الأب باسيليوس..
راعى كاتدرائية الكاثوليك بالمنيا
|
إقرأ معي ما
تعلنه الكلمة في (مز1:69-29) "خلصني يا الله لأن المياه
قد دخلت إلى نفسي. غرقت في حمأة عميقة وليس مقر.. تعبت من صراخي. يبس حلقي.. أكثر
من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب.. يا الله أنت عرفت حماقتي، وذنوبي عنك لم تخف..
لأن لي ضيقاً. استجب لي سريعاً، اقترب إلى نفسي. فكها. بسبب أعدائي أفدني.. أنت
عرفت عاري وخزيي وخجلي.. العار قد كسر قلبي فمرضت، انتظرت رقة فلم تكن، ومعزين فلم
أجد.. أما أنا فمسكين وكئيب".
القارئ الحبيب...
كلنا يعلم أن
داود كانت له علاقة قوية بالرب، وكان يحبه محبة خاصة. لكن في المزمور تعبر كلمات
داود عن كآبة عميقة في قلبه. والكآبة ليست مجرد حزن، بل هي حزن شديد وعميق داخل
النفس. فهو يقول : "أما أنا فمسكين وكئيب".
وربما تكون
هذه كلماتك أنت أيضاًً. ففي أوقات معينة قد تبدو الحياة غير محتملة، وقد تمر
بلحظات تشعر أن الحياة أصبحت ثقيلة. وتتساءل، لماذا تصاب بهذه الكآبة علي الرغم أن
لك عشرة مع الرب؟!. وربما تعتقد أن هذا هو حال البعيدين عن الرب. لكني أقول لك :
مهما كانت درجة إيمانك، قد تتعرض أيضاً للكآبة. وهذا لا يدل على ضعف علاقتك بالرب،
فقد تكون مؤمناً. ولك عشرة خاصة مع الرب
ولمست حبه، لكن تأتي أوقات في حياة المؤمن يتعرض فيها للكآبة !
* هل رجال الله يتعرضون
للكآبة؟
تذكر معي
العديد من رجال الله في العهد القديم. مثل إيليا النبي، الذي كان يفتح ويغلق
السماء بكلمات، وكان له تأثير قوي على السماء. هذا الرجل تعرض للكآبة، كما تعلن
الكلمة علي لسانه "كفى الآن يا رب وخذ نفسي"
(1مل 19 : 4) كلمات صعبة على إنسان له هذه العلاقة مع الرب. أيضاً إرميا النبي
الذي كان له مسحة خاصة بالروح القدس، ونال محبة خاصة من الله، مر بلحظات كآبة،
جعلته يقول : "لماذا خرجت من الرحم لأري تعباً وحزناً"
(إر 20 : 18)، فقد شعر في وقت من الأوقات، أنه من الأفضل لو لم يأت إلى العالم،
وأن الموت أفضل له. وهذا شعور وارد أن يحدث في حياة أي إنسان..
بولس الرسول
مر أيضاًً بلحظات كآبة شديدة، حين قال : "تثقلنا
جداً فوق الطاقة، حتى أيسنا من الحياة أيضاًً" (2كو
1 : 8) . وداود النبي الذي أعلنت عنه الكلمة، أنه رجل حسب قلب الله، مر بلحظات
جعلته يقول : "أما أنا فكئيب".
عزيزي القارئ...
لا أريد أن
تدخل الكآبة إلى قلبك، لكن أحدثك عن هذه الشخصيات العظيمة التي تعرضت للكآبة، كي
لا تفقد ثقتك وعلاقتك بالرب، ولا تظن أن الرب قد تركك. لكن هناك لحظات صعبة، عندما
تمر بها، عليك أن تتعلم كيف تواجهها، وتخرج منها بدروس.
* أخطار الكآبة :
احذر عزيزي
القارئ الحبيب.. فعندما تدخل الكآبة إلى قلبك، يستغل إبليس نفسيتك المتعبة، ويجعلك
تفسر الأمور بطريقة خاطئة :-
+ الكآبة تجعلك تفقد روح المبادرة، وتشعر إنك غير قادر علي فعل أي شئ. وقد
يصل بك الأمر أن تفقد حتى استعدادك للصلاة
والوقوف أمام الرب..
+ وقد تسبب لك الأمراض، ليست فقط
النفسية، بل قد تتعرض لأمراض جسدية.. كما أعلنت الكلمة علي لسان داود النبي "أنت عرفت عاري وخزيى.. العار قد كسر قلبي فمرضت" (مز
69 : 19).
+ الكآبة لا تجعل الإنسان يستطعم أي شئ في الحياة، ويفقد جمال الحياة مع الرب. قد يصلي أو يقرأ الكلمة،
لكنها صلاة بدون حرارة، ولا تصل إلى قلب الله.. قد تؤدي الكآبة إلى أن يشعر
الإنسان، أن في الموت راحة!!
أيها
القارئ الحبيب.. ربما تكون مكتئباً بسبب مشكلة ما، لا تجد لها حلاً،
أو رفعت صلوات كثيرة من أجل أمر ما، ولكن الله لم يستجب لك، فدخلت الكآبة إلى نفسك.
* أو ربما تعرضت لكلمات جارحة من الآخرين.
* أو تشعر بالكآبة نتيجة ذكريات مؤلمة تلاحقك..
* أو نتيجة موت شخص كان محبوباً لديك، وشعرت انك فقدته في لحظة.
* أو تعاني من الكآبة نتيجة لإحساسك بالرفض من الآخرين. تشعر إنك عاجز عن
التعامل مع من حولك..
* أو تعاني من علاقة محطمة..
* أو فقدت شيئاً عزيزاً على نفسك ؛ ربما تكون سمعتك، كرامتك، صحتك،..
هل سرق إبليس
منك أفضل الأشياء، والتي كانت تمثل قيمة غالية بالنسبة لك؟
هل هناك صوت
دائماً يهمس في داخلك قائلاً : إنك تتعرض للكآبة كنوع من العقاب الإلهي على
أخطائك؟
هل يصور لك
ذهنك أنك تعيش بلا هدف، ولا تستحق الحياة، وإنك شخص ميئوس منه؟
ولكن...
كيف تواجه الكآبة، وهل لها علاج؟!
إقرأ معي هذه
الكلمات التي تحمل علاج الكآبة... "الرب
راعيّ فلا يعوزني شئ. في مراعِ خُضر يربضني.. يرد نفسي، يهديني إلى سبل البر من
أجل اسمه. أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شراً لأنك أنت معي. عصاك
وعكازك هما يعزيانني.. إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي"
(مز 23).
"فلا يعوزني شئ" تبدو هذه الكلمات سهلة في منطوقها، لكنها
في ذات الوقت تثير هذا السؤال : كيف لا يعوزني شيئاً ؟ وهناك العديد من الاحتياجات
لم تسدد؟
هل هذا ما يدور في ذهنك؟!
ربما صليت
كثيراً من أجل موضوع ما، وشعرت أن الرب لم يستجب، ولكن كيف والكلمة تعلن : "لا يعوزني شئ"؟!
لكن احذر أن
تنظر إلى هذه اللحظة فقط في حياتك، وتنسى يد الله التي ترافقك منذ بداية حياتك،
وانظر لعمل الله في السجل العام لحياتك.
ولنا تكمله
لهذا الموضوع، بمشيئة الله في العدد القادم.. فإلى اللقاء..