القس / ثروت ثابت وهبة
راعى الكنيسة الإنجيلية بالعباسية - القاهرة
|
يعتقد الكثيرون، ممن يقرأون سفر يونان
(وهو أسم عبري ـ يونة ـ ومعناه حمامة) أن يونان هو بطل القصة، لكن من يقرأ
بتدقيق، يرى أن البطل الحقيقي هو الله.. فهيا معي نرى لمحة من جمال وروعة الله في
هذا السفر :
أولاً
: الله هو إله مُرسل : "وصار
قول الرب إلى يونان بن أمتّاي، قائلاً : قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة، وناد
عليها، لأنه قد صعد شرهم أمامي" (يون 1 : 1).. مما سبق نفهم أن
الله مهتم بخلاص البشر جميعاً، في كل مكان وزمان، لذا يُرسل من ينادي عليهم
ليتوبوا ويرجعوا.. إنه إله مُرسل من أجل الخلاص والفداء. هو إله مُرسل، لأنه إله
الرحمة، يُسر بالرأفة أكثر من الهلاك والدمار، ومازال يرسل خدامه ليبحث ويفتش عن
الضال حتى يجده، ومتى وجده يضعه علي منكبيه فرحاً ويأتي به للحظيرة. إنه الراعي الصالح الحقيقي، الذي يريد
أن الجميع يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون.
ثانياً
: الله يحترم الإنسان ويقدره : "قم اذهب إلى نينوى وناد عليها" لله طرق كثيرة ووسائل
يصل بها إلى شعبه ليرجعهم إليه. كان ولا يزال يقدر أن يعمل بدوننا، لكنه في
احترامه لذاته ولنا، كخليقته، يُشركنا معه في عمله. من هنا ندرك أن الدور الإلهي
والإنساني يتناغمان، لا يتعارضان، كما يعتقد البعض. والدليل قوله ليونان "قم اذهب إلى نينوى وناد عليها". ومن قبل قوله لموسى
"هلَّم فأرسلك إلى فرعون لتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر"
(خر 3 : 10).. عندما يطلب الله منا أن نعمل في كرمه حسب مواهبنا، أنه يحترمنا
ويقدرنا ويشرفنا، إنه يشجعنا لنستثمر قدراتنا
ووزناتنا التي منحنا إياها حسب حكمته ورحمته، الله يحترمنا ويثق فينا، لذا
يأتمننا على كلامه. إنه يضع الحق في داخلنا وعلى أفواهنا لننقله ونزرعه في الآخرين،
فالحق لا يوجد فقط في بطون الكتب المقدسة، لكن فينا كبشر، ولا قيمة للحق إذا ظل
مكتوماً، لذا لابد وأن يُزرع حتى يثمر.
ثالثاً
: الله هو صاحب السيادة والسلطان، هو ضابط الكل :
"فأرسل الرب ريحاً شديدة في البحر، فحدث نوء عظيم في
البحر حتى كادت السفينة تنكسر" (يون 1 : 4).. هنا نرى الله
صاحب السلطان على الحيتان الكبيرة والصغيرة "فأعد
الله حوتاً عظيماً ليبتلع يونان"ـ حتى لا يهلك في البحر ـ ما
أعظم هذا الإله، حتى في وسط الغضب يذكر الرحمة، حتى ونحن هاربون منه يهتم أن يحافظ
علينا. فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، حتى أمر الرب الحوت بأن
يقذف يونان على البر. كما أن الرب صاحب السيادة والسلطان على عالم النبات والحيوان
"فأعد الرب الإله يقطينة، فارتفعت فوق يونان لتكون ظلاً
على رأسه لكي يخلصه من غمه، ففرح يونان من أجل اليقطينة فرحاً عظيماً، ثم أعد الله
دودة عند طلوع الفجر في الغد فضربت اليقطينة فيبست" (يون6:4-7)..
وهذا ما رأيناه بصورة واضحة في العهد الجديد في شخص المسيح "فتقدموا وأيقظوه قائلين يا معلم إننا نهلك. فقام وانتهر الريح، وتمّوج
الماء فانتهيا، وصار هدوء" (لو 8 : 24).. لا تخافوا فالله
سيد الطبيعة والتاريخ . إنه ضابط الكل، والكل ما زال تحت سيادته.
رابعاً
: إله المحبة والرحمة، والفرصة الثانية : "لأني علمت إنك إله رؤوف ورحيم، بطئ الغضب، وكثير الرحمة ونادم علي الشر"
(يون 4 : 8).. فالله ليس إله لشعب معين دون غيره. ليس إلها عنصرياً، لكنه إله الكل.
