القيامتان
القس عطية كامل
إن قيامة أجساد البشر بعد الممات هي
أمر معلن في الكتاب المقدس، وفي العهد الجديد باكثر وضوح.. ويعلن الإنجيل إنه توجد
قيامتان، الأولى ستحدث عند مجئ المسيح ثانية لأخذ قديسيه: الأحياء
والراقدين. حيث يقوم الراقدون وهم المؤمنون الغالبون، وكذلك القديسون الأحياء
سيتغيرون ويُخطفون جميعاً لملاقاة الرب في الهواء..أما القيامة الثانية فستحدث بعد
مُلك المسيح الألفي على الأرض. وهي عامة، ستضم أبراراً وأشراراً، وسيقفون جميعهم
أمام العرش العظيم الأبيض، الذي
سيجلس عليه الرب يسوع الديان العادل..
فتعالوا نرى ماذا سيحدث في هاتين القيامتين في
ضوء ما يقوله الوحي
المقدس:
*
القيامة الأولى:
في
سفر الرؤيا يحدد الرب له المجد هدفاً واضحاً لمجيئه ثانية، حيث يقول: " هَا
أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ
عَمَلُهُ."(رؤيا يوحَنا22: 12)، إننا نصلي كثيرا تلك الصلاة التي علمنا هو
إياها قائيلن: "ليأت ملكوتك"، ولا ندرك أنه حينما يأتي ملكوته، سيحدث
الفرز، لأن الكتاب يقول: "إنْ كُنّا نَصبِرُ فسنَملِكُ أيضًا معهُ. إنْ كُنّا
نُنكِرُهُ فهو أيضًا سيُنكِرُنا"( تيموثاوُسَ الثّانيةُ2
: 12) فعند مجيئه ثانية
سيملك البعض معه لأنهم صبروا على آلام الطريق محتملين برضا، وسينكر هو البعض،
لأنهم تهاونوا ولم يسهروا كما أوصى. هل عرفت الآن لماذا يظهر الرسول بولس متمنيا
فقط!!، في قوله:
"لأعرِفَهُ، وقوَّةَ قيامَتِهِ، وشَرِكَةَ آلامِهِ، مُتَشَبِّهًا بموتِهِ،
لَعَلّي أبلُغُ إلَى قيامَةِ الأمواتِ"(فيلِبّي3: 10 ،11)، نعم علينا أن
ننتبه جيداً لهذا التمني، لأنه لا يمكن أن يتمنى الرسول بولس شيئا سيوهب للكل
قيامة سيقوم فيها الجميع، لأنه أيضا وحتى الأشرار سيقومون، ولكن الرسول تمنى أن يقوم قيامة المكآفات هذه. تمنى أن يقوم ليملك
مع المسيح في
تلك القيامة التي ستحدث
عند مجيئه من السماء ثانية، فعند مجيئه ثانية، له المجد، سيقوم هؤلاء الذين
سيملكون معه، وسيبقى الآخرون في قبورهم ألف سنة!
* القيامة العامة ( الثانية ):
إن
الآيات المقدسة التي يصف فيها الرائي مشهد القيامة العامة، لا تترك شيئا لتخمينات
البشر
، ولنطالعها معا أولاً، حيث يقول الوحي: " ثُمَّ
رأيتُ عَرشًا عظيمًا أبيَضَ، والجالِسَ علَيهِ، الّذي مِنْ وجهِهِ هَرَبَتِ الأرضُ
والسماءُ، ولَمْ يوجَدْ لهُما مَوْضِعٌ! ورأيتُ الأمواتَ صِغارًا وكِبارًا
واقِفينَ أمامَ اللهِ، وانفَتَحَتْ أسفارٌ، وانفَتَحَ سِفرٌ آخَرُ هو سِفرُ
الحياةِ، ودينَ الأمواتُ مِمّا هو مَكتوبٌ في
الأسفارِ بحَسَبِ أعمالِهِمْ. وسَلَّمَ البحرُ الأمواتَ الّذينَ فيهِ، وسَلَّمَ
الموتُ والهاويَةُ الأمواتَ الّذينَ فيهِما. ودينوا كُلُّ واحِدٍ بحَسَبِ
أعمالِهِ. وطُرِحَ الموتُ والهاويَةُ في بُحَيرَةِ النّارِ. هذا هو الموتُ
الثّاني. وكُلُّ مَنْ لَمْ يوجَدْ مَكتوبًا في سِفرِ الحياةِ طُرِحَ في بُحَيرَةِ
النّارِ "(رُؤْيَا يُوحَنَّا20 :11 -15)، فلا تتحدث هذه النبوة أبدا عن هلاك
للجميع هنا، بل فقط كُلُّ مَنْ لَمْ يوجَدْ مَكتوبًا في سِفرِ الحياةِ طُرِحَ في
بُحَيرَةِ النّارِ!
وحتى
دينونة هؤلاء ستكون بحَسَبِ أعمالِهِمْ ، فلا هلاك للجميع، وأيضا لا مكان هنا أبدا
لعذاب عشوائي يطال الجميع، بل يقول الوحي :"ودينوا كُلُّ واحِدٍ بحَسَبِ
أعمالِهِ".. ونعرف من أقوال الرب وفي أماكن كثيرة من الكلمة المقدسة، أن عذاب
الأشرار لن يكون على درجة واحدة، بل سيكون متفاوتا في درجاته، لأن الأشرار جميعا
لم يكونوا أبداً على مستوى واحد من الشر، والعدالة تقتضي أن لا يُعذبوا بطريقة
واحدة، وفي هذا يقول الرب مثلاً لتلاميذه: "ومَنْ لا يَقبَلُكُمْ ولا يَسمَعُ
كلامَكُمْ فاخرُجوا خارِجًا مِنْ ذلكَ البَيتِ أو مِنْ تِلكَ المدينةِ، وانفُضوا
غُبارَ أرجُلِكُمْ. الحَقَّ أقولُ لكُمْ: ستَكونُ لأرضِ سدومَ وعَمورَةَ يومَ
الدّينِ حالَةٌ أكثَرُ احتِمالًا مِمّا لتِلكَ المدينةِ"(مَتَّى10: 14 ،15)،
فنجد هنا حالة عذاب أكثر احتمالاً!!
كما
أن رفض فرص الخلاص المعروضة وبسخاء رباني، سيلحق بالبعض ويلاً كثيراً، حيث يقول
الرب لمدينتي كورزين وبيت صيدا: "ويلٌ لكِ يا كورَزينُ! ويلٌ لكِ يا بَيتَ
صَيدا! لأنَّهُ لو صُنِعَتْ في صورَ وصَيداءَ القوّاتُ المَصنوعَةُ فيكُما،
لَتابَتا قَديمًا جالِسَتَينِ في المُسوحِ والرَّمادِ. ولكن صورَ وصَيداءَ يكونُ
لهُما في الدّينِ حالَةٌ أكثَرُ احتِمالًا مِمّا لكُما"(لوقا10: 13،14)
والبعض-وكما يقول الرب-، سيأخذ دينونة أعظم من الآخرين " وَيْلٌ لَكُمْ
أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ
تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذلِكَ
تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ"(متى 23: 14 ) فعدالة الأحكام هنا ستكون واضحة للجميع، وسيتغنى
المفديون دوما بعدل ربهم ومحبته الكثيرة .