د.شهدي جاد
الحق الكتابي الثمين هو الحافز الأساسي لحياة البر العملي ومخافة الرب ، وإنتظار العريس ، والهروب من العالم ، فيهب قوة حقيقية للتقدم الروحي ويرتفع بمستوى البشر الى فكر الله ، ويسعد في كل مرة إنسان الله ، كمن وجد غنيمة وافرة !
وعلى الجانب الآخر نجد من عنده الحساسية المفرطة من حقائق كتابية معينة ،
حتى أنه يرفض حتى مجرد الإطلاع عليها . وتضيع عليه فرصة العمر فى البحث المخلص ،
والذى حض عليه رب المجد نفسه قائلاً " فتشوا الكتب"
فمثلاً في موضوع الباكورة ، لا أجد مبرراً واحداً مقنعاً لرفض دراسة هذه الحقيقة
بإخلاص ، مع الأخذ فى الإعتبار انه من حقك الرفض، أو القبول ، ولكن بشرط أن تدرس
الرأي بإخلاص شديد..
ولا يخفى على أحد أن الأغلبية
يتساءلون، ولهم الحق ، أين الباكورة فى الكتاب المقدس . ولماذا تصرون عليها كل هذا
الإصرار ، وهل هناك من كلام واضح عنها ؟ .
دراستنا هذه المرة فى ( رؤ 14 ) ، والذي يعلن فيه الوحي بكل وضوح عن
الباكورة ، ومن هم ، ومكان وجودهم ، وزمان ظهورهم ، وترنيمتهم أمام العرش ،
وصفاتهم التى أهلتهم ، وكانت سبباً مباشراً وأساسياً لحصولهم على هذا المستوى . ثم نلاحظ
بعد ذلك تسلسل الأحداث من التحذير من السجود للوحش . ثم يُختم بالحصاد ، حيث ظهور
الرب الأخير ، وجميع مختاريه من كل الأرض ، وهم باقي المؤمنين من الكنيسة والذين
كان لابد لهم أن يجتازوا الضيقة ويكتووا بنارها !
ولكن قبل أن استرسل فى شرح عام لهذا الإصحاح ( 14 ) سأضع أمام قارئي
العزيز الرأي الأخر . وبصراحة، هو الأكثر حظاً في الإنتشار بين الدوائر المسيحية .
وبصراحة أكثر، كنا ننادي به إلى وقتٍ ليس ببعيد . ولكن قبل ما يفتح الرب عقولنا
وضمائرنا على كنوز الكلمة ، وعلى الحقائق الرائعة التى أخذت بأيدينا وأنقذتنا من
خسارة لا يمكن أن تعوض لو مضى بنا الزمن !
يقول أصحاب هذا الرأي ، ونحن نحترمهم، إن هؤلاء الباكورة فى أصحاح 14
وعددهم 144 ألفاً ، هم من اليهود ، وليسوا من الكنيسة ، فلا علاقة للكنيسة بهم ، فهم أنفســــــــــهم ال 144 ألفاً الــــــــــــموجودون
فى
( رؤ 7 ) ودليلهم أنهم نفس العدد ( 144 ألفاً ) وهم مقسمون
على 12 سبطاً . ويضيفون : إنهم
موجودون على جبل صهيون . وهو مرتبط بالأمة اليهودية لان جبل صهيون أرضي
والكنيسة سماوية ..
وبكل صراحة نقول : إن هذا التفسير مقبول من الناحية الشكلية فقط ، ولكن لو
تحاملت على نفسك : وتركت مدرجات المشاهدين ، ونزلت إلى أرض المعركة ، وفتشت
بإجتهاد فى كلمة الله ، لإكتشفت هذه الحقيقة الرائعة ؛ إن هناك إختلافاً كبيراً
بين أصحاحي 7 و 14 وبين نوعية ال144 ألفاً فى كلا الأصحاحين ..
ونبدأ المقارنة بسؤال عام : من قال لكم يا قوم وعلمكم أن جبل صهيون أرضي
ومرتبط دائماً باليهود ، ولا علاقة للكنيسة بذلك . وفى مصلحة من نعطي كل المواعيد
، في العهد الجديد ، لليهود الذين صلبوا رب المجد ؟. ألم تكلفوا أنفسكم مرة
وتقرأوا عن جبل صهيون السماوي المرتبط بالكنيسة ، بل مرتبط بالأبكار؟ إقرأ معي ما
يلي : " بل قد أتيتم إلى جبل صهيون ، وإلى مدينة الله الحي ، أورشليم
السماوية وإلى ربوات هم محـفـــل ملائكة، وكنيسة أبكار مكتوبين فى السماوات "
( عب 12 : 22 ، 23 ). هــــــــل لاحظـــــــــــــت كـــــــــيف أن كنيسة الأبكار على جبل صهيون السماوي ، هل
هناك وضوح أكثر من هذا الموضوع ؟.
