أضواء على أحداث
الميلاد
المحرر
من يطالع قصة ميلاد مخلصنا، كما رواها البشيران
لوقا ومتى، قد يلتبس أمرها عليه فلا يمكنه استيعاب كيفية حدوثها وترتيبها. ففي قصة
الميلاد عند البشيرين، قد تختلط الأمور على القارئ فلا تتضح أمامه الكيفية التي
بها تُرتب الأحداث. وهنا بنعمة الله نتناول أحداث قصة الميلاد، التي جاء أغلبها في
إنجيل لوقا، لتكون سهلة الفهم لمن يريد معرفة هذه القصة العجيبة، وكيفية حدوثها،
مع إلقاء الضوء عليها، والتأمل فيها..
كما
يروي لنا البشير لوقا فإن البداية هي من مدينة الناصرة التي تقع في منطقة الجليل،
وإلى الشمال من مدينة أورشليم، وتبعد عنها حوالي مئة كيلو متر. في هذه المدينة
كانت تقيم العذراء القديسة مريم وكذلك يوسف الذي كان خطيباً لها، وكانا في انتظار
اتمام الزواج. وكلاهما كانا من سبط يهوذا، من بيت داود، وموطنهما الأصلي كان مدينة
بيت لحم.. أما العذراء مريم فلاشك أنها كانت تعيش حياة الطهر والعفة
والنقاء. وقد وصفها الملاك بـ "المنعم عليها" و"المباركة في
النساء".. وعندما بشرها الملاك بولادة المخلص، لم تعترض، ولكنها فقط
استفسرت منه عن كيفية حدوث حمل وولادة لها وهي لم تتزوج؟ فأجابها بأن ذلك سيتم
بفعل الروح القدس الذي سيحل عليها مطهراً ومهيئاً إياها، ومكوناً للجسد المقدس في
أحشائها! وسلمت العذراء في خضوع تام قائلة: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ا. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ»(لو 1 : 38) لقد كانت حقاً
إناءً مقدساً فاستحقت حمل هذه الأمانة العظيمة! ويقول عنها التقليد إنها عاشت في بيت يوحنا الحبيب، منذ أن سلمها له يسوع
وهو معلق على الصليب، حتى توفيت عن عمر ناهز الستين عاماً..
ويذكر البشير متى موقف يوسف النبيل من
حَبَل العذراء واصفاً هذا الرجل بأنه " بار" ، لأنه لما تشكك في
أمرها، أراد أن يتركها لحال سبيلها سراً، بدون الإبلاغ عنها حتى لاتنال عقوبة
الرجم.
أيضاً يوسف كان مطيعا لكل
أمر صدر له من السماء، منفذاً للأوامر الإلهية في صمت (مت 1: 24و25- 2: 13- 23)
وعاش حياته كلها خادماً للطفل الإلهي وأمه، وكان يعمل نجاراً لإعالتهما. ويقول عنه
التقليد إنه عاش حتى بلغ المئة عام، وقد مات لما كان عمر المسيح 16 عاماً..
يكمل
البشير لوقا روايته عن الميلاد، فينتقل بنا إلى مدينة بيت لحم (التي معناها بيت
الخبز) وهي تقع إلى الجنوب من مدينة أورشليم وعلى مسافة 12 كيلو متر منها، وهي
المكان الذي رتبت المشيئة الإلهية أن يولد فيه المخلص المنتظر.. لقد صدر
الأمر من أغسطس قيصر، الإمبراطور الروماني، بأن يُكتتب كل من يعيش في البلاد
الخاضعة للسلطة الرومانية. وهذا الأمر تطلب ذهاب يوسف ومريم إلى مسقط رأسيهما، بيت
لحم، لكي يُكتتبا. والحقيقة أنه قبل صدور الأمر الإمبراطوري بسبعة قرون، تنبأ ميخا
بأن بيت لحم هي المكان الذي سيولد فيه المسيح (مي 5: 2 ) إن " بيت الخبز
" هو المكان المناسب لميلاد "خبز الحياة " النازل من السماء
" ( يو6: 48).
