د. شهدي جاد
"
قد جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعى ، حفظت الإيمان . وأخيراً قد وُضع لى إكليل
البر ، الذي يهبه لي في ذلك اليوم ، الرب الديان العادل "( 2 تى 4 : 7 ، 8 )
من خلال هذه الآية ، عزيزي القارئ
أسأل سؤالاً بريئاً مع الرجاء أن لا تتسرع فى الإجابة إلا بعد تفكير عميق ، ودراسة
متأنية . وهذا السؤال هو : هل سيقف المؤمن أمام الرب كالديان العادل ، أم سيقف
أمام الرب للمكافأة؟ مع الوضع فى الإعتبار أن الآية موضوع تأملنا يوصف الرب فيها
كالديان العادل ، رغم إنه يعطى مكافآت ؟! وأنت تسأل كيف هذا ، ألم يقل الكتاب فى
(رو8: 1) " إنه لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع ؟ "
نعم ، وأن المؤمن لايأتي إلى دينونة ، بل قد انتقل من الموت الى الحياة . ولماذا
يذكر الكتاب أن المؤمن سيقف أمام الرب كالديان العادل ، ولماذا منظر الدينونة هذا
؟
أما من
جهة الآية السابقة فقد استُغلت من الكثيرين ، بل استخدموها كرخصة لحياة اللامبالاة
والتراخي وارتكاب أشباه الشرور ، بل وأحياناً الكبائر بحجة أن المؤمن لن يقف أمام المسيح كالديان إطلاقاً ، ولكنه
فقط سيقف لبعض الحسابات . ومهما كانت أعماله رديئة أو شريرة ، فلا خوف من ذلك ،
فالنعمة كفيلة بأن تغطي كل العيوب ، وسيُحرم المؤمن فقط من بعض الأكاليل ، لكنه فى
النهاية سيكون من العروس ، وسيجلس مع المسيح على العرش على أي حال !!
وبذلك
منحت لي هذه الآية مطلق الحرية ، وإستخدام حق الفيتو ضد أي أحكام تصدر عليّ ،
عقاباً على أفعالي المشينة، ولهذا تشجعني بطريقة غير مباشرة على الإستهانة بالخطية
وفعلها ! ألم يقل الكتاب : " القلب أخدع من كل شئ وهو نجيس ، من يعرفه
؟" ( إر 17 : 9 ) ... وقبل أن ندخل في تفسيرنا لهذه الآية ، أذكر القارئ
العزيز بحقيقة لابد أن تُوضع فى الإعتبار لدارسي الكتاب وهى : إنه من أخطر الأمور
على الإطلاق استخدام آية أو آيتين لتثبيت تعاليم أو عقيدة ،قد تكون سبباً في سقوط كثيرين !!.
على
سبيل المثال فى ( يو 3 : 17 ) : لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم ،
بل ليخلص به العالم ".. فلو فسرنا هذه الآية بنفس الطريقة الحرفية ، مثل
الآيات السابقة لخرجنا بنتيجة غريبة عن الحق الكتابي ، وهي أن الابن لن يدين أحداً
من العالم ، وأن كل العالم سيخُلص دون أي شروط . ولكن مع قراءتنا لبعض الآيات في
أمكان أخرى من الكتاب ، لإستقامت الأمور مثل :
·
" الآب لا يدين أحداً ، بل قد أعطى كل الدينونة
للابن "
·
" الله الآن يأمر جميع الناس فى كل مكان أن يتوبوا
... لأنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل ، برجل قد عينه ..
" (أع 17 : 30 ، 31 )
·
أما الآية التى تقول :" إذاً لا شئ من الدينونة الآن
على الذين هم في المسيح يسوع " (رو 8 : 1 ) فلكي يتمتع بها المؤمن ، وتنطبق
عليه ، هناك شرطان :
أولاً: أن يكون المؤمن في المسيح . وقبل ما تندفع وتقول : وهل
هناك مؤمن مولود من الله، لا ينطبق عليه هذا الشرط: إنه في المسيح ؟ . للأسف نعم وألف نعم !..
هل تستطيع أن تجيبني عن هذه الأسئلة ، وبضمير صالح قدام الله ؟
* هل كل مؤمن مولود من الله ، ولكنه أحب العالم الحاضرـ وهذا من السهل جدا
ًـ وبالتالي أصبح عدواً لله - كما قال الكتاب : " لا تحبوا العالم " .
فهل هذا يكون فى المسيح ؟. أو كل مؤمن بدأ بالروح ثم أكمل بالجسد ، هل يكون فى
المسيح ؟
أو هل كل مؤمن رافض أن يغسل رجليه بانتظام ، عن طريق كلمة الله ، وحكم الرب
عليه ، في حالة عدم غسل رجليه ، هو :" إن لم أغسلك ليس لك معي نصيب " .
هل هذا المؤمن يستحق أن يكون فى المسيح ؟ .
* هل كل مؤمن لم يقمع الجسد ويستعبده . وبهذا أصبح مرفوضاً ، هل يستحق أن
يكون فى المسيح ؟.
