أساسيات الإيمان (6)
طريق الخلاص
اسحق جاد اسحق..
الخلاص
من الخطية هو عمل إلهى يتم داخل الخاطئ، فيحصل له تغيير وتحول من النقيض الى
النقيض، اذ ينتقل من الموت الى الحياة، ومن ظلمة الشيطان الى نور المسيح.. ومع
حتمية الدور الإلهى فى عملية الخلاص، إلا أن الجانب البشرى لابد له أن يتجاوب مع
المبادرة الإلهية، الهادفة الى خلاص الإنسان ونجاته من الهلاك الأبدى. وبدون هذا
التجاوب البشرى، فلن يعمل الجانب الإلهى..
والجانب الإلهى يبدأ بعمل الروح القدس، بواسطة كلمة الله
الحية الفعالة، مقدماً للخاطئ شخص المخلص، الرب يسوع، الذى أعد الخلاص بموته
الكفارى على الصليب. والخاطى الذى يتجاوب مع عمل روح الله تحدث له عملية
"تبكيت" (يو8:16 & أع37:2) ويتمثل ذلك فى الشعور الشديد بالندم، من
جانب الخاطئ، فيعلن له الروح أن دم المسيح كافٍ لغفران خطاياه، وبره كافٍ لستره
تماماً.. ولذلك تحدث الخطوات الآتية :
(1) الإيمان : وهو أن يثق
الخاطىء بالعمل الذى أتمه المسيح على الصليب، وأن دمـه قـد سُفك من أجل خلاصه من
الهلاك الأبدى هذا الإيمان هو الأساس للحصول على الخلاص. "آمن بالرب يسوع
فتخلص أنت وأهل بيتك" (أع31:16) وأيضاً : "لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان،
وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أف8:2) وهذا
يعنى انه بالإيمان، وليس بالأعمال، يخلص الخاطئ.. فأعمال الإنسان الخاطئ التى يرى
إنها صالحة، مثل الصوم والصدقة، وبعض الممارسات الدينية الأخرى، ويهدف من ورائها
إلى الحصول على غفران خطاياه، فهذه بلا جدوى (إش6:64) ولن تُغفر خطاياه إلا
بالإيمان بالمسيح الفادى والمخلص .. انظر (رو5:4) وهذا الإيمان قيل عنه "هو
عطية الله" فعندما يحدث تجاوب من جانب الخاطئ مع العمل الإلهى، فانه يحصل من
الله على هذا الإيمان، الذى هو ضرورى للحصول على الخلاص...
(2) التوبة : وهى العزم
الحقيقى والجاد على تغيير المسار، ثم يعقب ذلك تطبيق عملى لهذه التوبة.. والله
يدعو الجميع الى التوبة، لأنه يريد أن جميع الناس يخلصون انظر (إش 55 : 7 & مر
1 : 15 & أع 3 : 19 & 17 : 30 ).. وتبدأ التوبة فى عقل وقلب الإنسان،
فيتخذ القرار الحاسم بتغيير الإتجاه تماماً. وبذلك تجرى النعمة الإلهية عملها، اذ
تعطى قوة للمسير فى طريق الرب، وتحدى كل الصعاب، التى تعترض طريق الإنسان فى سيره مع الله.
إن التوبة الحقيقية هى عدم الرجوع للماضى، أى الهجر
التام والمقاطعة التامة للخطايا بكل أشكالها.
(3) الإعتراف : وهو الإقرار
بالذنب أمام الله، وقد يصاحبه ذرف دموع. كما فعل داود (مز6:6). ويكون الإعتراف
مصحوباً بالندم الشديد، وطلب وجــه الـرب بكـل مـذلة وإنكسـار تمثلاً بالعشار الذى
لم يشاء أن يرفع نظره إلى السماء، بل قرع على صدره قائلاً : "اللهم ارحمنى
أنا الخاطئ" والنتيجة انه نزل إلى بيته مبرراً (لو13:18). وهنا نجد أن
الإعتراف وطلب الغفران كانا من الله مباشرة وبدون وسيط. وهذا ما يجب أن يكون.
"أعترف لك بخطيتى ولا أكتم اثمى. قلت أعترف للرب بذنبى " (مز5:32)
فالإعتراف يكون للرب. لأن الذنب موجه اليه وحده (مز4:51) والرب هو غافر الذنب وحده،
وليس من حق أحد أن يأخذ هذا الدور بأن يتلقى اعترافات المخطئين حتى ينالوا غفراناً
بواسطته.
