الأسباب التي
دعت إلى إنعقاد مجمع نيقية
د. القس صفاء داود فهمي
تعرضت
الكنيسة في الفترة التي تلت عصر الرسل، وخلال الثلاثة قرون الأولى، لكم هائل من
الضلالات والهرطقات التي أزعجتها وأربكتها. غيرأن الكنيسة لم تتوان أو تتكاسل عن
مواجهة هذه الهرطقات أوالضلالات، بل أسرعت إلى عقد مجامع للتاكيد على الحقائق
الأساسية، وتوعية الناس بها.. واتجهت أغلب الضلالات في القرون الثلاثة الأولى إلى
عدة إتجاهات أساسية، نلخصها في السطور التالية:
1- اعتقاد الوحدانية وإنكار التثليث: ومن أصحاب هذا الرأي من قال إن
المسيح ملاك أو مجرد إنسان كالأبيونيين،
وبعض اليهود المتنصرين. ومنهم من حسب المسيح مجرد إنسان، لكنه متعلم من الله
ومسترشد من الروح القدس، ومفوض السلطان على العالم بعد صعوده جزاء فضله وأمانته،
كالسوسينيين والعقليين الذين حذوا حذوهم، وأنكروا لاهوت المسيح وحسبوه إنساناً فقط
فائق الصلاح!
2- اعتقاد
التثليث وإنكار التوحيد: أي أنه يوجد ثلاثة آلهة، لا إله واحد. وأصحاب هذا الرأي قليلون جداً في
تاريخ العالم..
3- اعتقاد مشابهة
كل من الأقانيم الثلاثة للآخر في الطبيعة: غير أن الآب رئيس، والابن والروح القدس خاضعان له لأنهما منه، وهو علة وجودهما. ومن
أصحاب هذا الرأي بعض الآباء الذين حضروا مجمع نيقية، وهو الرأي المعروف بالشبيه
بالأريوسي..
4- اعتقاد
وحدانية الله، واعتبار الأقانيم الثلاثة مجرد تجليات له لأهداف مختلفة: والتثليث في رأيهم أمر وهمي. والله
باعتبار إنه الخالق سُمي بالآب، وباعتبار إنه الفادي سُمي بالابن، وباعتبار أنه
العامل في قلوب البشر لتجديدهم وتقديسهم سُمي الروح القدس.. صحيح إن أصحاب هذا
الرأي اعتقدوا أن للمسيح والروح القدس لاهوتاً تاماً، لكنهم أنكروا أقانيم اللاهوت
الأقدس، وقالوا إن الابن والروح القدس أقنوم واحد متنوع الأسماء بالنظر إلى كيفية تجليه في العالم وفي تاريخ
الكنيسة. ولكن هذا الرأي رُفض لتناقضه الواضح مع الكتاب المقدس، الذي يعلم صريحاً
أن بين الأقانيم الثلاثة تميزاً واضحاً. ومن أشهر تابعيه " سابليوس "
الذي عاش في مصر نحو سنة250 م..
5- اعتقاد لاهوت الآب ورياسته، وإنه خلق الابن
والروح القدس:
وفوض لهما خلق العالم بواسطة الابن الذي تجسد أخيراً وتمم عمل الفداء، واستخدم
الروح القدس ليتمم مقاصده. ومن زعماء هذه المدرسة " أريوس الإسكندري "
الذي وُلد نحو سنة 250م، ولذلك نُسب
المذهب إليه. وقد أنكر أريوس أزلية المسيح والروح القدس ولاهوتهما التام، وانكر
إنهما والآب واحد، وقال إنهما أول الخلائق وأعظمها. غير انه سلم أن الله خلق
العالم بواسطة الابن.. وقد علّمّ بهذه الآراء بعض اللاهوتين والمعلمين..
ولكن أغلب علماء الدين ومعلمي اللاهوت المسيحي
رفضوها، لأنهم بنوا إيمانهم على نص الكتاب الصريح، وما أصطلح عليه آباء الكنيسة في
العبادة الجارية في الكنائس، فجميعهم تعمدوا باسم الآب والابن والروح القدس،
وجميعهم خاطبوا الآب في الصلاة على أنه خالقهم وأبوهم، والمسيح على أنه فاديهم،
والروح القدس على أنه معزيهم ومقدسهم. فأحبوا وعبدوا الواحد كالآخر باعتبار الثلاثة
متساوين في الواحد.. ولكن لما كان عدم الإتفاق بين المعلمين ( وإن لم يؤثر في
إيمان الكنيسة ) شراً في نفسه، فقد أحدث اضطراباً! لهذا الأمر أمر الإمبراطور
قسطنطين سنة 325 م بانعقاد المجمع الأول في مدينة نيقية برجاء أن تُجمع الكنيسة
على صياغة هذه الحقيقة الجوهرية، صياغة يقبلها المسيحيون جميعاً.
بسبب كل ما
سبق من ضلالات وهرطقات لعبت الألفاظ وصياغتها دوراً كبيراً في تشويش الكنيسة
وإزعاجها، مما دعا إلى انعقاد مجمع نيقية الذي حاول التوصل إلى ثلاث نتائج
أساسية:
أ- إزالة
الإختلاف الذي حدث في الكنيسة بخصوص الألفاظ المستعملة للتعبيرعن الثالوث
الأقدس.
ب - الرد على الضلالات التي ظهرت في الكنيسة بخصوص هذه المسألة.
جـ - تحديد نص
عقيدة الثالوث لتشمل كل التعليم الجوهري
في الكتاب المقدس موافقة للوحي الإلهي، ولإعتقاد المؤمنين.
وقد لعب
يوسابيوس القيصري Eusebius Caesarean مؤرخ الكنيسة المشهور في ذلك، دوراً
هاماً في إقرار قانون الإيمان النيقوي، حيث حاول أن يقدم حلاً وسطاً يكون مقبولاً
من جميع الأطراف، يدمج فيه ما بين أفضل آراء وأفكارأريوس، وأفضل آراء وأفكار أتباع
آثناسيوس. وتبلور هذا في فكر ملخصه أن الرب يسوع المسيح لم يُخلق من العدم، لكنه
مولود من الآب قبل كل الدهور، أي قبل بداية الزمن، في الأزل، وأن المسيح من طبيعة،
جوهرها مشابه جوهرالآب.. أصبحت العبارة السابقة هي الأساس الذي تم عليه صياغة
قانون الإيمان النيقوي الذي ينبرفيه بوضوح على التمسك بوحدة الجوهر بين الآب
والابن..