د / شهدي جاد ..
أهلاً بك عزيزى القارئ فى لقاء جديد مع كلمة الله الجميلة! لقد تعودت مع القارئ العزيز، فى كل مرة، أن نلتقى مع مفاجأة من العيار الثقيل من كلمة الله!!
وبالحق أقولها، وبافتخار، كلما تفحصنا كلمة الله باحترام وتقدير شديدين، أعطتنا من بين سطورها حقائق مذهلة..! فضلاً عن تشجيعها لنا فى كل مرة على امتلاك أرض جديدة، واقتناصها من بين أنياب العدو الأثيم. فنفرح بها ونصدقها ونكرمها ونحفظها فى قلوبنا. ولا نرفضها ولا نساوم عليها، مهما كان المقابل من اكراميات وتقديرات زائفة تغذى الذات، وترتفع بسقف المطالب الجسدية..
لقد تعلمنا أن نقرأ كلمة الله فى روح الصلاة والخضوع، واضعين أمام أعيننا دائماً معلم المعلمين، وتركنا، بلا رجعة، أقوال الناس وتفسيراتهم التى تخدم مطالب الذات، من علم ينفخ، ومدح من الناس..
نعم زمان قرأنا آيات كتابية دون هدوء وانتظار رأى المعلم العظيم.. وكيف ننتظر الروح القدس، ولى مرجعية تجنبنى عناء البحث، إلى جانب الصدام مع حقائق كتابية، أنا فى غنى عنها، والتى بدورها ستقودنى إلى حرب شرسة مع الذات ومع العالم. وأنا فى حالة سلام زائف مع كل الأطراف، حتى لو خسرت أشياء ثمينة لا تقدر بثمن..! مش مهم.. أحيينى اليوم، وأمتنى غداً..!
زمان قرأت هذه الآية فى (رؤ15:16) "طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَّلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ".. وكنت دائماً أسأل : لماذا هنا يحض على السهر؟ ولماذا يحذر من عدم السهر؟ وهل هذا التحذير بجد أم مجرد تخويف؟ وإذا كنت كمؤمن مولود من الله، حسب رأى الأغلبية، لابد أن أكون ضمن العروس، وسأجلس مع المسيح على العرش ولكن المسيح يحذرنى فى هذه الآية قائلاً : "ان لم تسهر، ستمشى عرياناً" فهل من المعقول أكون ضمن العروس، وأمشى، فى نفس الوقت عرياناً، رغم أن الوعد للعروس يقول : "وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ" (رؤ8:19).
وكان رأى من علمونا، فى هذه الآية بالذات، أن المقصود بالعريان هو الذى سيحرم من الأكاليل فى الأبدية..
ولكن لما شببت شككت فى هذا الأمر. وبدأت أبحث باخلاص عن هذا السؤال : كيف يكون هذا المؤمن عرياناً فى الأبدية؟ لم تكفنى الإجابة السابقة، ولم تسد عطش بحثى المخلص فى كلمة الله. خصوصاً أنها إجابة غير مدعمة من كلمة الله بآيات كتابية واضحة..
ولكن بنعمة الرب سأضع أمام حضراتكم نتائج بحثى المتواضع فى كلمة الله عن هذا الأمر، ولتكن فى صيغة ثلاثة أسئلة:
* ما هو السهر وحفظ الثياب؟
* ما معنى كلمة يمشى عرياناً؟
* من هم الناس الذين سيروا عريته؟
أولاً : السهر وحفظ الثياب ؛ اليقظة ضد كل فكر شرير، تدريب الضمير أن يكون بلا عثرة، حفظ النفس من دنس الخطية. لأن كل خطية تترك بقعة سوداء على الثوب الأبيض الجميل، الذى حصلت عليه بالخلاص وبالنعمة.
ثانياً : سيمشى عرياناً ؛ معنى كلمة "عرياناً" أى مفضوحاً..!! تخيل شخصاً يكون عارياً، فهذا هو الخجل الذى حذر منه الرسول قائلاً : "لكى لا نخجل فى مجيئه" وكتابياً دائماً العرى يؤدى إلى الخجل (تك25:2).
