القس /
عطية كامل
تُعتبر الآية السابعة من الأصحاح الخامس في
الرسالة إلى العبرانيين ، والتي تقول عن المسيح له المجد ما نصه " الذي في
أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات للقادر أن يخلصه من الموت ، وسُمع له من
أجل تقواه " من الآيات التي يقف أمامها القارئ للكلمة الإلهية متحيراً ويسأل: لماذا يصرخ المسيح بشدة ويبكي دامعاً إلى
الآب لكي يخلصه من الموت ؟!، وأي موت هذا الذي أراد له المجد الخلاص منه ؟! ، وهل هناك
في دائرة الموت ما جعله يصلي كل هذه الصلوات ، ويصرخ كل هذا الصراخ الشديد وبدموع
، للنجاة منه ؟!، ثم لماذا كانت الإجابة مرهونة بتقواه ؟ لأن النص الإلهي يقول :
" ... وقد لبى الله طلبه إكراماً لتقواه " ( الترجمة التفسيرية ) أو
:" ... وسُمعت صلاته بسبب تقواه " ( الترجمة العربية المبسطة)
إن كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير ، من حق القارئ أن يسألها ، وواجب الشارح
أن يجيبه إجابة مقنعة بأدلة وبراهين واضحة ، ولاسيما أن المسيح لم يكن يصرخ بشدة
وتضرع طالباً بدموع أن لا يموت ، بل أن يُخلص ويخرج من الموت بعـــــد مــــــــــوته
، أو "يُنجى من سلطانه " ، حسب تعبير
أ. م . سيتبس ، في شرحه للعبرانيين . والنجاة من الموت تكون دائماً وأبداً
بالقيامة وفي هذا يقول الكتاب المقدس الدراسي :" إن الآب أنقذه من الموت
بالقيامة . وهذا ما يؤكده هاملتون سميث بالقول "سُمع له إذ أقيم من الأموات
". أما المستر . ف . ب هول فيقول: " ... أنه لم يُنقذ من الموت ، بل مات
فعلاً ، ولكن سُمع له بخلاصه من قبضة الموت بالقيامة " . أما وارين ورسبي
فيشرح النص قائلاً :" ... لقد كان يصلي لأجل القيامة من الموت ، وقد سمع الله
صلاته ..
وهنا
تظهر الحقيقة الصادمة ، وهي أن القيامة من الأموات كانت مطلب المسيح الهام والوحيد
من صلوات خاصة وسرية ، وهو لأجل هذا صرخ كثيراً إلى الآب وبكى بدموع سخينة ، وقدم
الطلبات والتضرعاتبأن يخلص من الموت ، ويقوم تاركاً
هذه الدائرة الكئيبة والمظلمة !. أما
المفاجأة فكانت أن قيامته من الموت كانت مرهونة بتقواه فقد استجاب الآب صلاته ،
وأقامه من الموت لأنه كان تقياً !!
إن هذه الآية ( عب 5 : 7) تكشف لنا السر العظيم وراء ثقة المسيح الشديدة ،
والتي تظهر في الأناجيل واضحة من جهة قيامته . فهو يقول لليهود مثلاً ، وهو موقن
ومتأكد ؛ " ... انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه ... " ( يو 2 :
19) . وكان يقول عن هيكل جسده ، كما يقول الكتاب فى ( يو 2 : 21 )
ومن هذه الآية ( عب 5 : 7 ) نعرف شيئاً لم توضحه لنا الأناجيل عن حياة
المسيح قبل الصليب والقيامة ، وهو صراخه إلي الآب ، وكان شديداً ، ودموعه وطلباته
وتضرعاته اليه ، لكي يقيمه من الموت . وقد استمر هذا كله حتى سُمع له ، وتيقن أن
الآب سيقيمه ، لا لأجل صراخه ودموعه و .... و .... فقط ، ولكن أيضاً لأنه كان
تقياً !! كما نلاحظ أن تقوى المسيح كانت من نوعية تعترف بها السماء ، لا تقوى
سطحية قشرية أو زائفة . وليس ذلك فقط ، بل نلاحظ أيضاًإن الرب له المجد، لم يقدم طلباً بل
طلبات، ولم يقدم تضرعاً ، بل تضرعات. وكان ذلك بصراخ شديد، وليس مجرد صرخة ودموع .
