إمرأة منوح (قض13)
جاكلين عدلى... كاثوليك المنيا..
فى الكتاب المقدس سبعة عواقر : سارة – رفقة – راحيل - إمرأة منوح – حنة - المرأة الشونمية - اليصابات. (6 فى العهد القديم، وواحدة فى العهد الجديد..).
لماذا لم يذكر اسم إمرأة منوح؟
* قد يكون السبب الأساسى لذلك أن الوحى الالهى أراد أن يقول لجميع السيدات العواقر، فى كل الأجيال: أنا أقف بجانبكم..
* وقد يكون أن الوحى لا يريد أن يركز على الأم، بل على الابن المكرس، حتى نعطيه أهمية ، كنذير للرب. ولك أن تتأمل فيما هى أسباب ذلك من وجهة نظرك..
* سيكون حديثنا عن زوجة منوح فى أربع نقاط :
أولاً : الظهورات الملائكية
* يتفق أربعة من السبعة العواقر فى أن أولادهن ولدوا بوعد وهم : اسحق – شمشون - ابن الشونمية - المعمدان.. ويتفق أثنان منهم بظهور الملاك وهما : شمشون ويوحنا المعمدان..
* هنا نقف أمام سؤال يطرح نفسه أمامنا : لماذا تراءى الملاك للمرأة، ولم يظهر لزوجها منوح؟؟
* ربما كانت أكثر تقوى منه..
* أو ربما كانت أكثر قلقاً وأهنماماً بالانجاب أكثر من زوجها مقتنعة وراغبة فى أن يكون نسلها هو الذى سيسحق رأس الحية..
* أو أن الأم هي التى ستقوم بالتربية، وهذا الصبى القادم لابد له من أسلوب خاص فى التربية، ليصبح نذيراً مكرساً، ولأنها سيقع على عاتقها حمل التربية السليمة له من جميع الجهات، خاصة الروحية. وأيضاً لأنه (أى ملاك الرب) أعطاها أموراً لابد من أن تراعيها بنفسها، حتى يصبح أبناً سليماً معافى جسدياً..
ثانياً : تحذيرات سماوية
طلب منها الملاك ثلاثة أمور :-
1- لا تشرب خمراً ولا مسكراً..
2- لا تأكل شيئاً نجساً..
3- لا يعل موسى رأسه (أى رأس شمشون).
إن الفرق بين الخمر والمسكر، أى أن لا تشرب أى مادة تسكرها، سواء من الخمر، أو عصير العنب المسكر أو غيره.. لهذا كان لابد لها من معرفة ماذا سيكون فى مستقبله حتى تقوم بتربيته على هذا الأساس، وتشجيعه للقيام بمسئولياته. فقد كانت رسالة الملاك تؤكد عمل شمشون ودوره فى خلاص الشعب من يد الفلسطينين، وكقاضٍ للشعب..
ويعلمنا الطب الحديث عن الأضرار السلبية للخمر، والتأثير السلبى الذى تحدثه الكحوليات على الجنين، وخاصة فى الشهور الثلاث الأولى.. فقد يؤدى شرب الأم للكحوليات إلى أصابة الطفل بالجذام (مرض جلدى يشبه البرص)، وبضعف عام فى وظائف الكليتين والكبد. ومن الحقائق الثابتة أن صحة الجنين تتناسب طردياً مع صحة الأم. ومن العوامل المؤثرة فى صحة الأم الغذاء. فلهذا يضع لها الملاك قائمة بالممنوعات من الأطعمة، مؤكداً على ضرورة أن يتمتع الطفل القادم بصحة جسدية ممتازة جداً بما يتناسب مع دوره..
وإن تكلمنا عن الصحة النفسية، فقد تؤثر بعض الحالات النفسية والعصبية السيئة والحادة للأم على صحة الجنين، وقد يؤدى بها الأمر إلى إسقاط الجنين.. لهذا أكد الملاك فى تحذيراته على ضرورة إتباع تعليمات الطبيب الأعظم، وتطبيقها حرفياً، ضماناً لصحة الأم والجنين..
* لا يعل موسى رأسه : بمعنى أن لا يهتم بالمظاهر أو بشكله الخارجى، بل أن يترك نفسه طبيعياً. حيث أن الرب لا تهمه المظاهر الخارجية، بل ما بداخل القلب..
* كانت هذه التحذيرات التى تخص شريعة النذير (سفر العدد ص6) وكأن الرب يريد أن يقول : أنى أؤكد على تنفيذ ما أوصيكم به سابقاً..
ثالثاً : المشاركة الروحية
ذهبت (إمرأة منوح) لتخبر زوجها. وهنا نجد الشركة فى الحوار بين الزوجين. وكأنها تقول له : لا أسرار بيننا، فنحن جسد وروح وفكر واحد، فمن أهم الأشكال للعلاقة الزوجية السليمة، هى تبادل لغة الحوار، والصراحة التامة بين الطرفين..
ومن الواضح، من خلال أحداث القصة الدائرة أنها فى أنسجام مشترك مع الرب، فكانت إرادة الرجل، كما إرادة المرأة، أن يشتركا فى صلاة طالبين الرب ومشيئته.. وكم من أمور عائلية يمكن حلها بسهولة إذا وضُعت أمام الرب بالصلاة..
وإن تساءلت لماذا طلب منوح أن يأتى الملاك مرة أخرى، ألم يكن واثقاً فى كلام إمرأته؟ لكن الجميل هنا هو أنه لم ينتقدها أو ينسب لها كلام جهالة.. وأعتقد أنه كان يريد مزيداً من التأكيد والتوضيح لإرادة الرب فى حياتهم. ولأن الدوافع كانت سليمة، أستجاب الرب فوراً..
وليس غريباً أن لا يميز منوح لغة الملاك، بل ظنه إنسانا، أو نبياً، فأراد أن يقدم له جدى المعزى. ولكن الملاك صحح الأمر بقوله : "لا آكل من خبزك" معلناً ذات الرب الإلهية!
رابعاً : الارادة الإلهية
عندما جاء الملاك للمرة الثانية للمرأة أيضاً، وأرادت أن تذهب لإخبار زوجها، كأن الرب يقول: إن طريقتى لا تتغير، وإن إرادتى لا تتبدل. فها أنا آتى مرة ثانية للمرأة، وليس لمنوح رغم أن الذى صلى وطلب هو منوح. نعم فالرب هو أمس واليوم وإلى الأبد، لا يعتريه تغيير، ولا ظل دوران
انتظر الملاك حتى جاءت بزوجها. وهذا إن دل على شئ. فهو يدل على أن الأمر من عند الرب خرج الأمر..
بعد أن أوصل الملاك رسالته، وأعلن عن أسمه العجيب، وعمله فى حياة هذين الزوجين، وحياة الابن المكرس القادم، ودوره كمخلص لشعب إسرائيل، قدم له منوح جدى معزى مع تقدمة، وأصعدهما للرب محرقة..
وتعلن إمرأة منوح أنها تفهم إرادة الرب أكثر من زوجها الخائف من أن الرب سيميتهما بعد أن رأياه. وتطمئن زوجها بنفس سلامها النابع من قلبها. إن إرادة الرب ليس فى موتهما، بل فى أن يشاهدا ويعرفا ويستمتعا بطريقة إستجابة الرب، وقبول ذبيحتهما الدموية..