب أبيه من حب وعطف ودفء، وجد نفسه فجأة بين أناس أغراب. وكان بالنسبة لهم مجرد سلعة يبتغون من ورائها ربحاً!. وقد باعوه فى مصر لفوطيفار رئيس الشرطة0 ومع مرور الزمن شعر يوسف ببعض الراحة والاستقرار، إذ وثق فيه فوطيفار، ووكله على كل ماله. إلا أن الشيطان الذى أثار ضده أخوته، أثار أيضاً ضده زوجة فوطيفار، فحاولت إيقاعه فى حبائلها. ولما رفض، أدعت عليه كذباً أنه حاول اغتصابها.. وكانت العاقبة إلقاء يوسف فى السجن..!
وفى هذا نجد فى يوسف رمزاً لمن قيل عنه : "ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ" (إش7:53) لقد رضى المسيح بالظلم، مسلماً لمن يقضى بعدل...
2- الانتصار على تجربة الخطية :
لقد انتصر يوسف على تجربة الخطية، وخرج ظافراً مرفوع الرأس، معطياً المثال والقدوة لنا عبر الأجيال. وهل يمكن أن تُنسى قولته الشهيرة التى يتردد صداها فى كل زمان ومكان وهى : "فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟!".
لقد كانت كل الظروف مهيأة له للسقوط فى الخطية، ولكنه وقف بصلابة وتحدٍ أمام قوة التجربة، وخرج منها بنجاح باهر! ولا شك أن الشيطان هو الذى أهاج ضده هذه المرأة الشهوانية فحاولت استمالته للإاغتراف من المتعة المحرمة، خاصة وهو شاب فى عنفوان قوته، ولابد أن المرأة كانت على قدر كبير من الجمال..! ومع أنه ألقى به فى السجن، جزاء عفته وطهارته، ولكنه بلا شك كان مرتاح الضمير، متمتع بسلام قلبى عميق.
3- التعزية وسط الألم :
لقد ترك الرب يوسف لسنوات متألماً، بداية من بيعه عبداً، وبقائه فى بيت فوطيفار، ثم سجنه. وهى مدة بلغت ثلاث عشرة سنة. ولكن فى كل هذا كان الرب معه.. ولقد عزاه خلال سنى التجربة، مخففاً عنه المعاناة التى حلت به..!
فلقد بارك بيت المصرى بسبب يوسف (تك5:39) وكان رد فعل الرجل المصرى، أنه لم يجعله مجرد عبد، بل وكله على كل أملاكه.. خاصة وأن يوسف، حتى مع صغر سنه، كان يتميز بحسن الإدارة والتدبير، مما جعل الأمور تسير سيراً حسناً.. وعندما زج به فى السجن، فإن الرب كان معه وبسط إليه لطفاً (تك21:39) وبنفس الكيفية حظى يوسف فى السجن بما حظى به فى بيت فوطيفار، فلم يكن مجرد سجين، بل تحول إلى مسئول، أوكلت إليه شئون المساجين. فكان هو الوكيل المتصرف فى كل ما يخصهم.. لقد خفف الرب عن يوسف بهذه المعاملة الرقيقة.. كما أن المسئولية التى تحملها، والوكالة التى أدارها، فى كل من بيت المصرى والسجن، كانت عبارة عن "بروفة" لما هو عتيد أن يتحمله من مسئولية أكبر ووكالة أضخم، وهى إدارة شئون مملكة مصر كلها فيما بعد.. ولا ننسى أيضاً أن الرب قد متع يوسف فى فترة معاناته، ببصيرة روحية، فكان خير مفسر للأحلام.. لقد أعطى الرب ليوسف مع تجربته المنفذ، فأعطاه مزايا كانت تعزية له فى وسط ضيقه وآلامه..
4- التعويض الإلهى، ومعرفة القصد :
حقاً ما أروع التعويض الإلهى الذى جاء بأكثر جداً مما كان متوقعاً.. ولقد جاء هذا التعويض فى وقته تماماً.. لقد حكمت محكمة السماء ليوسف المظلوم، الذى قضى ثلاث عشرة سنة فى الضيق والألم، بثمانين سنة من المجد والكرامة. ولقد خرج من السجن ليتبوأ منصباً رفيعاً، فكان الرجل الثانى بعد ملك مصر.. حقاً لقد أعتدل الميزان، وأُنصف يوسف المظلوم، لأن " اَلرَّبُّ مُجْرِي الْعَدْلِ وَالْقَضَاءِ لِجَمِيعِ الْمَظْلُومِينَ" (مز6:103).
ولقد حرك الرب الأحداث، فى الوقت المناسب، لكى يأتى بيوسف إلى فرعون ليفسر له حلميه، ثم يعينه فرعون ثانياً له على عرش مصر.. وبذلك نجد أن الأحداث التى واجهت يوسف بتخطيط شيطانى، وتنفيذ بشرى، وسماح إلهى، تتمشى مع القول : "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ" (رو28:8).
لقد جعل الرب من الطريق الوعر الذى سلكه يوسف، المعبر الذى أوصله إلى المكانة العليا. إلى جانب الدور الذى قام به فى أعالة شعب مصر، وغيرها. وبذلك أتضح القصد الإلهى من وراء الأحداث الصعبة التى واجهت يوسف، وهو الخير العميم له..
5- المحبة الغافرة :
كان فى إمكان يوسف، وهو فى موقعه السيادى، أن ينزل بأخوته أشد أنواع العقاب. ولكن الذى حدث هو خلاف ذلك، إذ صفح عنهم، بل أنه طيب خاطرهم، بينما كانوا نادمين على ما فعلوه، أشد الندم، قائلاً لهم : "لا تتأسفوا ولا تغتاظوا.. أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا" ثم يعلن لهم بأنه سوف يعولهم هم وأولادهم .. وبذلك نجده يرد على شرهم بالخير .. وفى تصرف يوسف هذا نجد رمزاً لمن سامح، وغفر لصالبيه، فكان أول ما نطق به، وهو على الصليب قوله : «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لو34:23).
عزيزى القارئ .. هذه أبرز الدروس من حياة يوسف : فهل تطبقها علمياً على حياتك؟
* إذا وقع عليك ظلم من أى نوع، فهل تسلم لمن يقضى بعدل؟
* وإذا واجهتك خطية ما، فهل تقاوم، حتى الدم، مجاهداً ضدها؟
* وإذا كنت تعانى من ضيق وألم، فهل تنتظر الله، أبو الرأفة، لكى يعزيك فى كل ضيقك، مخففاً عنك؟
* وهل تدرك ان قصد الله هو لصالحك، ما دمت تعمل مرضاته؟
* وهل فى قلبك محبة كافية بأن تغفر وتصفح عن من يسئ إليك؟