أما عن أصحاح (7) فلا خلاف أبداً معكم أنهم يهود . ولكن ليس معنى أنهم نفس
العدد أن يصبحوا نفس النوعية . فهل ال 12 سبطاً هم ال 12 تلميذاً ، لأنهم يشتركون
فى نفس العدد ؟ . واذا دققنا فى المقارنة سنجد الإختلاف البّين بين أصحاحي 7 و 14
.
1- فى ص 7 خُتموا
على جباههم قبل أن يدخلوا الضيقة ، لكى لا يحدث لهم أي ضرر إثناء الضيقة ، ولكن فى
ص 14 لن يدخلوا الضيقة إطلاقاً ، بل سيقفون على جبل صهيون السماوي وأمام الشيوخ ،
وأمام العرش، والحيوانات الأربعة ، فلن يدخلوا الضيقة على الإطلاق . بل أن ترتيب
الأحداث يظهر وقفتهم قبل أحداث الضيقة العظيمة ، حيث سيظهر الوحش فى عدد(9) ، ثم
يأتي في النهاية الحصاد مع ظهور الرب . وهل في هذا غرابة أو تحميل لكلمة الله أكثر
من طاقتها ؟
2- لو دققنا فى
الألفاظ : نجد أن الوحي يسميهم " عبيد الهنا " وهى كلمة مرتبطة
باليهود . ولكن في ص 14 يسميهم الوحــــي " أبناء " لأنه يقول : إن اسم أبيه
مكتوب على جباههم ، لأنه لا يعود يسميهم عبيداً ، بل أنه نفس الوعد للغالبين في كنيسة
فيلادلفيا حيث
أن الرب وعدهم قائلاً :" من يغلب ، فسأكتب عليه اسم الهى واسم مدينة الهي
أورشليم الجديدة " ..
3- فى ص (7) لا توجد ترنيمة ، ولكن في ص (14) ترنم الباكورة بالقيثارات .
ولم يستطيع أحد أن يرنم هذه الترنيمة إلا هم . فهل لو كان هؤلاء من اليهود
سيترنمون بهذه الترنيمة ، وتُحرم كنيسة المسيح منها ؟ ولماذا كل هذا الإمتياز
لليهود ، وأين كنيسة المسيح من هذه الامتيازات ؟
4ـ الباكورة فى أصحاح 14 يقفون أمام العرش ، والشيوخ والملائكة والحيوانات
الأربعة. فهل هذا المنظر على جبل صهيون الأرضي، بأي منطق هذا ؟ ..
ولكن لا ننسى أنه في خضم هذه الدراسة الشيقة ، تأتينا الأسئلة المتكررة ،
والمقبولة من الناحية الشكلية : لماذا تقسمون الكنيسة إلى جزئين ، باكورة وحصاداً
، وكأن هناك امتياز للبعض دون الآخر ، وأين النعمة في هذا المجال ، ألم يقل الكتاب
: " النعمة التى يؤتى بها اليكم عند استعلان يسوع المسيح " . هذا
إلى جانب أننا كلنا كمؤمنين ، باكورة . وهذا امتياز حصلنا عليه بالولادة الثانية ،
ولا دخل للأمانة الشخصية بذلك . ألم يقل الكتاب " شاء فولدنا بكلمة الحق ،
لكى نكون باكورة من خلائقه ؟
" والرد في منتهى السهولة : وهل كل بكر حافظ على بكوريته ، وإن كان كذلك ، فلماذا ذكر الكتاب لنا أمثلة
حية لمن فقدوا بكوريتهم بسبب تهاونهم وإحتقارهم للبكورية . أليس هذا كُتب لإنذارنا
، وإن لم يكن كذلك فلماذا كُتب ؟ . ألم يسطر لنا الوحي عن ثلاثة نماذج من العهد
القديم فقدوا بكوريتهم مثل عيسو وإسماعيل ورأوبين ؟ . بل وأنذرنا بطريقة مباشرة
قائلاً في (عب12) " انظروا
لئلا يكون أحد زانياً أو مستبيحاً كعيسو الذى بسبب أكلة ، باع بكوريته
" ، وإن كان إسماعيل قد فقدها بسبب المزاح والألفاظ البذيئة ، فقدها عيسو
بسبب شهوة الأكل ، واحتقار البكورية . أيضاً فقدها رأوبين بسبب شهوة الجسد ، لأنه
صعد على فراش أبيه !!
