سلسلة بنورك نرى
نوراً
(3)
القس
عطية كامل...
واضح
من كلمة الله أن فداء الأجساد سيأتى أخيراً. فهو أمر مستقبلى. فالأجساد لم تفد بعد،
بل أبقى الله هذا ليتم لاحقاً. وهذا ليس بلا حكمة، وحاشا..!! فكل أموره مضبوطة
الموعد وبارعة الحكمة، وفى غاية العدل والكمال والمجد..
وأما
الحكمة فى ذلك فهى إنه أراد أن يكون هذا الأمر مرتبطاً بنا نحن وبمدى تعاوننا مع
روحه القدوس العامل فينا لنحقق غايات وجودنا، وكمال إرادته الصالحة من جهتنا..
إننا على
طريق المسير مع الله، نختلف،وطريقة تعاوننا مع روحه القدوس ليست واحدة، فهناك من
يُطفئ عمل الروح القدس فيه بعناده وعدم طاعته. (1تس19:5)، وهناك من يُحزن الروح
القدس بسلوكه الشرير وأعمال بلادته. (أف30:4). بل وهناك من يعيشون حسب الجسد
تماماً. (رو13:8). وكأن شعارهم ما قاله تلاميذ أفسس قديماً "ولا سمعنا انه
يوجد الروح القدس" (أع2:19) كما إنه هناك، وبالتأكيد، "من يعيشون لا
لأنفسهم، بل للذى مات لأجلهم وقام" (2كو15:5).
ومن هنا رأت
عدالة الله أن يكون فداء الجسد وتمجيده مرهوناً بأمانتنا وطاعتنا وسلوكنا نحن، فمن
كان أميناً فيما هو ترابى، سيكافأ بما هو سماوى، فلا يُقام على الكثير من أفسد
القليل. وهذا غاية العدل، ولب الكمال، ومجد الربوبية. وأما من تحصنوا خلف أوهامهم
قائلين بغير ذلك، فلهم الفرصة للاستفاقة والرجوع. وهذا أملنا، وفيه خيرهم. نعم
يقول الكتاب إننا هيكل الله وروح الله يسكن فينا، ولكنه يتوعد بالإفساد كل من
يُفسد هيكل الله. (1كو16:3-17). كما أن من نام وتغافى رافضاً أن يسهر ويحفظ ثيابه،
فقد هدده الرب بأن يمشى عرياناً (رؤ15:16)، أى لا يأخذ جسداً ممجداً بعد خلع جسده
الترابى وفى ذلك خزى له، حسب القول الالهى : "فيروا عريته" هذا وقد توعد
الله عدم الثابتين، بالخجل فى مجئ المسيح الثانى (1يو28:2). كما إننا نعلم أن بعض
الأجساد سيستلمها الشيطان لإهلاكها، كقول الوحى فى (1كو5:5) ولن يلبس أصحابها
مسكنهم الذى من السماء، وسيوجدون عراة (2كو5:5)، حيث ستخلص أرواحهم فقط فى يوم
الرب يسوع..
وما لا يعرفه
الكثيرون أن أجسادنا ستتعرض، عند الموت، لعملية "فحص" دقيق تكون نتيجتها
أن تُحفظ وتُحرس لمجد قادم، أو تترك لعبث يد الشيطان. ويالهول هذا..!! (1كو5:15
& رؤ15:16 & 2كو3:5).
إخوتى : إن
المشتكى لن تكف شكايته لمجرد موتنا، بل سيأتى ويتشاجر، مدعياً أن أجسادنا له. (ملحوظة
: هذا ما فعله مع موسى النبى نفسه، إذ حضر عند موته وأراد أن يسطو على جثمانه، رغم
حراسة ميخائيل الجليل له). وسنشرح هذا تفصيلاً فى بحث قادم. بنعمة الرب .. ولما
كانت أروحنا قد خلصت بنعمته علينا، له المجد، وفضله فقط، ودون شئ من جانبنا أو جهد.
لذا فالخلاف والهجوم والشكاية، ستكون فقط ودائماً على أجسادنا، والتى يمكن أن
تُترك له لإهلاكها، إذا كانت زانية أو عاهرة أو قاتلة .. (عب4:13) و(أف5:5).
وأما الغريب
فى الأمر فهو أن الرب عندما تحدث مع تلاميذه، قبيل صلبه وموته، يختم أقواله (وهى
فى الإصحاح الرابع عشر من إنجيل يوحنا) بالقول : "لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً،
لأن رئيس هذا العالم يأتى وليس له فىّ شىء" (يو30:14) مؤكداً تعرضه هو شخصياً
لهذا الهجوم الشرس عند موته، والذى سيخرج منه الشيطان خاسراً خائباً، لكون السيد
بلا خطية. ولكن لن يكون الأمر هكذا مع جميعنا، فالأمر سيختلف، والكثيرون سيجد
الشيطان فيهم ما يخصه، وسيأخذه. حتى أن البعض - كما يقول الكتاب - سيخسرون، بل
وسيخلصون ولكن كما بنار (1كو15:3). وهى آية لم يتم شرحها بعد كما يجب.
وأما إذا عُدنا
إلى النبوة، فسنجد السيد، له المجد، يربط برباط متين لا ينقطع بين مجد قيامته،
وطريقة سلوكه وتصرفه. وها نحن نسمعه يردد فى (مز7:16-8) ويحكى كيف عاش بقوله : "أبارك
الرب الذى نصحنى، وأيضاً بالليل تنذرنى كليتاى. جعلت الرب أمامى فى كل حين، لأنه
عن يمينى فلا أتزعزع". وهو هنا يبارك ويسبح الآب نهاراً لأجل وصاياه ونصائحه،
كما انه فى الليل يستمع لإنذارات ضميره وتوجيهاته، مؤكداً إنه قد جعل الرب أمامه
فى كل حين، فكان له سنداً فلم يتزعزع. وأما نتيجة ذلك عند موته فهى فى الأعداد من
9 إلى 11، وتقول : "لذلك فرح قلبى، وابتهجت روحى، جسدى أيضاً سيسكن
مطمئناً".. فرقاد الجسد مطمئناً عند الموت، ليس لكل واحد، بل لمن عاش على
طريقة المسيح، وبنفس الأسلوب. فالجسد يسكن مطمئناً، أو على رجاء، كما فسرها الرسول
بطرس فى (أع26:2) بشرط، لا بل بشروط، وليس مباحاً للجميع. وعن هذا يتحدث الكتاب فى
(أم32:14) قائلاً : "الشرير يُطرد بشره، أما الصديق فواثق عند موته"
فالثقة عند الموت هى للصديق فقط. وهى لا تأتى من فراغ، لأن البدايات تنبىء
بالمصائر، والأقدار تصنعها الأيادي، فطوبي لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً
فيروا عريته. (رؤ15:17).
إن عداوة الشيطان، أيها الأحباء، لا تتوقف تجاهنا لمجرد
موتنا، بل علي العكس سوف يأتي في تلك اللحظة ليطالب بما له فينا. وإن كانت وقاحته
جعلته يفحص المسيح (يو30:14) ويتشاجر مطالباً بجسد موسي، فكيف ننجو نحن إن أهملنا
أو نمنا؟ أنه لأجل هذا قد جعل الله فداء الأجساد أخيراً (رو23:8).