المحرر |
معلوم أن
إرادة الله صالحة ومرضية وكاملة. (رو 12 : 2). ومعلوم أيضاً أن إرادة الشيطان
شريرة مدمرة.. فهل تلتقي الإرادة الإلهية مع الإرادة الشيطانية علي تنفيذ عمل ما ؟.
قد تأتي الإجابة متسرعة فنقول : لا، لا يمكن أن يكون هناك اتفاق بن الإرادتين،
لأنهما متضادتان.. ولكن علينا بالتروي، ودعونا نرى ما يقوله الكتاب المقدس في هذا
الصدد.. ولنأخذ بعض الأمثلة :
1- جاء في
مطلع سفر أيوب إن ما حل بهذا الرجل من كوارث هائلة، كانت بتخطيط شيطاني وسماح إلهي،
حيث نجد أن السيناريو الذي دار في قصة تجربة أيوب يوضح لنا أن الله وافق الشيطان
على ما طلبه، وهو السماح له بجلب المصائب على أيوب وأولاده وممتلكاته..
2- ونجد أن
داود الملك عندما عزم على إحصاء جيشه، فالكتاب يذكر، في هذا الشأن، نصين يبدو من
ظاهرهما أنهما مختلفان، فأحدهما يقول : "وعاد فحمي غضب الرب على إسرائيل، فأهاج
عليهم داود قائلاً : "امض وأحص إسرائيل ويهوذا " (2صم 24 : 1). أما النص
الآخر فيقول : "ووقف الشيطان ضد إسرائيل، وأغوى داود ليحصي الشعب" (1 أخ
21 : 1). ولا يوجد تناقض بين النصين : بل هما متفقان. إذ أن الشيطان قد حصل على
الإذن من الله وأوعز لداود بهذه الفكرة الخاطئة. (إحصاء الجيش). وجعله يتمسك بها،
ويصمم على تنفيذها، رغم اعتراض يوآب قائد الجيش..
3- وعملية
صلب المسيح، لكي يرفع خطية العالم، كانت بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق. ولكن
حتى تُنفذ خطة الصلب، كان لابد للشيطان أن يلعب دوره الشرير، مستخدماَ أعوانه الأشرار، لكي ينتقم من
رب المجد، الذي جاء لكي ينقض أعمال إبليس
(1يو 3 : 8) وهنا نجد أن الإرادة الإلهية قد التقت مع الإرادة الشيطانية في هدف
واحد وهو صلب المسيح !!
من هذه
الأمثلة التي عرضناها، نخلص إلى حقيقة مفادها أن إرادة الله الصالحة قد تلتقي مع
تخطيط إبليس الشرير، في بعض الأحداث.. ومرجع ذلك إلى الأمور التالية :
الأمر الأول : إن الشيطان
يخطط ويدبر بهدف شرير مدمر، والله في صلاحه يوافق هذا الشرير إلى حين، لأن له خطة خيَرة يريد استخراجها من
خلال الخطة الشريرة. حتى أن كثيراً من الأحداث التي تكون بتدبير شيطاني وسماح إلهي،
تأتي نتائجها بغير ما يريد أو يتمني ذلك الشرير.. وإذا أخذنا مثالاً، على ذلك
الدور الذي قام به الشيطان في صلب المسيح، الذي أشرنا إليه فيما سبق، وكيف أن ذلك
العدو قد صب جام غضبه على الرب يسوع، مستخدماً أدواته من البشر الأشرار في تنفيذ
ما بداخله من حقد وغل. وماذا كانت النتيجة ؟ إن الرب يسوع، من خلال الصليب، قد جرد
الرياسات والسلاطين، أشهرهم جهاراً، ظافراً بهم فيه (أي في الصليب) (كو2 : 15)..
لقد تم نزع السلطة من أولئك الذين هم في موقع الرياسة والسلطان في مملكة الشر
والظلمة، وقد تجرع إبليس مرارة الهزيمة والانكسار. وقد فشلت خطته فشلاً ذريعاً !!...
وها هو الآن يشاهد، بكل المرارة، ذاك الذي سعى وتآمر لكي يتم صلبه، قد غلب الموت
وقام ثانية، وصار يُقدم له السجود والإكرام، وملائكة وقوات وسلاطين مخضعة له. ( 1بط
3 : 22 ).. وقد ارتفعت راية صليبه عالية خفاقة، وبواسطة الصليب يأتي الملايين إلى
المخلص، ويتحررون من أسر مملكة الظلام..
هذا المثال
من حادثة صلب المسيح، يتضح لنا منه أن الرب يسمح للشرير بأن ينفذ ما في مخططه من
شر، ولكن ذلك يكون إلى حين، وإلى وقت محدود، والله يحوله إلى خير، ويحول اللعنة
إلى بركة ! فهو يستطيع أن يخرج من الآكل أكلاً، ويخرج من الجافي حلاوة! (قض14:14).
الأمر الثانى : الله يستخدم
الشيطان لإجراء قضائه العادل : عندما حمي غضب الرب على إسرائيل، وأراد إنزال
العقاب بهم، فقد أذن لذلك الشرير في تنفيذ مخططه بإغواء داود لكي يقوم بإحصاء
رجاله (كما سبقت الإشارة إلى ذلك). وهذا كان سبباً فـــي إنزال الوباء بالشعب.
وقـد مات سبعون ألف رجل بالوباء في يوم واحد !!..
وعندما أراد
الله أن يدفع اخاب ملك إسرائيل ليد أعدائه، ليقُتل، انتقاماً لدم نابوت اليزرعيلي،
فإن الرب عقد لذلك مجلساً مع جُند السماء وعرض عليهم قوله : "من يغوي أخاب
فيذهب ويسقط في راموت جلعاد". فتقدم الروح الشرير، وقدم خطته التي مضمونها إن
هذا الروح سيكون روح كذب في أفواه أنبياء أخاب، لكي يقنعوه بأنه سينتصر على
الآراميين.. وقد نالت هذه الخطة الموافقة الإلهية.. وقد تنبأ الروح الشرير علي
أفواه أنبياء أخاب بالانتصار المزعوم، فصدقهم، وذهب إلى راموت جلعاد وُقتل في
المعركة! (1مل22).
الأمر
الثالث : إن الله له الكلمة النهائية والفاصلة، فإبليس
ليس مطلق الحرية أبداً ليفعل ما يشاء. وإلا كان في إمكانه تدمير العالم تماماً.
ولكن الله هو المسيطر، وفي يده الزمام كاملاً. وإن أرواح الشر، مهما كان نشاطها،
فهي تحت السيطرة الإلهية الكاملة، وانه يستخدمها، أو يسمح لها بالعمل في الحدود
التي يراها، بحسب حكمته المطلقة، وتمشياً مع إرادته الصالحة وقضائه العادل. وعلينا
أن ندرك إن ما يأتي علينا من بلايا أو تجارب هو من قبل الله، حتى ولو كان بتدبير
شيطاني!. وهذا ما قاله أيوب بعد أن حلت به التجربة "الخير نقبل من عند الله،
والشر لا نقبل؟" (أي2 : 10).. إن الشيطان مجرد آلة في يد الله يحركها بحسب
مقتضى مشيئته.