وواضح من النص إنها كانت دموعاً غزيرة !!
وهنا أقول : إن كان الإنسان الكامل لم يسلم نفسه للموت ، إلا بعد تيقنه من
القيامة . فمساكين أولئك الذين يظنون أن قيامتهم حتمية ، رغم كل ما فيهم من أمور ،
هُم أدري الناس بها !! .. نعم توجد قيامة للأثمة ( أع 24 : 15 ) . ولكني أتحدث هنا
عن القيامة من الأموات ، وهي ليست متاحة للكل ، لأن كثيرين سيمسكهم الموت إلى آخر
لحظة . أما المسيح ومن يشابهونه عملياً فلا ... ( أع 2 : 23 و 24 )
ولقد وضع الرسول بل وعرّف أن للقيامة شروطها ،
فكتب يقول ، وهو من هو بولس العظيم !! .. " لأعرفه ، وقوة قيامته ، وشركة آلامه
متشبهاً بموته ، لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات " ( فى 3 : 10 ، 11 ) . فبولس
العظيم لا يدّعي أن قيامته حتمية ، كما يدعي البعض ، بل رسم لنفسه ، بوحي من الله
، طريقاً طويلاً وشاقاً ، وعزم على السير فيه ، ثم يقول بتواضع:" لعلي ابلغ إلى قيامة الأموات !! " .. أه يا
بولس العظيم من قوم يقولون بقيامة أولى عامة لجميع المخلّصين ، وبلا شروطك يا بولس
ويا للاسف ..
وهنا أنقل ما كتبه
علم الرئاسة أبو اسحق ابراهيم ولد الثناء ، ابن صفي الدولة ، أبي الفضائل ، كاتب
قيصر ، العلامة (هكذ كتب اسمه أبناء جيله)
: " والذي كان ملماً باللغات القبطية والعربية واليونانية والسريانية
والعبرانية . وكتب في القرن الثالث عشر يقول : " ... لا يقوم في هذه القيامة
الأولى ، إلا أبرار الدعوة المسيحية فقط " كما قال : " هذه القيامة لا
يُدعى اليها الا الفائزون السعداء .. واكمل قائلاً : وأما من سواهم ، باراً كان أو
فاجراً ، فإنما يقوم في القيامة العامة "
فعجباً لكم يا من أخفيتم شروطاً وضعها الله للقيامة الأولى ، وجعلتموها
مسخاً يشمل الجميع ، مع أنكم تضعون شروطاً لم يضعها الله لكي ما يتقدم أحدهم إلى
مائدتكم وخبزكم المكسور . فمائدتكم لها شروطها ، أما القيامة الأولى والتي قال
فيها الوحي : " مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى " . فهي بلا
شروط ، بلا بوابة ، وأسفاه
!! .. وعن هذا ايضاً يكتب دانيال كارم
في شرحهلرسالتي تسالونيكي قائلاً : "
سيختبر البعض قيامة أفضل من البعض الآخر" كما يقول : " أراد بولس قيامة أفضل " (عب
11: 35 ) .أراد بولس ان يشارك في القيامة
الأولى وهذا أمر يتطلب الكثير من الجهد. كان يسعى نحو الهدف ، فلن يبلغ القيامة الأولى
المباركة أحد من الكسالى !! ( أنتهي كلام دانيال كارم )
عزيزي : إن صرخات الإنسان الكامل ودموعه وتضرعاته ، إلى جانب تقواه ، كانت
طريقه إلى قيامته الفريدة ، كما أن معرفة أكثر للمسيح وقوة قيامته ، ومشاركته في آلامه
، والتشبه بموته ، كانت طريق بولس ليقول فقط : " لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات
" . أما يوحنا حبيب المسيح ، فلقد طوب أصحاب القيامة الأولى ، كما وضع لها
شروطها في ( رؤ 20 : 4ـ 6 ) ولك أن تقرأها لنفسك ، لعلك تكون من الفائزين .. أمين
..