يشرق شمسه على الأشرار والأبرار، ويمطر على الصالحين والطالحين. إنه ليس إلها
متعصباً كيونان. إن سر عصيان يونان لإرسالية الله، إنه نبي متعصب لبني جنسه من
اليهود، مع أن الله وضح لهم من البداية وقال لهم : "ليس من
كونكم أكثر من سائر الشعوب التصق الرب بكم
واختاركم، لأنكم أقل من سائر الشعوب" (تث7 : 7). كما قال لهم
: "ألستم لي كبني الكوشيين يا بني إسرائيل يقول الرب؟ ألم
أُصعد إسرائيل من أرض مصر والفلسطينيين من كفتور، والآراميين من قير؟"
(عا 9 : 7) إن الله، بحسب هذا السفرـ من العهد القديم هو إله المحبة. فهو يحب
الإنسان، بغض النظر عن جنسه ، ولونه، ودينه. لم يشطب أي شعب من حساباته، لذا أرسل
يونان لشعب نينوى لأنه أب محب للكل، رحيم وصبور على الجميع، مهتم بخلاص الكل. ما
أروع رحمته ! إنه لا يعاملنا كما نستحق ، بل يشفق علينا. ما أروع حنانه ولطفه
بحياتنا.
إن حياة يونان
هانت عليه مرتين : عندما قال للبحارة : أرموني في البحر فيسكن عنكم، والمرة
الثانية عندما قال للرب : خذ نفسي لأن موتي خير من حياتي. ورغم ذلك فحياة يونان لم تهن علي الرب. إن حياتنا غالية عليه أكثر مما
هي غالية علينا. إنه يحبنا أكثر من محبتنا لأنفسنا . إلهنا هو إله الفرصة الثانية،
أعطى يونان فرصة ثانية للخدمة، وأعطى شعب نينوى فرصة ثانية للخلاص والتوبة..
خامساً
: الله هو إله الفرد والجماعة : إن الله بحسب سفر يونان كما يهتم بالمجموع،
يهتم بكل فرد على حدة. كما اهتم بخلاص شعب نينوى العظيم حوالي 120000 (مائة وعشرون
ألف نسمة وأكثر) (يون 4 : 10). أهتم بخلاص فرد واحد (يونان) وأعد حوتاً، لا ليعاقبه بل ليحافظ عليه
ويحميه من بطش البحر وأمواجه العاتية.. ما أكثر الحيتان التي يعدها الله لخلاصنا!.
إن الظروف الصعبة الضيقة التي نجتازها في بعض المرات، هي لخيرنا وخلاصنا، والحفاظ
علينا. فأشكر الله من أجل كل الظروف ولا سيما الصعبة الضيقة. يظهر في السفر أيضاً إن
الله هو إله الفرد والجماعة، فكما سمع لصلاة يونان، وقبل توبته كفرد واحد، قبل
صلاة وتوبة شعب نينوى بأكملها، من كبيرهم إلى صغيرهم (يون2 : 1) (يون5:3-10).
سادساً
- هو إله الفرح : "فأعد الرب الإله يقطينة، فارتفعت فوق يونان لتكون ظلاً على رأسه لكي يخلصه
من غمه، ففرح يونان من أجل اليقطينة فرحاً عظيماًً" (يون
4 :؟؟؟؟؟؟؟). أهتم الله أن يخلص يونان من غمه وحزنه. إن إلهنا الذي نعرفه ونعبده،
لا يهتم فقط بخلاص أرواحنا من الخطية، بل يهتم بخلاص نفوسنا من الحزن والغم
والاكتئاب والشعور بالنقص، كما يهتم بخلاص عقولنا من الجهل، وخلاص أجسادنا من
المرض. ويخطئ من يظن أن الله هو إله الغم والحزن والنكد.. يخطئ من يظن أن العبادة
الممتلئة من جو الحزن والبكاء أكثر قبولاً عند الله من العبادة المفرحة المنطلقة..
إن إلهنا إله فرح، وفرحه هو قوتنا. في محضره يهرب الحزن والتنهد، أمامه شبع سرور.
إنه إله الخلاص من الغم، إنه ليس ضد الابتسام والضحك، الناتج عن حبه وصفاء النفس،
ما أروع وما أجمل إلهنا. ليتنا ننفتح عليه أكثر، ونطيعه ولا نهرب من خدمته، فنتمتع
بكل جوانب شخصيته كما تعلمناها في سفر يونان..