أساسيات
الإيمان (9)
الاختيار
والضمان
اسحق
جاد اسحق
الإختيار والضمان عملان إلهيان نحصل عليهما من
فيض نعمة الله الغنية ، التى يقدمها للبشر على أساس عمل المسيح الفدائى والكفارى
.. ولكن يوجد خلاف فى الرأى بشأنهما يتعلق بموقف الإنسان ومسئوليته إزاء عمل
النعمة الإلهية ، فهناك من يقولون أن إختيار الله وضمانه الأبدى ، غير مشروطين بأى
رد فعل من جانب الإنسان .. ويجد من يقولون خلاف ذلك ، فيرون أن على الإنسان
مسئولية لابد منها ، وشروط لابد من إتمامها .. ونرى أن هذا هو الرأى الصواب ، كما
نستعرض أدلته فيما يلى:
+ الاختيار مشروط بقبول الإنسان :
صحيح أن الله سبق فأختار المؤمنين قبل تأسيس
العالم ( أف 1 : 4) ولكن كيف ولماذا تم هذا الإختيار ؟ الجواب هو انه تم بناءً على
المعرفة السابقة من جانب الله . وهذا ما قاله الرسول بولس : " لأن الذين سبق
فعرفهم ، سبق فعينهم " ( رو 8 : 29 ) . فهنا نجد أن التعيين مبنى على المعرفة
بحالة من شملهم التعيين . ونفس الكلام يؤكده الرسول بطرس بقوله لمن كتب اليهم
:" المختارين بمقتضى على الله الآب السابق " ( 1 بط 1 : 2 ) لأن الله
كلى العلم بكل شئ ، ويعلم منذ الأزل المستقبل اللانهائى بكل تفصيلاته ."
معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله " ( أع 15 : 18 )
فناءاً على علم
الله السابق بطبيعة وتصرف كل انسان ، عرف من يؤمنون وعينهم للحياة الأبدية .. وهذا
هو الاختيار الشرطى ، الذى نرى أنه تم فى السابق ، ليس بطريقة جبرية ، ولكن بناءاً
على معرفة الله بمن سيقبلون دعوته بكامل إرادتهم ، فاختارهم لذلك .. وسنعرض الأدلة
التالية :
1ـ يقول اصحاب عقيدة الإختيار المطلق : إن
الله سبق فاختار أناساً بطريقة جبرية : بدون النظر إلى إرادتهم ، لأنه لو ترك
البشر لرغباتهم لما قبل أحد منهم الدعوة الإلهية . فلكى يظهر الله غنى نعمته ، عين
بعضاً من هؤلاء البشر للحياة الأبدية ، ولذا يجذبهم اليه ليخلصوا بدون إرادة ذاتية
من جانبهم .. ولكن إذا كان كل الناس
زاغوا وفسدوا : ولا يمكن أن يأتى أحد منهم إلى الله ـ حسب ما يقولون فهل الله
العادل يختار فئه منهم ـ وهم قلة ـ ويترك الباقين ليهلكوت ؟! . فاذا كان الجميع
متساوون من جهة زيغانهم وفسادهم الأدبى ، فما هى الحكمة فى اختيار أناس منهم لا
يفرقون شيئاً عن الآخرين ، وترك الباقين للهلاك الأبدى ؟! حاشا أن يكون الله
العادل والكامل فى جميع طرقه ، أن يكون بهذه الصورة ..