(4) الولادة الجديدة : عندما يقوم
الروح القدس بتبكيت الخاطئ، ويستجيب هذا للتبكيت، ويتم غفران خطاياه على أساس دم
المسيح. فان الروح يقوم بعملية خلق داخلى له. وهذا هو المقصود بالولادة الجديدة،
أو الثانية. لذا قيل عن هذه الولادة بأنها من الروح. (يو8:3) لأن الروح يقوم بهذه
الولادة، أو هذا الخلق، الذى قيل عنه : "اذاً إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة
جديدة : الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً" (2كو17:5). أى
حدوث التغيير من طبيعة فاسدة، إلى طبيعة مقدسة.. وعملية الولادة هذه تتم فى لحظة،
وإن كان الشخص المولود من فوق، يحتاج بعد ذلك إلى النمو الروحى للوصول إلى الكمال.
ويتحقق له ذلك بممارسة وسائط النعمة (الصلاة وقراءة كلمة الله وحضور الاجتماعات
الروحية) وعلى أساس الولادة الجديدة يصير المؤمنون أولاد الله (يو12:1) .. ويالها
من مكانة سامية، أن نصير أبناء لله، بكل ما يترتب على هذه البنوة من إمتيازات،
والتى منها : حق الدخول إلى عرش النعمة فى كل وقت، والتمتع بعناية ورعاية الآب
السماوى لنا، ثم أخيراً لنا الميراث الأبدى، إذ سنكون ورثة الله ووارثون مع المسيح
(رو17:8).
(5) التبرير : التبرير يتبع
الغفران. فبعد أن تُغفر للخاطئ خطاياه، ويُولد من فوق، ويُحسب له بر المسيح. بذلك
تكون النظرة الإلهية للإنسان المبرر، المكتسى ببر المسيح، لا مجرد إنسان غُفرت
خطاياه فقط، بل الأمر يتعدى ذلك إلى إيجاد علاقة طيبة معه، ويكون له مركز ممتاز فى
نظر الله.. والتبرير يتم على أساس الإيمان (رو5:4 & 1:5). اذ هو
من فيض نعمة الله الغنية.. وهذا البر ينتج أعمالاً صالحة ويسمى لذلك "البر
العملى" والذى يقول عنه الكتاب : "ألم يتبرر أبونا ابراهيم بالأعمال
اذ قدم اسحق ابنه على المذبح؟" (يع21:2).
وهنا نجد أن ابراهيم تبرر بالأعمال الصالحة، التى تمثلت
فى طاعته لله بتقديم اسحق ابنه على المذبح، بدون تردد. لقد ظهر تبرره بالأعمال،
بعد أن تبرر بالإيمان .. وهذا يعنى ان التبرير أمام الله، لابد أن يعقبه تبرير
عملى أمام الناس..
(6) التقديس : كلمة "تقديس"
ُتعنى إنفصال : أو فرز وتخصيص. فالمؤمن المقدس يُعد منفصلاً عن كل ما يحيط به من
شر فى هذا العالم، ويعيش مفرزاً ومكرساً ومخصصاً للرب وحده.. والتقديس هو
من عمل الروح القدس، (1بط2:1) وينمو
التقديس فى قلب المؤمن، منذ تجديده، بالشركة مع الله، والإمتلاء من روحه،
وطاعته لوصاياه، وعمل مشيئته.. وهذه تتطلب الجهاد، ومقاومة كل تيارات مضادة للمسار
الروحى، ليصل المؤمن إلى قامة عالية من حياة القداسة.. وبما انه يوجد تفاوت فى
الإجتهاد بين مؤمن وآخر فيترتب على ذلك تفاوت فى مستويات حياة القداسة بين
المؤمنين.
هذه هى القداسة العملية التى يحرضنا الكتاب المقدس على
اتباعها. يقول الرسول بطرس : "كونوا قديسين فى كل سيرة" (1بط15:1). وأيضاً
يقول كاتب العبرانيين : "اتبعوا... القداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب"
(عب14:12).
هذا هو الطريق الصحيح للخلاص، كما ترسمه لنا كلمة
الله.. إنه طريق التحرير من سلطان الخطية ودينونتها، والتبرير والتقديس أمام الله،
والتمتع برضاه، ونوال هبة الحياة الأبدية التى بالمسيح يسوع ربنا. الذى هو وحده
الطريق والحق والحياة، وليس أحد يأتى إلى الآب إلا به (يو6:14) .. ليت كل تائه
وضال أن يأتى إلى هذا الطريق، فهو المؤدى إلى علاقة صحيحة مع الله..