إلى
هذه المدينة جاء يوسف ومريم، قادمين من الناصرة من أجل الإكتتاب أو الإحصاء.
ويالها من رحلة شاقة تُقدر بـ 112 كيلو
متر، ويالها من معاناة شديدة لكليهما. ولقد وجدا، بعد بحث شاق، مكاناً يستقران
ويستريحان فيه؛ إنه ركن في حظيرة مواش ملحقة بأحد المنازل! وذلك بسبب امتلاء
المدينة بالقادمين إليها من أجل الإحصاء. وفي هذا الركن الوضيع، حان موعد اكتمال
الزمان وتحقيق الوعد، إذ تمت أيام العذراء لتلد، فولدت ابنها البكر.. لقد أرسل
الله ابنه مولوداً من امرأة (غلا4: 4).. فتعالوا لنشاهد ونتأمل هذا المولود
العجيب، وقد قمطته أمه وأضجعته في المذود، إذ لم يكن لهما موضع في المنزل (لو2: 7
)
+ جاء المخلص في مظهر التواضع الذي فاق الوصف؛
رب المجد الجالس على كرسي عال ومرتفع، والملائكة تقف أمامه وهي تغطي وجوهها
وأرجلها، وتسبحه وتمجده!( انظر إش ص6) أليس عجباً أن نراه هكذا وقد صار المذود
سريره والتبن فراشه؟!
+جاء
المخلص إلى عالمنا من أجل خير وسعادة الناس بإنقاذهم من الهلاك الأبدي، ولكن لم
يجد في الأمة اليهودية من يستقبله أو يهتم به! إلا رعاة الأغنام الفقراء البسطاء،
الذين كانوا ساهرين على رعيتهم.عندما بشرهم ملاك الرب بميلاد المخلص، فذهبوا على
الفور ورأوا المولود المقمط المضجع في مذود ( لو2: 8- 18)..
+ أما
السماء فقد احتفلت بمجئ المخلص إلى عالم البشر، وتمثل ذلك في الجمهور السماوي المسبح
لله، فكانوا يرددون هذه التسبحة الخالدة:« الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وبِالنَّاسِ
الْمَسَرَّةُ» ( لو 2 : 14).
* أما
الزيارة الثانية فقامت بها العائلة المقدسة، من بيت لحم إلى الهيكل، بعد أربعين
يوماً من الميلاد، وهي من أجل طقس التطهير الذي كان لابد أن يتم حسب الشريعة
للعذراء مريم، وفيها يتم تقديم خروف، أو فرخي حمام (في حالة الفقر) (لا12: 8) وبعد
ذلك يحكم الكاهن بطهارة المرأة من نجاسة الولادة. وقد قدمت العذراء ويوسف تقدمة الفقراء، لأنهما كانا فقيرين. هكذا ولد سيدنا ونشأ في أسرة فقيرة، ولذا قيل
عنه:".. أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ
تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ" (2كو 8 : 9) بعد ذلك كان
لابد من تقديم يسوع للرب باعتباره بكراً، ويُقدم عنه خمسة شواقل لفدائه. وبذلك يصير
مقدساً ومكرساً للرب. ولقد عاش سيدنا حياة القداسة الكاملة والتكريس التام للآب
السماوي، وكان شعاره: «أنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ،
وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي» (مز 40 : 8)
* ويواصل البشير لوقا سرد أحداث ما بعد الميلاد،
والتي تتضمن زيارتين للهيكل في مدينة أورشليم: الزيارة الأولى كانت خاصة بالختان، وهي بعد ثمانية أيام من الميلاد،
حيث ذهب يوسف ومريم بالطفل إلى الهيكل من أجل ختانه وتسميته. وقد تمت عملية الختان
له، وسُمي " يسوع " ( يعني المخلص) بحسب
تسمية الملاك من قبل ولادته (مت1: 21).
لقد مارس أول طقس من طقوس الناموس، وهو الختان، لأنه ولد " تحت الناموس
" (غلا4: 4) وكانت بداية تطبيق الختان عندما أمر الله إبراهيم بأن يُختتن هو
وكل بيته وأن يطبق ذلك على كل ذكر ابن ثمانية أيام ( تك17: 12) ومن وقتها وعملية
الختان سارية على نسل ابراهيم..
