د / مارسيل اسحق
فرج ..
بين
الإيمان والعيان.. وبين المنظور وغير المنظور.. بين الواقع المرئى والواقع اللا
مرئى.. يقودنا الروح القدس إلى أبعاد لا منظورة من إيمانيات لها قوتها فى حياتنا
اليومية والروحية.. لها رؤية وهدف.. لها عمق وثمر.. فلو تحركنا فى العالم بالعيان،
لزلقت خطواتنا فى الحال. وتعبنا.. وها هو آساف يعلنها قبلنا، لما بدأ يرى واقعه بالعيان
: "فلما قصدت معرفة هذا إذا هو تعب فى عينى" (مز16:73).
ولكنه
لما دخل مقادس الله، ولما انفتحت العين الروحية، نطق بكل عز وقوة "من لى فى
السماء ومعك لا أريد شيئاً فى الأرض" (مز25:73). شتان الفرق بين العيان
والإيمان.. العيان تعب، والإيمان استغناء.. فلتكن لنا عين روحية تري كل ما هو
سماوي وأبدي..لا يغلبها الواقع والعيان.. ترفعنا من الأرضيات إلي السماويات.. عين
موجهة نحو الرب وحده لا سواه، فلا يعوزها شئ مع الرب، ولا تنجذب وتجري إلا وراء
الرب، ولا تستقر وتهدأ إلا في محضره، ولا ترتاح الا بين يديه.. ولنا في الحق
الكتابي ما يؤيدنا في المسير، فيفتح بصيرتنا الروحية أمام وجهه المنير، فيفيض لنا
بكلماته التي تشفي العين العليلة..
* عين الإيمان تتحدى العيان :
فى
سفر العدد (ص13) : اثنان من المرسلين لتجسس أرض الموعد، قالا : "إننا نصعد
ونمتلكها لأننا قادرون عليها"، "أما العشرة الآخرون، وهم الغالبية،
فقالوا كنا فى أعيننا كالجراد وهكذا كنا فى أعينهم". الغالبية عيونها غير
مفتوحة على الوعد.. والغالبية لم تمتلك الوعد، وذلك لأن عيانها أكبر من إيمانها..
ولكن الأقلية صدقت الوعد وصاحب الوعد.. رأت الواقع، ولكن رؤيتها الإيمانية كانت
أقوى من أى عيان.. فالحياة مع الرب تتحدى العيان والمنظور، والتوقعات البشرية...
اسمع ما يقول الكتاب : عن هؤلاء العشرة الذين لم يصدقوا الوعد : "مات هؤلاء
الرجال الذين أشاعوا المذمة الرديئة على الأرض بالوباء" (عد37:14) لو هزمك
العيان فأنت تحكم على نفسك بالموت والوباء الروحى. وهذا ما لا يريده الله لنا.
بينما كانت الحياة من نصيب يشوع ابن نون وكالب ابن يفنة اللذان صدقا بعين الإيمان،
وتحديا العيان...
* عين العيان تعثر الإيمان :
(مت3)
كان يكرز فى برية اليهودية، قائلاً : "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت الله.. الذى
يأتى بعدى هو أقوى منى.. سيعمدكم بالروح القدس ونار.." وقد رأى الروح نازلاً
مثل حمامة ومستقراً على المسيح إثناء معموديته، انه يوحنا المعمدان، يا لروعة
الإيمان..! فقد كان يمهد طريق الرب، حتى قبل أن يراه..
قمة
الإيمان أن يخبر عن الرب وتجسده قبل مجيئه. ولكن لما نظر للعيان، وهو فى السجن،
أرسل الى الرب يسوع رسالة غريبة من نوعها : "أنت هو الآتى، أم ننتظر آخر؟!".
لقد تعثرت عين الإيمان بالعيان. وكان رد الرب عليه "طوبى لمن لا يعثر فىّ"..
الرب يحفظنا غير عاثرين إلى مجيئه ثانية.. فلا تدع العيان يعثرك فى الطريق، بل
اغلب عيانك بإيمانك، وأسرع نحو الهدف، واركض وراء الرؤية.. بثبات وقوة وفرح..
* عين الإيمان ترى ما لا يرى :
(أيوب5:42)
: "بسمع الأذن قد سمعت عنك، وأما الآن قد رأتك عيناى". وسط التجارب
المؤلمة، وجه أيوب للرب كلمات تعلن عن ضيقته وكربته، حتى طلب من الرب أن يكف عنه..
لقد ضاقت حوله من كل جهة، فلم ير الرب رؤية واضحة وسط العيان المؤلم. ولكن لما
انفتحت عيناه قال : "قد علمت انك تستطيع كل شئ ولا يعسر عليك أمر".
لقد
رأى الرب بعد أن صدق فى قدرته وامتلاكه لزمام أموره الزمنية والحاضرة والمستقبلية
أيضاً.. لقد رأى الرب وندم عن كل كلمة وجهها الى الرب.. يالعظمة أن يتراءى الرب
لعبده أيوب فى وسط مجتمع وثنى لا يعرف الرب تماماً. لما وثق فى قدرته رآه بنفسه..
هللويا.. كانت نتيجة هذا، التعويضات التى منحه الرب إياها..
* عين الإيمان تنقل الجبال :
"من
أنت أيها الجبل العظيم أمام زربابل، تصير سهلاً" أمام إيمان مثل حبة خردل
ينتقل جبل عظيم.. أمام الإيمان يصير الجبل سهلاً..!. فلا قوة، مهما عظم شأنها،
تعترض الرب، ولا أى إنسان يقدر على الوقوف أمامه.. وعمل الرب فى حياتنا.. وثقتنا
فى الرب تعطينا السلطان بأن نأمر ونغلب ونمتلك.. فلا يقف إنسان فى وجهنا، لأن معنا
الرب القدير..
اجعل عصا موسى فى يدك ليستخدمها الرب لمجد اسمه،
فتصنع طريقاً ومسلكاً فى وسط المياه القوية ... فمهما كان العيان حولنا، فالإيمان
الذى فينا أعظم مما نراه.. فالإيمان لن يغير واقعك، ولكنك ترى واقعك بعين الرب،
فتنال وتمتلك. وحسب إيمانك، حتماً سيكون لك..