ثالثاً : فيروا عريته ؛ من هؤلاء الذين سيرون عريته؟ فى الترجمة التفسيرية جاءت "يرى الناس عريته" ولكن نسأل : كيف يرى الناس عريته؟ من المؤكد أن هذا المؤمن الذى لم يحافظ على قداسته، وعلى نظافة ثيابه، ولم يسهر ضد الخطية واستباح الأمور العالمية، سيحرم من القيامة الأولى، ولن يقوم لملاقاة المسيح، وسيؤذيه الموت الثانى، لأنه لم يعش حياة القداسة (رؤ11:2) وذلك يمنعه من القيامة الأولى، ولكن بسبب دم المسيح، واسمه المكتوب فى سفر الحياة، سيقوم القيامة الثانية مع الأشرار، أمام العرش العظيم الأبيض..
سيقف وسط الناس الصغار والكبار، وعندما يُفتح سفر الحياة، سيخلص، ولكن كما بنار، وسيذهب مع الصغار من الأطفال ومن على شاكلتهم فى الإدراك، من عبايط ومجانين، إلى الأرض الجديدة فى الأبدية. ولكن وهو يقف أمام العرش، عندما تُفتح الأسفار (رؤ11:20) ستظهر أعمال الخزى والعار التى سلكها فى حياته على الأرض، وسيتعرى بسبب أعماله الخبيثة أمام الناس، ويرى الناس عريته! حتى أن كلمة "عريته" جاءت فى إحدى الترجمات "عورته" أى أعضاؤه الداخلية القبيحة!!
علشان كده يطوب يوحنا أصحاب القيامة الأولى قائلاً : "مبارك ومقدس من له نصيب فى القيامة الأولى، هؤلاء ليس للموت الثانى سلطان عليهم، أى لم يمنعهم من القيامة الأولى...".
أخيراً قد يقول معترض : أين هى الآية التى تقول أن العريان هو ذلك الشخص المحروم من القيامة الأولى؟ سأقرأ لك، عزيزى القارئ، النص الكتابى الخاص بذلك. وسأترك الحكم لك فى النهاية.. فى (2كو1:5-3) "لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ. 2 فَإِنَّنَا فِي هذِهِ أَيْضًا نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. 3 وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً".
وسؤالى لك، عزيزى القارئ، من خلال هذا النص الكتابى، من هو الشخص العريان إذاً؟ ستكون الإجابة : الشخص الذى لم يتمتع بالقيامة الأولى.
ولا ننس انه فى نفس النص يحرض الرسول على حياة التقوى والسهر قائلاً : "لِذلِكَ نَحْتَرِصُ أَيْضًا مُسْتَوْطِنِينَ كُنَّا أَوْ مُتَغَرِّبِينَ أَنْ نَكُونَ مَرْضِيِّينَ عِنْدَهُ. 10 لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا." (2كو10،9:5).
ولنلاحظ أن كلمة "كرسى" هى هى كلمة "عرش" كما فى كتاب الحياة – ترجمة تفسيرية..
مما سبق لابد أن نأخذ فى الاعتبار؛ أن القيامة الأولى مكافأة وليست هبة!! لو14:14 – فى11:3 – عب35:11). بالاضافة إلى أن من يموت تحت التأديب، بسبب التهاون فى الجسد. ولكن ستخلص الروح فقط فى يوم الرب، أى يوم العرش العظيم الأبيض..
أخيراً : أقولها لك، عزيزى القارئ :
لن ينفعك كلام أحد من الناس، يكفى الضحك على الذقون! اعرف تماماً أن الله عادل، ولن يتهاون مع من يتلاعب بالمقدسات. فمن يفسد هيكل الله سيفسده (يحطمه) الله! الأمر يا أعزائى يحتاج إلى ثورة، مثل الثورات التى قامت هذه الأيام، وغيرت الحياة، وقضت على الفساد، ورغم الدماء التى سالت من شهداء الثورة..! فالكل متفقون على أنه لا مفر من التضحية فى سبيل الحرية، والنصر المبين..!
ونحن نحتاج إلى ثورة ضد كل التعاليم التى رددناها على منابرنا، دون تغيير حقيقى ملموس فى حياتنا.. هذه التعاليم التى قادت الغالبية العظمى إلى حياة بلا هدف، وإلى الإرتجال فى فعل الشر المفضوح. دون أى ملامة من ضمير..
د. شهدي جاد ibrhimisaac@yahoo.com
م/ 0101274765