أساسيات الإيمان (7)
معمودية الروح القدس
اسحق جاد اسحق..
نبدأ
بتعريف معمودية الروح القدس بما قاله عنها الراحل القس بطرس لبيب، مؤسس العمل
الخمسينى فى مصر، فى كتابه "الشاهد الأمين فى قضية يوم الخمسين" (ص54)
"إن مَثل المعمد بالروح مثل الأسفنج فى الماء، لأن الروح يدخل فى كيانه روحاً
ونفساً وجسداً. فالمعمودية ليست إذن عملية خارجية فقط، ولا داخلية فقط، بل داخلية
وخارجية، فيصبح المعتمد فى الله والله فيه، بكيفية لم يختبرها إبان تجديده"..
إن
الروح القدس عندما يحل على الإنسان، يستولى على كل كيانه، وضمناً يستولى على
اللسان فيتكلم بلغة أخرى جديدة، مع وجود حركات وإهتزازات للجسد كدلالة على وجود
قوة إلهية بداخله..
أولاً :
المعمودية تأتى بعد التجديد
إن المعمودية بالروح، أو فى الروح، هى عمل عجيب يجريه
الرب يسوع فى المؤمن بعد تجديده، وهو عمل آخر يأتى لاحقاً للتجديد، كما يتضح لنا مما جاء فى سفر أعمال
الرسل، حيث نقرأ فى هذا السفر ما يؤكد هذه الحقيقة، وهى أن التجديد يسبق المعمودية،
والمعمودية تتبع التجديد، ولا صحة لرأى من يزعمون أن التجديد والمعمودية عمل واحد،
بل هما عملان متميزان، كما نرى ذلك فى سفر الأعمال فى النقاط التالية :
* فى (أع 8) نقرأ عن كرازة فيلبس لأهل السامرة، وقبول
الناس هناك لكلمة الله (وذلك كان نتيجة لما رأوه من آيات وعجائب صنعها الرب على يد
فيلبس). فماذا حدث بعد ذلك؟ يقول الكتاب : "ولما سمع الرسل الذين فى أورشليم
أن السامرة قد قبلت كلمة الله، أرسلوا اليهم بطرس ويوحنا، اللذين لما نزلا صليا
لأجلهم لكى يقبلوا الروح القدس، لأنه لم يكن قد حل بعد على أحد منهم، غير أنهم
كانوا معتمدين باسم الرب يسوع. حينئذ وضعا الأيادى عليهم فقبلوا الروح القدس"
(أع14:8-17).
فهنا نرى أن أهل السامرة قد إجتازوا فى اختبارين،
الأول : قبولهم لكلمة الله وإيمانهم ومعموديتهم بالماء، والثانى : هو
قبولهم للروح القدس..
* وفى (أع9) نقرأ قصة تجديد شاول الطرسوسى، وفيها نرى
هذه الحقيقة ،حيث إنه بعد ظهور الرب له، وهو فى الطريق إلى دمشق، حصل على إختبار
الولادة الجديدة. والدليل على ذلك أنه فى فترة الثلاثة أيام، قبل وصول حنانيا اليه،
كان صائماً ويصلى (عدد11). وعندما التقى به حنانيا خاطبه بالقول : "أيها الأخ
شاول, قد أرسلنى الرب يسوع، الذى ظهر لك فى الطريق... لكى تبصر وتمتلئ من الروح
القدس" (أع17:9) .. لقد تجدد شاول (الذى صار بولس فيما بعد) أولاً، ثم امتلأ
بالروح القدس عندما وضع حنانيا يده عليه..
* وفى (أع19) نقرأ عن رجال أفسسيين، كانوا مؤمنين، ولكن
لم يكونوا قد حصلوا على إختبار معمودية الروح القدس. فقد سألهم بولس قائلاً :
"هل قبلتهم الروح القدس لما آمنتم؟ وكان جوابهم : ولا سمعنا أنه يوجد الروح
القدس!" (عدد2) .. لقد وصف الوحى هولاء الرجال بانهم "تلاميذ"
(أى تلاميذ للمسيح)، ثم قول بولس لهم : "لما آمنتم" يعنى إنهم
كانوا مؤمنين. ولكن لم يكونوا قد قبلوا الروح القدس بعد .. وعندما عمدهم بولس
بالماء، ثم وضع يديه عليهم، حل عليهم الروح القدس، فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون.
(أع6:19).
وبعد استعراض هذه الأدلة القاطعة، هل يبقى مجال للزعم بأن
التجديد والمعمودية عمل واحد؟ كلا على الإطلاق، بل هما عملان منفصلان، وبينهما
فارق زمنى، قد يطول أو يقصر..
وهناك مؤمنون إجتازوا إختبار الولادة من فوق فقط، ولم
يحصلوا على إختبار المعمودية لأنهم لم يهتموا بها، أو يطلبوها (والروح القدس يعطيه
الآب للذين يسألونه). (لو13:11) ومع ذلك فهؤلاء المؤمنون مقبولون عند الله، ولكنهم
محرومون من البركات الوفيرة، التى يعطيها الروح القدس بسكناه فى المؤمنين المعمدين..
ثانياً : علامة
المعمودية
عندما نطالع ما جاء فى كلمة الله بشأن معمودية الروح
القدس، نجد أنها مرتبطة بالتكلم بألسنة وأيضاً التنبؤ. ولا مجال للإدعاء بأن الروح
يحل الآن بدون أية ظواهر مماثلة لما كان يحدث فى الكنيسة الأولى. لأن الله ثابت لا
يتغير فى معاملاته معنا، فهو ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. (يع17:1).
