الإدانة فى إطارها
الصحيح
المحرر
هل من حقى أن أدين غيرى متى رأيت فيه ما يدعو إلى الإدانة ؟ . هناك من يرون أن إدانة الآخرين ، هى أمر يتعارض مع قول المسيح : " لا تدينوا ، لكى لا تدانوا، لأنكم بالدينونة التى بها تدينون تدانون ، وبالكيل الذى به تكيلون يُكال لكم " . ( مت 7 : 1، 2 ) .. هل يقصد الرب أن ينهانا تماماً عن توجيه اللوم أو النقد للآخرين ؟ وعلينا أن نصمت تماماً إزاء كل ما نراه من عيوب وأخطاء وخطايا ؟ .. بالطبع لا، فعندما نقرأ باقى النص من كلام المسيح يتضح لنا أنه لا يريد منعنا من إدانة الغير الذى يستحق الإدانة، ولكنه يضع شرطاً ضرورياً حتى يتسنى لنا توجيه نقدنا وتوبيخنا للمخطئين وهو أن نكون بلا لوم عندما نوجه نقدنا إلى غيرنا . ( وهذا سأوضحه أكثر فيما)
فالإدانة للشر مطلوبة وضرورية . والكتاب يحثنا
على ذلك فى نصوص كثيرة نذكر منها على سبيل المثال : " إنذاراً أنذر صاحبك ،
ولا تحمل لأجله خطية " ( لا 19 : 17 ) .. " ألستم أنتم تدينون الذين من
داخل .. فاعزلوا الخبيث من بينكم " ( 1 كو 5 : 12 ، 13 ) .. من أجل ذلك وبخهم
بصرامة ليكونوا أصحاء فى الإيمان " ( تى 1 : 13 ) .. فيجب على المؤمنين ،
جماعات وأفراداً ، التصدى للأخطاء والخطايا ، موبخين ومنذرين أصحابها ، وذلك بهدف
الإصلاح ..
والتصدى للشر قد يكون أمراً بالغ الصعوبة ، أو محفوفاً بالمخاطر ، كأن يكون
اللوم والتوبيخ موجهاً إلى شرور من هم فى مراكز الســــــــــلطة والنــــــفوذ . وهو
أمـــــــر يحتاج لأكبر قدر من الشجاعة الأدبية .. ومن
أمثلة الرجال الشجعان في الكتاب المقدس، الذين قاموا بدورهم فى هذا الشأن نذكر
إيليا النبى فى مواجهة شرور الملك أخاب ، ويوحنا المعمدان فى مواجهة شرور الملك
هيرودس .
أما كلام الرب يسوع الذى ينهى عن الإدانة ، فهو موجه إلى فئة من البشر ،
يجعلون من الآخرين هدفاً لتوجيه سهام نقدهم ، بينما يتجاهلون ما هم فيه من أخطاء
وخطايا . إنهم يجعلون عيوب الآخرين أمامهم ، وعيوبهم هم وراء ظهورهم . ولذا يقول
لهم المسيح :" ولماذا تنظر إلى القذى الذى فى عين أخيك وأما الخشبة التى فى
عينك فلا تفطن لها ؟ ...يامرائى أخرج أولاً الخشبة من عيتك وحينئذ تبصر جيداً أن
تخرج القذى مــــــــن عين
أخيك "(مت 7 : 3ـ 5). فالذى يريد إصلاح خطأ غيره ،عليه اولاً أن يصلح خطأ
نفسه . فليس من المنطق أن ألوم أخر على مابه من عيوب ، وانا لدىّ عيوب أكثر ،وفى
هذا الصدد يقول الرسول بولس :" لأنك فى ما تدين غيرك ، تحكم على نفسك .لأنك
أنت الذى تدين تفعل تلك الأمور بعينها"( رو2 : 1)
عندما جاء ناثان النبى برسالة من الله إلى داود،لكى ينبهه إلى ما اقترفه من
ذنب ،ويعلن له القضاء الإلهى الذى سيأتى عليه، فبدأ النبى كلامه مع الملك بقصة عن
الرجل الغنى الذى سلب نعجة الرجل الفقير،وذبحها من أجل ضيفه. وتخيل داود أن ناثان
يعرض عليه واقعة قد حدثت بالفعل ، طالباً حكمه فيها . فقال داود بغضب شديد :"
حى هو الرب ، انه يُقتل الرجل الفاعل ذلك ، ويرد النعجة أربعة أضعاف لأنه فعل هذا
الأمر ولأنه لم يُشفق ".وهنا أجابه ناثان بهدوء قائلاً :"أنت هو الرجل
!"(2صم 12 : 1ـ 7) لقد حكم داود على نفسه عندما أراد تشديد العقوبة على غيره،وانطبق
عليه ما قاله بولس فيما بعد :"لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك "
وإننا نجد رب المجد فى رده على المشتكين على المرأة التى
أُمسكت فى ذات الفعل هو :" من كان منكم بلا خطية ، فليرمها أولاً بحجر""
!"(يو 8 : 7) فهذا هو المبدأ العادل الذى
يتعين علينا الإحتكام اليه قبل أن نصدر أحكامنا بإدانة غيرنا . مطلوب أن تكون حياتنا
نقية طاهرة ، فى السر والعلن،حتى يكون من حقنا القيام بعلاج أخطاء وعيوب الآخرين
..
وحتى يكون علاج الأخطاء فى الإطار الصحيح ، فيجب مراعاة مايلى :
* أن يكون الدافع هو الغيرة المقدسة .(يو2: 17) ويُستبعد تماماً الدافع الخاص أو الشخصى .
حتى لا يكون الهدف تصفية حسابات خاصة .
* أن يكون الهدف هو الإصلاح ، وليس
مجرد توجيه النقد الجارح الهدام .(غلا1:6)
* أن يكون توجيه اللوم والتوبيخ
للمخطئ مواجهة ،وليس من وراء ظهره .(1تى20:5)
* من الأخطاء ما يتطلب مجرد توجيه
إنذار (1تس 5 : 14) ومن الأخطاء ما يتطلب التوبيخ الصارم .(تى 10 : 18 ) وهناك
خطايا تُعد من الكبائر ، وهذه لابد من التعامل معها بالإدانة المشددة ، التى تصل
على العزل من جماعة الرب .حتى يقدم المخطئ توبة حقيقية .(1كو 5 : 13 ) .. وهذا
الإجراء لابد أن تقوم به الكنيسة مجتمعة .
إذاً يجب التصدى لما نراه من عيوب وأخطاء وخطايا ، ولكن يجب أن يكون ذلك فى
الإطار الصحيح ..