سنُخطف جميعاً (1تس17:4)
القس
عطية كامل...
ما أروع هذا الذي سطرته يد الرسول الملهم : "سنُخطف
جميعاًً". والمدهش أن هذا هو كل ما يعرفه البعض عن المجئ
الثاني وعودة المسيح، فرنموا بالقول : على السحاب العالي يجئ يحقق آمالي يأخذ جميع
أولاده إلى عرشه وإلى أمجاده.
وهكذا وبدون فحص ولا دراسة لمعاني
كلمات الرسول في قرينتها، ولا لأقوال الرب عن مجيئه، وكل ما قاله الوحي المقدس عن
هذا الأمر، وكأن هاتين الكلمتين "سنُخطف جميعاًً"
قد كُتبتا ليفهمهما كل واحد كما يريد. بل أن كلمة "جميعاًً"
قد اتسعت عند البعض لتشمل كل من يتخيلون. وهكذا أخرجوا الكلمة من النص وحمّلوها
بما لا تطيق، بل ولن تطيق، متخيلين أن هذا سيصادر الحقيقة أو يسطو عليها، ولكن هيهات!!
إن كلمة "سنُخطف" ليست موضوع بحثنا هذه المرة. وقد نحاول فهمها
والتعمق فيها يوماً ما. ولكن سأكتفي بكلمة "جميعاً"
هذه الكلمة، والتي على صخرة معانيها الصحيحة ستتحطم أماني كثيرة زائفة، وتنكشف
كتابات كذوبة، وتتعرى بدع طالما غذت آمال المخدوعين، وجعلت غشاوة على عيون كان لها
أن تنفتح، لو فكرت أو بحثت أو دققت.. فيا للهول !!
لقد قضى الأب يوسف طرزي سبع سنوات في
دراسة وبحث للأصل اليوناني للرسالة الأولى إلى تسالونيكي، وهو - كما كتب - كان
يصارع الكلام ليبلغ إلى جوهره، لأن المهم في الواقع هو ما قصد الرسول، وليس فهمك
أو فهمي، لذا تعالوا بنا لنرى كيف فهم هذا الأب المبارك الآية (17) في الأصحاح
الرابع من هذه الرسالة، حيث يترجمها كالآتي : "لأن
الرب نفسه، لدى صيحة الأمر (الأخيرة) بصوت
رئيس الملائكة وبوق الله سينزل من السماء،
والأموات في المسيح سيقومون أولاًً، ومن ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف معهم
"سوياًً" في السحب لملاقاة الرب في الهواء"
فكلمة جميعاً، معناها سوياً..
أما الترجمة العربية المشتركة، فلا
وجود لكلمة جميعاً في نص ترجمة الآية (1تس 4 : 17) حيث تترجمها قائلة : "ثم نخُطف معهم في السحاب نحن الأحياء الباقين لملاقاة الرب في الفضاء،
فنكون كل حين مع الرب".
أما أحدث الترجمات العربية، وهي
الترجمة العربية المبسطة (طبعة أولية)، والصادرة في 2009م عن المركز العالمي
لترجمة الكتاب المقدس، فهذا هو نص ترجمتها لهذه الآية : (1تس4 : 17) "ثم نرفع
نحن الأحياء الباقين إلى السحب معهم لنلاقي الرب في الهواء، وهكذا سنكون مع الرب
إلى الأبد" ونجد أن كلمة جميعاً غير موجودة أيضاً هنا. وهذا يدعونا إلي البحث
أكثر في ما تعنيه كلمة جميعاً.
لقد كان الأخوة
في تسالونيكي مثلاً حياً وقدوة في انتظارهم لمجئ الرب ثانية. (1تس7:1-10) بل أن
بعضهم، بل كثيرون منهم، كما تقول الموسوعة الكنسية، قد توقفوا عن العمل، ووقفوا
كما يقول باركلي ـ بعيون شاخصة إلى السماء يرقبون مجئ المسيح الثاني!!، كما
ساورتهم الظنون في أن الذين ماتوا قبلهم، لن يكون لهم نصيب في أمجاد ذلك اليوم.
وفي هذا الموقف جاء تعليم الرسول بولس بأن الأموات في المسيح لا خوف عليهم، لأن من
عاش في المسيح ومات في المسيح، فهو لا يزال في المسيح، وسيقوم! والرسول هنا لا
يتحدث عن قيامة لكل من تمنى، ولا لكل من مات، ولكنها قيامة فقط لمن مات في المسيح..
فمن يتجرأ أن يقول صادقاً مـــع نفسـه :
"لأن لي
الحياة هي المسيح" يمكنه أيضاًًً أن يقول واثقاًًً : "والموت هو ربح" (في 1 : 21). ولا مكان هنا لمن يحشر نفسه
دون أساس..
وأما من جهة الأحياء فيطمئن الرسول
هؤلاء المنتظرين للرب في شغف بالقول : "ثم نحن
الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهم في السحاب لملاقاة الرب في الهواء".