2ـ ومن غرابة ما يقولون أيضاً هو أن الذين يقبلون الدعوة الإلهية ويخلصون ،
فذلك لأنهم مختارون فقط ، ولا مسئولية لهم فى أمر خلاصهم ، أما الرافضون للدعوة
الإلهية فهم مسئولون عن رفضهم وبعبارة أخرى ، أن الذين يقبلون الدعوة مسيرون ،
بينما الذين يرفضونها مخيرون ! هذا ما يقولونه .. وللرد على ذلك أقول : كيف يكون
الإنسان ـ إزاء مصيره الأبدى ـ مسيراً فى أمر طاعته للدعوة ، ومخيراً فى أمر رفضه
لها ؟! كيف يستقيم المعنى هنا فى هذا المفهوم الذى ينسب إلى الله التعامل مع البشر
معاملة مزدوجة : يكون فيها المختارون مسلوبى الإرادة ، أما غير المختارين فهم مسئولون تماماً عن رفضهم ؟! وكن الحقيقة
الناصعة هى أن الانسان مخير تماماً من جهة مصيره الأبدى . لأن الله خلقه حر
الإرادة ، ومسئولاً مسئولية كاملة عن قراره من جهة أبديته ..
3ـ معلوم أن اللع أحب العالم أجمع ، والمسيح مات من أجل الجميع ( 2 كو 5 :
15) ، وكفارته ليست لخطايانا فقط ، بل لخطايا كل العالم أيضاً ( 1 يو 2 : 2) .
ولذلك كان أمر المسيح لتلاميذه بالكرازة للعالم بأسره ." وقال لهم : إذهبوا
الى العالم أجمع ، وإكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها . من آمن واعتمد خلص ، ومن لم
يؤمن يدن " ( مر 16 : 15 ، 16 ) انظر أيضاً ( أع
اذاً رسالة الإنجيل مقدمة لكل الناس ، بدون استثناء وذلك على أساس أن كفارة
المسيح شملت كل العالم ، لأن موته كان ثمن شراء الجميع . ومن هذا المنطلق فان الله
يريد أن جميع الناس يخلصون ، وإلى معرفة الحق يقبلون : ( 1 تى 2 : 4 ) ودائماً
يدعوهم إلى التوبة والرجوع اليه .
فما معنى الكرازة بانجيل المسيح لعموم البشر ، مع وجود اعتقاد بأن
المختارين فقط هم الذين مات المسيح من أجلهم وشملتهم كفارته وحدهم ؟ ( وهو اعتقاد
أصحاب رأى الإختيار المطلق ) ، لكن يبدو أن العمل الكرازى ، فى نظرهم ، هو إجراء
روتينى ، فيمارسونه بلا جدية ، أو قد لا يمارسونه مطلقاً اذ هم مقتنعون بأن
المختارين فقط هم من سيخلصون بكرازة أو بدون كرازة .. وياللعجب .. !
+ مع إيمننا بأهمية نعمة الله لحفظ المؤمن ، وضمان عدم إرتداده وهلاكه ،
ولكن نعمة الله الحافظة للمؤمن قيل عنها : انها تعلمنا أن ننكر الفجور والشهوات
العالمية ، ونعيش بالتعقل والبر والتقوى . ( تى 2 : 11 ، 12 ) . وهذه الأمور تتطلب
منا جهوداً غير عادية ، لأننا نواجه قوى الشر الروحية التى تستهدف اسقاطنا من
النعمة . ولذا يدعونا الكتاب الى الاجتهاد الدائم ، مثل قوله :" فلنطرح كل
ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ، ولنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا "
( عب 12 : 1) ، وقوله :" لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية "(
عب 12 : 4) ، وقول الرسول بطرس :" إن كان البار بالجهد يخلص " ( 1 بط 4
: 18 ) ، وقول الرسول بولس لتيموثاوس :" جاهد جهاد الإيمان الحسن ، وامسك بالحياة الأبدية التى إلبها دعيت أيضاً " ( 1 تى 6 : 12 ) ..
