أن تـُحب قريبك كنفسك
المحرر
يتضمن الناموس الإلهي وصيتين هما الأعظم فى كل وصايا
الناموس، التى تحتوى على (613) وصية. وقد قال عنهما رب المجد يسوع : "بهاتين
الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مت40:22) .. والوصيتان العظميان هما
: "تُحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هى الوصية الأولى
والعظمى، والثانية مثلها : تُحب قريبك كنفسك" (مت37:22-39) و( لو27:10).
وهاتان الوصيتان مرتبطتان لا تنفكان، بمعنى انه لا يصلح
حفظ وتطبيق إحداهما دون الأخرى .. ومهم أن نعرف أن الحفظ والتطبيق العملي للوصيتين،
تبرزه الوصية الثانية، وهى محبة القريب كالنفس. فعندما نُحب القريب، فبذلك نبرهن
على أننا نحب الرب .. يقول الرسول يوحنا : "لأن من لا يحب أخاه الذى أبصره،
كيف يقدر أن يحب الله الذى لم يبصره؟" (1يو20:4). فمن يقول أنه يُحب الله فقط،
وليس فى قلبه محبة لأخيه الإنسان، فمحبته باطلة..
وعندما طرح الرجل الناموسى، على المسيح، سؤاله القائل : "من
هو قريبى؟" (لو29:10). فلابد إن ما كان فى مخيلة هذا الرجل، هو المعنى الضيق
لكلمة "القريب". ولكن المسيح أجابه بمثل "السامرى الصالح" الشهير،
والذى أوضح فيه أن كلمة القريب، ليست بالمعنى الضيق والمحدود، بل بالمعنى الواسع
الشامل لكل بنى الإنسان .. وخلاصة مثل السامرى الصالح هى :
إن انساناً يهودياً كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا.
وفى الطريق خرج عليه قطّاع ُطرق، وسلبوا ما معه من مال ونزعوا عنه ثيابه، وأصابوه
بجروح بالغة. وتركوه بين الحياة والموت. وبينما هو فى هذه الحالة، مر به رجلان من
رجال الدين اليهودى، أحدهما كاهن والآخر لاوى ولم يعملا له شيئاً. وأخيراً جاء رجل
سامرى (والسامريون- بالنسبة لليهود- هم أعداء) ولكن هذا السامرى
تحنن
على الرجل المصاب، فقام بتضميد جراحه، ثم أركبه على دابته وأوصله الى فندق ليقيم فيه حتى
يتم شفاؤه،
وتكفل بكل نفقات علاجه وإقامته. (لو30:10-35).
وعقّب المسيح على المثل بسؤاله لصاحب سؤال : "من هو
قريبى؟" قائلاً له : "فأى هؤلاء الثلاثة ترى صار قريباً للذى وقع بين
اللصوص؟ "ولم يشاء الرجل اليهودى الناموسى أن ينطق اسم "السامرى"
عدوه، فقال : "الذى صنع معه الرحمة" فقال له يسوع : "اذهب أنت
أيضاً واصنع هكذا"، أى عليك أن ترى فى أى انسان له حاجة للمساعدة، أياً كانت
جنسيته أو ديانته، هو قريب لك، وعليك أن تحبه كنفسك، فتمد له يد المساعدة، وتصنع
معه الرحمة. وبذلك تطبق الوصيه الخاصة بمحبة القريب، والتى تبرهن أيضاً على محبة
الرب من كل القلب .. والمحبة للقريب هنا، كما أوضحها الرب يسوع، هى التى تأخذ
الشكل العملى التطبيقى، وليست مجرد مشاعر العطف والحنان والإشفاق. وقد تمثلت هذه
المحبة فى ما قام به الرجل السامرى نحو الإنسان الذى وقع بين اللصوص، إذ دفعه حنوه
عليه إلى القيام باسعافه، ثم حمله ووضعه على دابته وأوصله الى الفندق، وقام بكل ما
يلزمه من نفقات ..
هذا هو المبدأ الذى وضعه الرب يسوع؛ انه مبدأ المحبة
العملية لجميع البشر، على اختلاف جنسياتهم ودياناتهم واتجاهاتهم، بل إن هذه المحبة
من شأنها أن تمتد لتشمل حتى الأعداء .. يقول المسيح : "وأما أنا فأقول لكم :
أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون
اليكم ويطردونكم" (مت44:5). ويقول
الرسول بولس : "فإن جاع عدوك فاطعمه، وان عطش فاسقه" (رو20:12). هذه هى
المحبة المسيحية الحقيقية .. والتى تتميز بالعطاء والبذل للجميع، حتى لمن لا
يستحقون ..
ويوجد أمران هما الأساس لهذه المحبة الباذلة
المضحية :-
الأول : إن إلهنا
أحب العالم أجمع. وبرهان ذلك انه "بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به،
بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3). وأيضاً هو يهتم بالناس جميعاً، فهو
الرازق لهم، والمعتنى بهم، وحياتهم فى يده. ولقد عبر المسيح عن محبة الآب السماوى
لعموم البشر بقوله : "فانه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على
الأبرار والظالمين" (مت45:5). فهو يرزق الناس جميعاً بمن فيهم الأشرار،
القائلين له "أبعد عنا، بمعرفة طرقك لا نُسر" هذه هى طبيعة الله، التى
تتجلى فيها محبته بوضوح فى معاملته الصالحة مع الناس جميعاً، أبراراً وخطاة. بل
انه كثيراً ما يعامل الخاطئ بغنى لطفه، ويتمهل عليه، معطياً إياه فرصة كافية. وذلك
لكى يقتاده إلى التوبة، لكى ينجو من الدينونة ويحصل على هبة الحياة الأبدية
(رو4:2).
والمؤمنون هم أولاد الله، ويجب أن يتشبهوا بأبيهم
السماوى وهذا ما قاله الرسول بولس : "كونوا متمثلين بالله كأولاد أحباء"
(أف1:5). إن الآب السماوى، الذى نحن مولودون منه، يريد أن تظهر طبيعته، التى هى
محبة، فينا، فنحب الناس جميعاً، كما أحبهم هو...
الثانى : إن البشر
جميعهم أخوة، فمع تنوعهم وتوزعهم فى كل بقاع الأرض إلا أن أصلهم واحد .. أليس أب واحد
وأم واحدة لكل الجنس البشرى؟!. يقول الرسول بولس : "وصنع (أى الله) من دم
واحد كل أمة من الناس يسكنون على كل وجه الأرض" (أع26:17).ولذا فإن الطبيعة
الآدمية هى القاسم المشترك لكل من يعيشون على أرضنا .. فالنظرة المسيحية للبشرية
هى أننا جميعاً أخوة واقرباء. ولذا فأنا - كإنسان - يتعين علىّ ان أحب كل أخ لى فى الإنسانية. ومن
هذا المنطلق يكون إحسانى ومساعدتى له، متى رأيته فى حاجة الى ذلك ..
مطلوب أن تتوفر لدينا المحبة التى تدفع على العطاء
للآخرين، كما فعل السامرى الصالح بإحسانه إلى إنسان عدو له. وبهذا نحن نكمل
الناموس، (مع إننا لسنا تحت سلطته، بل تحت النعمة) .. وفى هذا الصدد يقول : الرسول
بولس : "لأن، لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تشته، وان كانت
وصية اخرى هى مجموعه فى هذا الكلمة : أن تُحب قريبك كنفسك .. فالمحبة هى
تكميل الناموس" (رو9:13-10) .. (أنظر ايضا غل 5 : 14)