فهؤلاء جميعاً. أي الذين عاشوا وماتوا في المسيح، أو كانوا أحياء في سهر وانتظار،
لحظة مجيئه. هؤلاء جميعاً سيُخطفون جميعاً أو سوياً أو معاً. في السحب لملاقاة
الرب في الهواء. وهذا هو الحجم الحقيقي لكلمة " جميعاً " الذي وسّع
دائرته المغالطون، فصار مسخاً لا يمت للحق الإلهي بصلة.. حقاً إنهم مخطئون، فبماذا
سيجيبون يوم الفحص؟. لا أعلم!! إن "جميعاًً"
هنا يا أحبائي، لها حدود وضعتها الكلمة المقدسة كما رأينا، ولكنني أختم مقالي هذا
بالحديث عن "جميعاًً" وهي تشمل
الجميع بحق، لأنها جميعاً أخرى قالها الرب، وبفمه الطاهر في
إنجيل (مرقس13 : 35 - 37)، وهو يتحدث عن مجيئه الثاني بالقول : "اسهروا لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت، أمساءً، أم نصف الليل، أم صياح
الديك، أم صباحاً، لئلا يأتي بغتة ويجدكم نياماً". ثم
يكمل له المجد فيقول : "وما أقوله لكم أقوله للجميع :
اسهروا" فكلمة الجميع هي هي كلمة جميعاً، ولكن هنا متسعة
تشمل الجميع، أنا وأنت. وهي وصية آمرة، ولا مفر من طاعتها. فمن أطاع هذا الأمر
الشامل للجميع بالسهر، سيجد نفسه لحظة المجئ الثاني مشمولاً بـ "جميعاًً" الأخرى، والتي ستشمل فقط جميع طائعي الوصية
"اسهروا"، فالسهر وصية عامة لجميع
الأحياء (لأن الموتى لا يسهرون) ومن أطاعها فله أن يترجى اختطافاً بالنعمة عند مجئ
المسيح ثانية. وأما غير ذلك فهي آمال كاذبة، روجها المروجون، وسار خلفهم الناس دون
دراسة أو فحص.. وقد وصل الأمر بالبعض إلى القول : "إن الرب عند مجيئه سيختطف
المؤمن ولو كان يمارس شراًً"!!.
ويا للشقاء.. عزيزي.. ألم يقل الكتاب
في (لو 12: 40) "فكونوا أنتم مستعدين، لأنه في
ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان". وهي وصية في صيغة الأمر. وإن كان الاستعداد أو السهر لا قيمة
لهما، لأن الرب عند مجيئه سيأخذ الجميع،
فما قيمة هذه الوصية؟. ولماذا نسهر أو نستعد إن كان هذا كالعدم وبلا قيمة؟!. وإن
كانت كلمة "جميعاًً" في
تسالونيكي الأولى متسعة هكذا، كما يتوهمون، فما هو لزوم الأمر الإلهي للجميع بالسهر؟
"وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهرا"
(مر13 : 37)، وهل من علاقة بين الجميع و جميعاً في (1تس4: 17)؟ أنا أعلم أنهم لا
يرون علاقة وهذا ما يجعل أقوالهم أوهاماً، لا أكثر..
عزيزي القارئ.. ها هو الحق بين يديك،
و لك أن تختار، وفي هذا الاختيار سيكون المصير. وعليك أن تعلم أننا قد ناقشنا كلمة
واحدة، وهي كلمة "جميعاًً"..
ورأينا مدى بُعد تفسيرهم لها عن صحيح التفسير.. وأما أقوالهم عن الكنيسة والضيقة، والأبواق،
والمجازاة.. و.. و... فهي مؤلمة للباحث، ومضللة للشعب المسكين الذي يسير خلفهم وهو
مغمض العينين.. ولكن شكراًًً لله، ها هي الحقائق تتكشف، ومحبو الحقيقة يتزايدون،
والدعوة إلى السهر تجد لها آذاناً صاغية، والطوبى ستلحق وتلاحق كل محب وحافظ
للوصية، والويل للجاعلين الظلام نوراً، والنور ظلاماً (إش5 : 20). الحكماء في أعين
أنفسهم. ولقد قالها قديماً الرب للشعب: "يا شعبي
مرشدوك مضلون.. قد هلك شعبي من عدم المعرفة" (إش3
: 12)، (هو4 : 6).
عزيزي
القارئ.. هذه الكتب أقترح عليك قراءتها :-
1- تفسير الرسالة الأولى على أهل تسالونيكي، للأب بولس الطرزي.. صدر
بلبنان عام 1983
2- كتاب "في مجيئه" : دانيال كارم.
3- كتاب "المجئ الثاني" دكتور براين.ج. بايلي.
4- كتاب "الكنيسة المجيدة" للكاتب
الصيني الشهير واتشمان ني.
5- "تفسير سفر الرؤيا" لابن كاتب قيصر، المكتوب في القرن
الثالث عشر.
6- "تفسير سفر الرؤيا" أدولف بول، وهو مجلد ضخم يستمتع القارئ كثيراًً عند قراءته
7- "شرح سفر الرؤيا" للكاتب
العلامة ليون موريس.. وهذه الكتب وكتب أخرى كثيرة تقدم لك ما يستحق أن
تلتفت إليه من دراسات متعمقة، بعيداً عن
السفسطة التي يتبعها بعض المفسرين..