فهل بعد ما ذُكر عن هؤلاء الأشخاص ، وأسباب فقدانهم للبكورية ، يساورنا
الشك في هذه الأمثلة . أما كل من يحتقر الباكورة ، فعندما أراد الكتاب أن ينذرنا ،
ذكر عيسو ، لأن خطيته هي الأكثر شيوعاً ، إذ يقول الكتاب عنه :" إحتقر
عيسو بكوريته !"
ماذا إذا ظن أحد أن هذه التعاليم تسبب الإنزعاج ، أقول : صدقني ظنك فى محلة
. فهذا ما قاله الكتاب بحصر اللفظ :" لئلا يطلع أصل مرارة ، ويصنع
إنزعاجاً فيتنجس به كثيرون، لئلا يكون أحد زانـــــــــياً او مستبيحاً كعيسو " . ثم لماذا يحــــذرنا الكـــــــــــــتاب بــــــــــــهذه
الطريقة الصريحة ، إن لم يكن هـــــــــــناك إمكان لفقدان البكورية ، وبسبب أخطاء
مرتبطة دائماً بالجسد ، من شهوة وألفــــــــــــــــاظ بذيئة ، وإحتقار للبكورية
..
ولا ننسى أن الكتــــــــــــــاب يـــــــذكر
لنا صفات عظيمة تميز بها هؤلاء الأبكار : فلم يتنـــجسوا مع النساء
لأنهم أطهار . وليس الهروب مـــــن الزنا الجسدى فقط ، بل وأيضاً الزنا الروحي
، مثل الهروب من تعاليم إيزابل التى تغوي عبيد الله أن يأكلوا ما ذبح للأوثان
ويزنوا ، ويقـــــصد به الهروب من التعاليم المنحرفة ، التى تستغل النعمة بطريقة
سيئة كفرصة للجسد ..
بل أن الرب يشجعهم ويحذرهم مـــــــن ذلك
قائلاً " اخرجوا منها يا شعبـــــــى ولا تمسوا نجساً فأقبلكم " أما
الباكورة فيقال عنـــهم "يتبــــــــــعون
الخروف حيثما ذهب " فــــلأنهم يتبعونه علـــــــــى الأرض كمسئولية ،
سيتبعونه فى الســـــــــــــــــــماء كإمتياز ، هذا الى جانب أن أفواههم لا تعرف
الكذب ، لأنهم بلا عيب قدام عرش الله ، لذلك اشتروا مـــــــــــــن الأرض باكورة
لله وللـــــــــــــخروف . ولاحظ ، لم يقل لله فقط
، ولكن لله وللخروف . وهذا
دليل على أنهم من الكنيسة .
عزيزى القاريء الكريم ، هل بعد هــــــــذا البحث المطول ، هل لديك أدنى شك فى
أنهم باكورة الكنيسة . هؤلاء الذين جاهدوا وكافـــحوا وانتصروا ، وتركوا لنا نماذج لأحسن
البشر الذين عاشوا على هذه الأرض .. وإذا كنت تظن أنها صفات تعجيزية وبعيدة عن
الواقع ، فان تاريخ الكنيسة وسجلها عبر العصور ، مليء بهذه النماذج المشرفة . ولا
يتسع المقام لذكر كل النماذج ، فالكنيسة ولاّدة، والتاريخ يشهد عن هؤلاء الذين لم
يكن العالم مستحقاً لهم ، إبتداءً من أغسطينوس ، وآثناسيوس وذهبى الفم ، مروراً
بلوثر ومودي وسبرجن وليليان تراشر ، نهاية بالأب متى المسكين . بل أن مصنع النعمة
الألهية لم يتوقف إطلاقاً فى أي عصر من إنتاج جبابرة " كلهم جبابرة
متعلمون الحرب وقابضون سيوفاً "( نش8:3)
ونصيحتي الأخيرة لكل دارس
أمين ، استغل هذه الحقائق استغلالاً حسناً ، فبدلاً من أن تنحني أمامها معلناً
العجز والفشل ، ادخل إلى أرض المعركة ، واعلن الجهاد . وبدلاً من أن تكون هذه
الحقائق ، كصدمة كهربائية تؤذيك ، استغلها كي تنير لك طريقك ..
إلى اللقاء