فعندما يذكر الإنجيل أن الذين حل عليهم الروح القدس،
تكلموا بألسنة جديدة فور حلوله عليهم. فهذا هو الوضع الثابت والدائم، والذى لم ولن
يتغير طالما بقيت الكنيسة على الأرض، وحتى يأتى عريسها المبارك ليأخذها اليه..
ونحن نتمسك بكل ما جاء فى كلمة الله عن علامة معمودية الروح القدس، كما حدثت يوم
الخمسين وبعده.. تعالوا بنا نرى ما ذُكر عن هذه العلامة الدالة على هذه المعمودية وهى
الألسنة :-
* فى (أع4:2) يقول الكتاب : "وأمتلأ الجميع من
الروح القدس ، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا". وفى
(أع44:10-46) يقول : "وبينما بطرس يتكلم بهذه الأمور، حل الروح القدس على
جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة، فاندهش المؤمنون الذين هم من أهل الختان... لانهم
كانوا يسمعونهم يتكلمون بألسنة ويعظمون الله". وفى (أع6:19) نقرأ : "ولما
وضع بولس يديه عليهم، حل الروح القدس عليهم، فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون".
انظر أيضاً (أع18:8).
هذا هو أهم ما جاء فى الإنجيل عن ارتباط معمودية الروح
القدس بالألسنة كعلامة.. ونحن من منطلق إيماننا بـ "الإنجيل الكامل"
نؤمن باستمرار ما جاء فيه عن المعمودية وإظهاراتها. لأننا لا نشاء الحذف أو
الإضافة لأى من المكتوب، واضعين نصب أعيننا التحذيرات الإلهية، الخاصة بمن يحذف أو
يزيد فى أقوال الله.. هذا إلى جانب ما جاء فى الإنجيل عن استمرار أعمال الروح
القدس العجيبة من اظهارات ومواهب متنوعة، نذكر منها على سبيل المثال :-
* وعد المسيح القائل : "وهذه الأيات تتبع المؤمنين
: يخرجون الشياطين باسمى، ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيات، وإن شربوا شيئاً
مميتاً لا يضرهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون" (مر16:16-18) .. لاحظ أن
المسيح لم يقل أن الآيات تتبع التلاميذ أو الرسل، بل تتبع (أى تلازم) المؤمنين على
مر العصور، وتعاقب الأجيال..
* وفى يوم الخمسين تحدث الرسول بطرس إلى الجمهور فقال :
"لأن الموعد (موعد حلول الروح القدس كما حل يوم الخمسين على المؤمنين) هو لكم
ولأولادكم، ولكل الذين على بُعد، كل من يدعوه الرب إلهنا" (أع38:2-39) ..
فالوعد بالمعمودية هنا ليس لأولئك اليهود فقط، بل أيضاً لأولادهم (أى أجيالهم
القادمة) والذين على بُعد، مقصود بهم البعيدين من غير اليهود، أو العالم أجمع..
وأقتبس هنا ما جاء فى هذا الشأن فى كتاب "الروح
القدس شريكى الأعظم " لمؤلفه القس / ديفيد يونج شو، ترجمة : د. القس / نبيل
أسعد، (ص174) .. فيقول :-
أولاً : تتضمن هذه
الكلمة وعداً خاصاً بالأمة اليهودية : "لكم" إشارة الى اليهود
الذين كانوا يستمعون إلى بطرس..
ثانياً : يعطى بطرس
وعداً للأجيال القادمة من اليهود : "لكم ولأولادكم".
ثالثاً : يتعلق أيضاً
الوعد بالعالم أجمع : "ولكل الذين على بُعد".
رابعاً : يتعلق الوعد
أيضاً ليشمل كل الأزمنة : "كل من يدعوه الرب إلهنا".. ويختم
المؤلف هذا الجزء بالقول : ما أعظم هذا الوعد الذى به يسكب الله روحه القدوس، ليس
فى أيام الرسل فقط، ولكن حتى الأن، وطوال عصر النعمة التى نحن فيها مقيمون.
* وفى (1كو8:13) يذكر الرسول بولس أن ثلاث مواهب ستنتهى
أو تُبطل؛ وهى النبوة والألسنة والعلم. ولكن متى يكون ذلك؟ عند مجئ الكامل (أى مجئ
المسيح). هذا هو الكلام المنطقى والسليم، وهو أن مواهب الروح القدس التى بدأت مع
الكنيسة فى يوم الخمسين، لابد أن تظل ملازمة لها حتى تنتهى رحلتها فى هذا العالم
بمجئ عريسها المبارك ليأخذها إلى المجد الأبدى. وهناك لن تكون ضرورة لوجود المواهب،
التى هى الآن كمرآة ننظر من خلالها، فنرى الأشياء فى لغز (أو بغموض، بحسب ترجمة
كتاب الحياة) ..
* اذاً نحن نؤمن بكل ما جاء عن معمودية الروح القدس،
وبكل إظهاراتها والمواهب المترتبة عليها. تماماً كما جاء عنها فى الإنجيل، بدون
حذف أو زيادة. وهذا هو "الإنجيل الكامل" الذى نؤمن به..
ولنا تكملة فى هذا الموضوع فى العدد القادم.