أساسيات الإيمان (2)
من هو المسيــــــــــح؟!
اسحق جاد اسحق ..
قدمنا فى العدد الماضى الحلقة الأولى من حقائق إيماننا المسيحى وكانت تدور حول وحى الكتاب المقدس، وحقيقة وجود الله وطبيعته وصفاته، ووحدانيته وثالوث أقانيمه.. وفى هذا العدد نقدم الحلقة الثانية من أساسيات إيماننا. وهي تدور حول شخص ربنا يسوع المسيح..
طرح الرب يسوع سؤالاً على تلاميذ يقول : «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» (مت13:16) وكانت الاجابات مختلفة.. ولا يزال هذا الإختلاف قائماً حول حقيقته، له المجد.. وهنا نحاول الإجابة عن هذا السؤال كما نتبينها من كلمة الله.
*المسيح ابن الله :
وهذه البنوة أسئ فهمها كثيراً. وهنا نقدم معنى هذه البنوة كما نفهمه من الكتاب المقدس : تعنى البنوة ولادة الابن الازلية من الآب قبل كل الدهور (بحسب قانون الإيمان). وهذه الولادة توجد عنها إشارتان فى العهدين القديم والجديد.. فقد جاء فى (ميخا12:5) قوله عن المسيح : "ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل" وفى (يو18:1) ويقول البشير : "اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّر"َ. وهذه العبارة فى الأصل اليونانى تقول "المولود الوحيد الذى فى حضن الآب" وهى ولادة أزلية استمرارية. لأن كلمة "مخارجه" الواردة فى ميخا تعنى الصدور الإستمرارى.
والابن أعلن لنا الآب، وهذا واضح من القول : "اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّر"َ أى أعلن لنا الله. ولذا قال له المجد : "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ" (يو9:14).
وأننا واجدون معلنات الابن فى العهد القديم عن الله، وذلك فى ظهوراته المتكررة، فأقنوم الابن هو الذى يمثل الآب، الذى لا يمكن رؤيته "الله لم يره أحد قط" فقبل تجسده كان المسيح يظهر لبعض الأتقياء، أمثال إبراهيم ويعقوب وموسى ويشوع وغيرهم.
* بنوة متفردة : هناك من يقولون أن بنوة المسيح مجازية، وذلك تجنباً لمعنى الولادة البشرية. ولكن المعنى البشرى لهذه البنوة مستبعد تماماً، ولا يمكن أن يخطر على بال أى مسيحى.. وقد ذكر الإنجيل عن المسيح أنه "الابن الوحيد".
وذلك لأن بنوته فريدة فى نوعها.. إن الله هو أب للمخلوقات العاقلة من الملائكة والبشر، لأنه خالقهم (أنظر أى6:1 و أع28:17و29). والمؤمنون على أساس قبولهم المسيح مخلصاً، صاروا أولاد الله (يو12:1). ولكن هذه الأنواع من البنوة هى حادثة، أما المسيح فإن بنوته أزلية طبيعية إستمرارية.
وهذه البنوة : هى صدور فى اللاهوت، يفوق الإدراك، بخلاف الملائكة والبشر، فهم خلقوا بأمر الهى فى وقت ما، فصاروا أبناء لله. بالخلق. أما الابن فهو صادر من الآب، وهو صدور طبيعى، لادخل فيه للمشيئة الإلهية. وهو المعبر عنه بالولادة، وهى ولادة أزلية، وليس فيها سابق ولاحق.
* المسيح هو الله :
تُعد حقيقة لاهوت المسيح من أهم ركائز إيماننا المسيحى. وكان رجال المسيحية الأولون على وعى تام وإيمان راسخ بهذه الحقيقة، فتصدوا لكل خروج عليها.. وعندما خرج آريوس ببدعته التى تنكر لاهوت المسيح، فقد ناقش مجمع نيقية المسكونى المنعقد سنة325، هذه البدعة، وأنتهى الأمر برفضها، ثم صياغة قانون الإيمان. وقد تمت الموافقه عليه بالإجماع.. وقد جاء فيه عن المسيح : "مولود غير مخلوق، واحد مع الآب فى الجوهر".
وفى عصرنا الحاضر تتمثل بدعة آريوس فى شهود يهوه وغيرهم من المبتدعين.. وهم ينكرون لاهوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، ويعتبرونه كائناً وسطاً بين الله والملائكة. وحججهم التى يستندون عليها، هى الآيات الخاصة بناسوته وأتضاعه وخضوعه للآب..
وهذه الآيات الخاصة بناسوته أو تجسده، لا تغيب عن إذهاننا، أو ذهن أى دارس متعمق لكلمة الله، فالمسيح كان له ناسوت حقيقى، ولذا لقب بـ "ابن الإنسان". وفى مرحلة إتضاعه صار فى وضع أقل من الملائكة (عب9:1) ولكن فى نفس الوقت كان هو الله غير المحدود، الذى يملأ الوجود بوجوده!! فهو الإله والإنسان فى آن واحد.. ولذا قيل عنه : "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تى16:3) فهو، تبارك اسمه، له طبيعتان إحداهما خاصة بلاهوته، والثانية خاصة بناسوته..
