لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي
يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ
(1كو18:6)
القس عطية كامل ...
سنبدأ من هذه العدد، أيها
القارئ العزيز، في دراسة وتأمل وشرح لبعض الآيات الصعبة، أو التي تبدو غامضة. تلك
الآيات التي يتخطاها الشُراح، ونادراً ما يتعرض لها الوعاظ. والتي غالبا ما يمر
عليها القارئ العادي، مروراً سريعاً. وقد يسأل ولا يقنعه الجواب... وانى أعدك أن
تكون الدراسة دقيقة والبحث متعمقاً، بقدر ما يمنحنا إلهنا الطيب من نوره الذي به
نرى نوراً. والذي له المجد الدائم الى الأبد آمين...
وآيتنا لهذه المرة هي الواردة في (1كو18:6) وتقول :
"اُهْرُبُوا مِنَ
الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ
الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ".
وبداية دعونا نقرأ هذه الآية المقدسة في ترجمات
أخرى، فهي مثلاً في الترجمة التفسيرية :
"اهربوا من الزنا، فكل خطيئة يرتكبها الإنسان هي خارجة عن جسده، وأما من يرتكب
الزنا فهو يسئ إلى جسده الخاص". وهكذا ترجمها مترجمو الترجمة العربية المبسطة
: "فتجنبوا الزنا، فكل خطية أخرى يمكن أن يرتكبها المؤمن هي خارج جسده، أما
الزاني فيخطئ ضد جسده هو". وفي الترجمة العربية المشتركة "اهربوا من
الزنا، فكل خطيئة غير هذه يرتكبها الإنسان هي خارجة عن جسده؛ ولكن الزاني يذنب الى
جسده" وبحسب هذه الآيات يكون مرتكب الزنا، مخطئاً ومسيئاً ومذنباً إلى جسده
الخاص. فما معنى هذا؟.
وفي الحقيقة لقد ميز الرسول بين خطية الزنا والخطايا
الأخرى التى يمكن ان يرتكبها المؤمن لأن كل خطية أخرى يفعلها الإنسان غير هذه هي
خارج نطاق جسده، بمعنى أن دائرتها خارج جسده. ولكن هذه الخطية تلوث جسده كله
وتهينه! فهي تنبع من الداخل، وتتجه الى الداخل، فالزاني يتلذذ ويستخدم جسده كله
علي خلاف قصد الله من خلق الجسد، كما أنه يلقي بالبذار الناقلة للحياة عشوائياً.
وقد يكون مسئولاً عن إحضار كائن بشري إلى الدنيا بطريقة غير شرعية، وفى وسط لا
يريده له الله. فالأمر كله ونتائجه هو ضد مشيئة الله الذي قالها وبحزم؛ "لا
تزن" (خر14:20) ولهذا كانت صرخة الرسول بولس المدوية : "اهربوا
من الزنا..!" أمراً هاماً في عالم انحلت أخلاقه..! ولكن يظل السؤال : ما
معنى قول الرسول "لكن الذي يزنى يخطئ؛ أو يسئ أو يذنب إلى جسده الخاص، كما
عرفنا؟ وعموماً كان الرسول العظيم قد ناقش في (1كو 12:6-20) تعليماً هاماً بخصوص
جسد المؤمن، موضحا ً الآتي :-
1- إن الجسد ليس للزنا بل
للرب ( الآية 13).
2- إن الجسد له قيامة، لأنه للرب
والرب له (الآية 14,13).
3- إن أجسادنا هي أعضاء
المسيح، ولا يجوز أبداً، بل وحاشا أن نجعلها أعضاء زانية (الآية 15).
4- إن من التصق بزانية صار معها جسداً واحداً (الآية 16).
ومن هذا نفهم أن أجسادنا لها القيامة، فقط لأن السيد رضي
أن يجعلها له " لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ
عِظَامِهِ"
(أف 30:5). وهذه الأجساد، التي تنازل السيد واشتراها، فصارت له. ليس من حقنا أن
نجعلها أعضاء زانية؛ وكل من يفعل هذا يكون قد أخرج جسده الخاص، وبإرادته الحرة، عن
كونه عضواً في جسد المسيح، جاعلاً منه عضواً لإمرأة زانية. وفي هذا يقول الرسول : "..
أو ما تعلمون أن من اقترن بزانية صار معها جسداً واحداً؟" (1كو16:6)
(ترجمة تفسيرية) فلا هزل هنا.. وبهذا يفقد الجسد حقه في القيامة. لأن جسد الزاني
يفقد عضويته في جسد المسيح، اذ صار متحدا ً بآخر.. ويقول الرسول؛ وبوضوح في (الآية
16) عن الزاني والزانية : "يكون الاثنان جسداً واحداً". ولأنه قد اتحد
بالزانية وصار معها جسداً واحداً، يفقد بذلك عضويته في جسد المسيح، فلا يقوم بل
يهلك في التراب إلى الأبد! وهذا هو معنى الآية "لكن الذي يزني يخطئ إلى
جسده".
وهذا
ما أوضحه الرسول تماماً في (1كو1:5-5) حيث نقرأ هناك عن جريمة زنا تمت؛ عندما عاشر
أحد الأخوة هناك إمرأة أبيه. ولم تتحرك الكنيسة في كورنثوس ضد هذا الزاني أو تطرده
من شركتها. ولما وصلت هذه الأخبار الشنيعة الى الرسول، غضب جداً لهذا الذي حدث؛
واستنكر كيف يقبل هؤلاء أن مثل هذا يحدث بينهم، دون موقف منهم، وهم الذين كان
ينبغي أن ينوحوا حتى يرفع الله من وسطهم الذي فعل هذا الفعل.. أما الحكم الذي
أصدره الرسول على هذا الرجل الزاني فهذا نصه : ".. أن يسلم مثل هذا
للشيطان لهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع".
وفي
هذا الحكم الإلهي نري حقيقتين هامتين :-
1-
إن جسد الزاني سيعطي للشيطان لإهلاكه!
2-
انه في يوم الرب يسوع ستخلص روحه فقط..
لأنه بالزنا أفقد جسده عضويته فى جسد المسيح، واذ صار هو
والزانية جسداً واحداً. فلا قيامة له لأن الرب يسلم بيده جسد الزانى للشيطان
لإهلاكه. وبهذا ستخلص روحه فقط في يوم الرب يسوع..
لأجل هذا حذر الحكيم كثيراً من الزنا، مهدداً الزاني
بالقول في (أم 11:5) "فَتَنُوحَ
فِي أَوَاخِرِكَ، عِنْدَ فَنَاءِ لَحْمِكَ وَجِسْمِكَ" لأنه عند مجئ الرب، وفى اللحظة التي سيكتشف فيها الزناة
فناء أجسامهم، سينوحون ولكن بعد فوات الآوان.. وقد تسألني عن الوضع الأبدي للزاني.
وهذا السؤال قد أجابه الرب في (رؤ 15:16) عندما قال : «هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ! طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ
وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَّلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ».
فهذا
الذي نام ولم يسهر؛ وتنجست ثيابه، سيمشي عرياناً عند مجئ الرب، فيروا عورته (حسب
الكتاب المشوهد) أو "يرى الناس عورته" (حسب الترجمة التفسيرية
والمشتركة).. وهذا ما سنتعرض له في بحث آت إن شاء الرب وعشنا