إ ذاً فالنعمة الإلهية التى تحفظنا ، تتطلب منا التجاوب مع عملها بالإجتهاد
الدائم ، والمقاومة لكل تيارات العالم المضادة والا فقد ينطبق علينا " القول
" سقطوا من النعمة " . ولتأكد هذه الحقيقة أورد ملاحظتين :
1ـ فى كلام المسيح الخاص بمثل الزارع ( مت 13 : 1 ـ 23 ) وكذلك كلامه عن
الكرمة والكرام والأغصان ( يو 15 ) نجد أن المعول كله هو على " الثمر "
ففى مثل الزارع وتفسيره يوضح لنا المسيح أن ثلاثة من اربعة أنواع من التربة التى
سقط عليها بذار الكامة ، لم تثمر مع أن نوعين منها قبلا الكلمة ونبتت فيهما ، ولكن
بعد الإنبات لم تستطيعا الإتيان بثمر . وهذا هو المحك الذى أثبت فشلهما . وكذلك
الكلام عن الكرمة والأغصان ، فبعد أن يقول رب المجد لتلاميذه : " أنا الكرمة
وأنتم الأغصان " يضيف :" كل غصن فىّ لا ياتى بثمر ينزعه " . وهذا
يعنى انه ينتظر الإثمار ، كهدف أسمى . وفى حالة عدم الإثمار ، فالغصن يُنتزع ، ثم
يجف ، ثم يلقى أخيراً فى النار . وهذه هو الهلاك الأبدى ..
ومن هنا ندرك شيئاً مهماً وهو أن الإنسان ،
بعد تجديده ، تمضى عليه فترة من الوقت قبل أن يظهر موقفه الحقيقى ، وان كان سيثبت
ويأتى أم لا .. فان أتى بثمر فسوف يستمر ، ولن يرتد ثانية ولن يهلك ، أما إذا لم
يأت بثمر فهنا الفشل والنهاية ومن هنا نجد الكتاب يحثنا على الجهاد الروحى من أجل
الثبات فى المسيح والإثمار .. وحتى مع تيقننا بإننا مدعوون ومختارون من الله ،
فالرسول بطرس يقول : " لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الأخوة أن تجعلوا دعوتكم
واختياركم ثابتين ، لأنكم إن فعلتم ذلك لن تزلوا أبداً " ( 2 بط 1 : 10 ) ..
لاحظ أن الدعوة والإختيار يحتاجان إلى الإجتهاد كشرط للثبات وعدم الزلل ..
3ـ أما الآية
التى يستند عليها دعاة الإتكال على النعمة الحافظة للمؤمن من الإرتداد والهلاك ،
مهما كان سلوكه ، فهى الواردة فى كلام المسيح عن خرافه " وأنا أعطيها حياة
أبدية ، ولن تهلك إلى الأبد ، ولا يخطفها أحد من يدى " ( يو 10 : 28 ) . ولكن
أى نوع من الخراف هم الذين لن يخطفهم أحد من يد الراعى ، ولن يهلكوا إلى الأبد ؟
إنها الخراف التى تتميز بمزايا تؤهلها لأن تصل إلى اليد الإلهية الحافظة .. إنهم
الجنود المناضلون فى ميدان الجهاد الروحى . محققين انتصارات باهرة ، مصممين على
عدم النظر إلى الوراء والعودة إلى ماضيهم مرة أخرى ، والرب وهو يرى ما هم عازمون
عليه ، فهو لابد أن يحفظهم فى يده ، تأكيداً على عدم هلاكهم ..
وأقتبس هنا ما
قاله الراحل القس / صموئيل مشرقى فى هذا الصدد فى كتابه " الصراع العظيم حول
قضية الاختيار المصيرية " ص 89 مايلى : " وقد تجاهل الكلفنييون ( اتباع
جون كلفن ) بأن هذه الإمتيازات ، كضامن لها ، وهى أربعة كما هو واضح من النصوص
نفسها وهى إنها تعرف صوت الراعى ـ إنها تتبع الراعى ـ إنها ترفض إتباع الغريب ـ
وهى تعرفه ( أى الراعى ) ووصلت به إلى يد الأب الذى يحفظ من يراعون هذه الشروط ..
أخى المؤمن .. إن الضمان الأبدى يكون من
نصيبك حقاً ، إذا كنت عازماً على عدم الرجوع للوراء ، محتملاً فى سبيل ذلك تكلفة
تبعية السيد حتى ولو كانت باهظة !!