* ألم تسأل نفسك ، عزيزي القارئ : أن بولس الرسول الذي أختُطف إلى السماء الثالثة
، ما هي المؤهلات التي جعلت شخصاً ، وهو على الأرض حي يرزق ، يُختطف إلى السماء
الثالثة ، غير أنه في المسيح . فقد قال :" أعرف إنساناً فى المسيح "( 2
كو 12 : 2 )
ثانياً : وهو واضح وضوح الشمس : أن الذين لا شئ من الدينونة
عليهم ، لابد أن يكونوا " السالكين ليس حسب الجسد ، بل حسب الروح "
وهذا شرط أساسي أيضا . نعم عزيزي القارئ فمع تأكدنا أن الشرط الأساسي لغفران
خطايانا ، وربح الحياة الأبدية ، هو بالإيمان بكفاية عمل المسيح على الصليب ، إلا
أن هناك مؤهلات أخرى يحتاجها المؤمن وهو على الأرض .. وهو في طريقه إلى الأبدية ،
لكي لا تكون وقفته أمام كرسي المسيح مخزية ، وتدان أعماله أمام الرب الديان العادل..
لأجل ذلك يطّوب
يوحنا الرسول الأموات ، ولكن من نوعية خاصة ، وهم الذين يموتون في الرب ، ويكمل
قائلاً : نعم يقول الروح :" لكي يستريحوا من أتعابهم ، وأعمالهم تتبعهم
" ( رؤ 14 : 13 )
لهذا
يجب ، عزيزي القارئ ، أن تعرف وتتيقن تماماً من أن أعمالك وسلوكك سوف تقف بهما
أمام الديان ساعة الحساب ، نعم ستقف في ميدان الدينونة والحساب ، وستُمحص كل أعمالك
وتدان . ولن تجد لك منقذاً في حالة ثبوت التهم عليك وإدانتك ، وخسارتك لكل شئ ،
سوى اسمك المكتوب في سفر الحياة ، لأن الكتاب يقول : " سيدان الأموات ( وليس
بعضهم ) بحسب ما هو مكتوب فى أسفارهم كأعمالهم ( رؤ 20 : 12) لتذهب بعد ذلك إلى الأرض الجديدة ، حيث شعوب المخلصين . ويكون
الرب بهذا قد رحمك من العذاب الأبدي . وهنا تظهر كفاية عمل المسيح المخلص . ولكن
خسارتك ستكون مفجعة لأنك لن تكون من العروس ، والتي سيمشي شعوب المخلصين بنورها في
الأبدية !
طبعاً هناك شواهد
كتابية لا حصر لها فى كلمة الله أمام : لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى
المسيح ، لكي تنضبط الأمور ومنها : " لأن الله يُحضر كل عمل إلى الدينونة ،
على كل خفي ، إن كان خيراً أو شراً "(جا 12 : 14 ) .. و " بل قد أتيتم
إلى مدينة الله الحي ، أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة ، وكنيسة أبكار
مكتوبين في السماوات ، وإلي الله ديان الجميع " ( عب 12 : 23 ) .. نعم انه
ديان كل الأرض . ( تك 18 : 25 )
ألم
ينذر الرسول يعقوب المؤمنين ويحذرهم من السلوك المشين حتى أبسط الأمور الحياتية .
هناك شاهدان هما : " لا يئن بعضكم على بعض ، هوذا الديان واقف على الباب
" ( يع 5 : 9 ) .. " لتكن نعمكم نعم ولاكم لا، لئلا تقعوا تحت دينونة
" ( يع 5 : 12 ) .. نعم بل أن بولس الرسول يذهب أكثر من هـــــــذا مـــــنإنذار شديد
اللهجة إلى درجة التهديد من جهة المصير الأبدي ، قائلاً عن الأسقف وشروط رسامته
:" أن لا يكون حديث الإيمان لئــــــــــلا يتصلف . فيسقط في دينونة إبليس
" ( 1 تي 3 : 6 )
وهذه الآية قد تكون سبباً في قلق البعض ،
لما تحمله من إمكانية هلاك المؤمن المرتد . وبصراحة شديدة كنت أتحاشى الخوض فى هذه
المسألة .. وإني أسألك ، عزيزي القارئ :
ما هي دينونة إبليس ؟ لا تتسرع وتقول أنها الكبرياء ، لأنها خطية إبليس ، وليست
دينونة إبليس .. وبعد مراجعة عدة ترجمات أصلية وجدناها الطرح فى بحيرة النار
والكبريت ، وياللهول !!
ثم ألم ينذر أيضاً الرسول بولس كل من يزعج
الأخوة في غلاطية قائلاً : " ولكنني أثق بكم في الرب أنكم لا تفتكرون شيئاً
آخر، ولكن الذي يزعجكم سيحمل الدينونة أي مـــــــــن كان " ( غل 5 : 10 ) ( أي نوع من الناس) .. هل الرب
سيدين شعبه ؟ صدقني نعم ذُكـــــــرت في (
عب 10 : 30 ) " فأننا نعرف الذي قال لي الإنتقام ، أنا أجازي يقول الرب ،
وأيضاً الرب يدين شعبه "
عزيزي .. لن ينفع الندم بعد فوات الأوان
. دم المسيح هو الأساس لا جدال فى هذا ،
وهو الطريق إلي السماء . ولا يوجد ثمن لخلاصنا إلا هو ولكن الله قدوس ، وسيُحضر كل
عمل إلي الدينونة .. لأتتهاون ، ولا تيأس .. الطريق طويل ، والمعركة قائمة .. لا
تعط فرصة لاستباحة الخطية بحجة أنك لن تأتي إلى دينونة ، فهذا في منتهى الخطورة ..
جهادنا سيستمر حتى الدم ضد الخطية .. ولا تنس ، ولا يبعد عن بالك لحظة انك ستقف
أمام كرسي المسيح للمحاسبة .. !