ونورد هنا بعض الآيات التى تؤكد لاهوته :
لقد أطلق عليه نفس لفظ الجلاله "الله" أو "الرب" مثل :-
* "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ" (يو1:1) لاحظ أن الكلمة (لوغوس) هو المسيح، الذى يقول عنه "وكان الكلمة الله".
* "إحترزوا لأنفسكم.. لترعوا كنيسة الله التى اقتناها بدمه" (أع8:20) لاحظ أن الذى أقتنى الكنيسة بدمه هو الرب يسوع المسيح..
* "وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (رؤ5:9). وبحسب نص كتاب الحياة "الكائن على الكل الله المبارك".
* "وَأَمَّا عَنْ الابْنِ : كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ" (عب8:1).
* أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ : «رَبِّي وَإِلهِي!» (يو28:20).
أما لفظ "الرب" فقد جاء فى العهد الجديد مئات المرات مرتبطاً بالمسيح، ويرتبط به أيضاً أسماء أخرى مثل "رب المجد".. "رب الأرباب".. "رب الكل".
وأيضاً نجد فى المسيح الصفات والكمالات الإلهية مثل :-
* السرمدية : فهو الألف والياء، الأول والآخر.. (رؤ11:1و17)
* علمه بكل شئ : (يو48:1 و17:21) و(رؤ23:2)
* قدرته المطلقة، وسلطانه على كل شئ : (يو21:5) و(عب3:1). و(رؤ18:1)
* وجوده فى كل مكان فى آن واحد : )يو13:3) و(مت20:18)
* وهو الخالق لكل شئ : (يو3:1) و(عب2:1)
* وهو مساو للآب فى الجوهر : )يو30:10 و8:14-14) (فى6:2)..
* الله ظهر فى الجسد :
إن الكلمة الأزلى، أى شخص ربنا يسوع المسيح، قد صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده (يو14:1). فأخذ طبيعتنا البشرية، ولكن خلواً من خطية آدم، وفى هذا الجسد أتحد اللاهوت بملئه بناسوته الطاهر، فكان الإله هو المتأنس الذى حل بيننا! وبما أنه لم يكن متناسلاً من آدم فلم يرث الميل للخطية على الاطلاق. ولذا فقد وصفه الوحى بأنه "لم يعرف خطية" و"لم يفعل خطية" و"ليس فيه خطية".
وإتحاد الطبيعتين الإلهية والإنسانية فى شخصه المبارك، هو سر عظيم يفوق الإدراك البشرى المحدود. فقد أتحدت الطبيعتان فيه، بلا إختلاط أو إمتزاج أو تغيير، فبقيت كل طبيعة منهما محتفظة بخواصها، بعد التجسد. ومع ذلك لم ُيحسب فعل اللاهوت للاهوت وحده، أو فعل الناسوت للناسوت وحده، لانهما متحدان فى أقنوم الابن، إتحاداً بدون إنفصال على الاطلاق!
وهذه بعض الملاحظات حول التجسد :
* إن المسيح نزل من السماء، ولكن لم يترك مكانه أو عرش مجده، بل كان وهو على الأرض، أيضاً فى السماء (يو3:3) فالجسد الإنسانى الذى أتخذه، لم يحد لاهوته، بل ظل هو الله غير المحدود الذى يملأ الوجود بوجوده!!
* إن جسد المسيح كان حقيقياً. وهذا ما عناه الرسول بقوله : "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا" (عب14:2) فقد جاع وتعب ونام وبكى وتألم. وفى صباه قيل عنه "وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ" (لو52:2).. وهذه الخصائص مرتبطة بنا نحن البشر..
* كان التجسد ضرورة أقتضتها عملية الفداء، فحتى يتم عمل الفداء لجنسنا البشرى، كان لابد لمن يقوم بالفداء أن يكون إنساناً لينوب عن الإنسانية، ويموت بدلاً عنها. وهذا ما عمله المسيح، تبارك أسمه، إذ أتخذ جسداً بشرياً قابلاً للموت ليكون الفادى الذى يكفر عن خطايا الجنس البشرى.. وقد مات مصلوباً، ثم قام فى اليوم الثالث. وبذلك فتح الباب للقبول لدى الله، والدخول إلى الأقداس السماوية فى حمى دمه الكريم (عب19:10).
وإتحاد اللاهوت بالناسوت هو أبدى.. هذا الاتحاد الذى تم فى بطن العذراء مريم، فى زمن معين، لن ينتهى! وقد رأى يوحنا الرائى الرب يسوع الممجد فى السماء، رآه بمنظره الإنسانى، بالجسد الذى قام به من الأموات وصعد به إلى السماء..
وعندما نتغير فى الإختطاف، فاننا سنكون على صورة جسد مجده (فى21:3) وسوف نتمتع بالوجود الدائم معه فى مجده الأبدى..