* سمعان الشيخ وحنة النبية: هذان المسنان التقيان استقبلا يسوع ويوسف ومريم عند
دخولهم الهيكل، وهما يمثلان القلة الأمينة للرب في وسط جيلهم المعوج..
+ أخذ سمعان الطفل يسوع على ذراعيه وبارك
الله، طالباً أن يطلقه بسلام بعد أن رأى المخلص الموعود به. ثم نطق بنبؤات خاصة
بيسوع والعذراء، قال عن يسوع: " :«هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ
لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ
". فهو حجر صدمة وصخرة عثرة، ولكن من يؤمن به لايخزى ( رو9: 33) فالذين
سيعثرون به، هم الذين يسقطون، وسيكون المسيح "علامة" مقاومة
منهم، وستبلغ مقاومتهم له مداها بصلبه! ولكن من يؤمنون به لن يخزوا، لأنه سيرفع من
شأنهم. أما العذراء مريم فسوف يجوز في نفسها "سيف " هو سيف الألم،
وذلك عندما يُصلب ابنها في ما بعد..
أما حنة فكانت مثالاً لحياة التكريس للرب،
لقدعاشت أغلب عمرها الذي كان يزيد على المئة عام، في الهيكل، عابدة بأصوام وطلبات.
وكانت البداية عندما ترملت بعد زواج دام 7 سنين، وبعدها تفرغت لحياة العبادة في
الهيكل، وقد مضى على هذا الحال 84 عاماً.. فهذه وقفت تسبح الله على افتقاده لشعبه،
وتكلمت عن الصبي لجميع المنتظرين له، وعن الخلاص الذي سيصنعه.. لقد كانت حنة
كوكباً لامعاً أضاء الوسط الذي عاشت فيه!
وغادر يوسف ومريم ومعهما يسوع الهيكل، عائدين
إلى الناصرة، بعد غياب عنها دام أكثر من أربعين يوماً.. وعند هذا الحد يختتم
البشير لوقا فصة أحداث الميلاد العجيب! ولقد عادت العائلة المقدسة في ما بعد إلى
بيت لحم، حيث حدثت زيارة المجوس التي يرويها البشير متى، وكان قد مضى على ميلاد
يسوع نحوعامين( مت2)..
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
احذر
الشهوة المؤدية إلى الموت!
في رسالة يعقوب نجد هذا القول: " وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ
وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً،
وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا " (يع 1 : 14و15)..
هنا نقف على أُس تجربة الخطية وهو " الشهوة " فالشهوة إذا سمح لها الإنسان
بالدخول إلى قلبه والتفاعل مع مشاعره وعواطفه، فذلك يجعل النفس تلتهب شوقاً إلى
التلذد ببضاعة الشيطان المميتة، التي يعرضها مغلفاً إياها بجاذبية وبريق أخاذ.
وهذا هو المعبر عنه بالقول: " وَلكِنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ "
وعندما يحدث ذلك داخل نفس الإنسان، فهذا هو
معنى حدوث الحَبَل! الذي لابد وأن يعقبه ولادة، ويكون المولود هو " الخطية!"
التي لابد أن تنتج موتاً! ولكن ممكن للإنسان أن يقطع الطريق على الشهوة ولا يسمح
لها بالدخول إلى قلبه والتفاعل مع مشاعره، وبالتالي لايحدث الحمل للشهوة، الذي
يعقبه سقوط في تجربة الخطية، كما فعل يوسف الشاب التقي، صاحب العبارة الشهيرة التي
حفظتها له الأجيال: "
فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟ ». (تك 39 :
9)
عزيزي.. في إمكانك أن تتصدى لأي شهوة رديئة
تطرق باب قلبك، مهما كانت قوة جاذبيتها، وذلك إذا كنت مسلحاً بالسلاح الروحي الذي
به تقاوم إبليس، ولا تسمح له بخداعك، وعليك أن تضع في ذهنك أن تجربة الخطية مميتة،
لأن أجرة الخطية هي موت ( رو6: 23 )