أحبنى
وأسلم نفسه
المحرر
دعونا أولاً نلقى نظرة عابرة على ما لاقى مخلصنا من
أهوال، جاءت عليه من معذبيه وصالبيه. فالذين سُلم إلى أيديهم يصفهم الكتاب بأنهم
"ثيران" و"كلاب" (مز22: 12،16). لقد نطح ونهش أولئك الأشرار
جسده الطاهر، وظلوا يعذبونه، قبل وأثناء صلبه، مع سخرية وتعييرات وإهانات بالغة
لشخصه العظيم، ثم تجرع غُصص الموت، وهو معلق على صليب العار، حتى أسلم روحه فى يدى
الآب ..
هذا إلى جانب الآلام النفسية والروحية، التى جاءت عليه
من جراء لعنة خطايانا التى وُضعت عليه، وهو البار الذى بلا خطية. هذا الحمل الثقيل
الذى وُضع على كاهله، كان مُحزناً له لدرجة انه قال لتلاميذه : "نفسى حزينة
جداً حتى الموت!" (مر34:14) لقد تجرع يسوع المسيح كأساً شديدة المرارة،
تجرعها راضياً فلم يفتح فاه بالإحتجاج أو الشكوى ..
هذه الكأس كانت مزيجاً من قسوة ووحشية صالبيه، وأيضاً من
عدل الله، الذى كانت إرادته استيفاء حقه من الفادى، إذ وضع نفسه مكان الخطاة حاملاً إثمهم (إش6:53).
كل هذا جاء على شخص ربنا يسوع المسيح لأنه أحبنا، فسكب
للموت نفسه من أجلنا. وفى هذا الصدد يقول الرسول بولس : "الذى أحبنى وأسلم
نفسه لأجلى" (غل20:2) وهذه الآية نتأملها فى التقاط التالية :-
1- الذى أحبنى : هذا هو الأساس والدافع للبذل والتضحية. وما أعظم هذا
الحب الذى اتجه نحو الناس الخطاة، ودفع للتضحية بهذه الصورة، وهى الموت نيابة
عنهم! وعن هذا يقول الرسول : "ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة
مات المسيح لأجلنا" (رو8:5) .. حقاً ما أعظم هذه المحبة التى قيل فيها
"المحبة قوية كالموت" (نش6:8) ..
ولذا نجد يسوع المسيح على الصليب، كان مشدوداً، لا بقوة
المسامير التى دُقت فى يديه ورجليه، أو الحبال التى ربطته بالصليب بل بقوة محبته،
لأن المحبة هى التى ربطته بالصليب بآلامه المروعة وعاره المهين! ولقد ظل معلقاً
هكذا حتى وفىّ كل مطالب عدل الله من البشر الخطاة ثم نطق قائلاً : "قد أكمل
وأسلم الروح!"
2-
وأسلم نفسه : لم يُقبض
على المسيح عنوة ويُرغم على أن يفعل ما لا يريد، بل أسلم نفسه لمن جاءوا للقبض عليه، بكامل إراداته. أنظر (يو6:18-8).
فلم يكن فى إمكان أحد أن يأخذ نفسه منه، رغماً عنه، إذ سبق فقال، مشيراً إلى نفسه،
"ليس أحد يأخذها منى، بل أضعها أنا من ذاتى. لى سلطان أن أضعها ولى سلطان أن
أخذها أيضاً" (يو18:10). لقد وضع نفسه بإرادته، أى بذلها بالموت صلباً،
وأيضاً بإرادته استردها ثانية من الموت، بقيامته ..
لقد كانت إرادة أعداء المسيح من نحوه، دافعها الحقد
والغل والرغبة فى الانتقام، فتركهم يحققون مأربهم الشرير لأن له إرادة أن يبذل
نفسه. وقد اتفقت إرادته الصالحة مع إرادتهم الشريرة، لتتم عملية الصلب من أجل عمل
الفداء العظيم ..
3- لأجلى : يصف الرسول موت المسيح بأنه كان لأجله. لأنه هو الجانى الذى يستحق القصاص، ولكنه نجا بفضل الثمن الذى دفعه
الفادى وهو دمه الكريم .. فهذا هو الدافع لظهور محبة الله لجنسنا البشرى، الذى سقط
فى خطية العصيان متمثلاً فى رأسه آدم الأول، الذى به دخلت الخطية إلى العالم
وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع (رو12:5).
لقد كان موت المسيح نيابياً كفارياً فحمل خطايانا أجمعين
.. وهذا هو الهدف الأسمى الذى كان أمامه منذ الأزل، ومن أجله جاء إلى عالمنا،
متخذاً جسداً بشرياً قابلاً للموت، لكى يموت كفارة عنا. ولذا قيل عنه : "وهو
مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا" (إش5:53). "والذى لم يعرف خطية
صار خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو21:5) انظر أيضاً (2بط24:2) و(1يو2:2)،
ومع أن المخلص بذل نفسه واشترى كل العالم بدمه الثمين، إلا أن الذين قبلوه مخلصاً
هم الذين يتمتعون بالفداء وليس مجرد الشراء فقط .. فكل الناس مشترون، ولكن
المؤمنين به فقط هم المفديون بدمه الكريم (1بط18:1). فهل أنت، عزيزى القارئ، واحد
من هؤلاء المفديين؟.
4- لأجلى : (بالمفرد).
فالرسول إذ يقول : "أحبنى" و"لأجلى" فهو هنا يخصص محبة المسيح
وموته مصلوباً له هو بالذات .. فمع أن موت المسيح كان من أجل جميع الناس، لكنه
أيضاً من أجل كل واحد على حدة. لأن محبة الرب لنا ليست عامة فقط، بل وخاصة وشخصية
أيضاً. فهو يهتم بالفرد كفرد، ولذا يقول عن نفسه، كالراعى الصالح، "فيدعو
خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها" (يو3:10) فكل فرد منها له مكانته الخاصة عنده ..
أخى المؤمن .. عندما تدرك أن الرب يسوع أحبك أنت ومات من أجلك أنت،
تشعر بمدى العلاقة الشخصية التى تربطك به، وترى فيه المحب الألزق من الأخ.
لقد صُلب المسيح لأنه أحبنا، فأسلم نفسه من أجلنا،
حاملاً عنا جُرم وعار ولعنة خطايانا، مانحاً لنا بره، واهباً لنا الحياة الأبدية ..