دكتور القس / صفاء
داود فهمى
تمت
هذه الترجمة فى عهد بطليموس فيلادليفوس ، سنة 258 ق . م ، لأنه بينما كان هذا
الملك مهتماً بانشاء مكتبة الإسكندرية ، تقدم اليه " ديمتريوس " أمين
المكتبة بنصيحة وهى أن يحصل على ترجمة يونانية لكتاب اليهود المقدس ( العهد القديم
) ، فأرسل بطليموس وفداً
إلى " أليعازر " رئيس الكهنة لطلب نسخة من التوراة ، ومعها إثنان وسبعون
شيخاً من مشايخ اليهود ، ستة من كل سبط ، متفهمون فى التوراة ، وعارفون باللغتين
العبرية واليونانية . واستجاب " أليعازر " لهذا الطلب ، فأرسل الشيوخ ،
فحضروا حاملين معهم نسخة من التوراة ، مكتوبة بحروف عبرية مذهبة ..
وعند وصولهم استقبلهم الملك فوراً . وهذا
بخلاف ما كان متبعاً فى بلاط الملوك . وأقام لهم
ولائم لمدة ثلاثة أيام ، كان يسألهم فيها أسئلة صعبة ليختبرهم ، ثم اصطحبهم
ديمتريوس فاليريوس أمين المكتبة إلى جزيرة " فاروس " وهى جزيرة منعزلة ،
وأعد لهم قصراً فاخراً فى هذا المكان الهادىء ، بعيداً عن ضوضاء المدينة . فانجزوا
العمل فى اثنين وسبعين يوماً ..
ثم اجتمع
الشعب اليهودى كله . وقرأ لهم " ديمتريوس " من الترجمة ، فاستقبلوها
بحماس شديد ، وتوسلوا اليه أن يعطى نسخة لكل أرخن من جماعتهم . وبعد الإنتهاء
أُضيفت اللعنات على كل من يحاول تغيير أو حذف أو إضافة أى شئ.. ثم حُملت التوارة بعد ذلك إلى الملك بطليموس
، فأبدى دهشته ، واستحسانه . وسجد للمخطوط ! ،
وأوصى بحفظه فى المكتبة ، وأمر بأن يُعطى لهؤلاء الشيوخ هدايا ثمينة ..
ويضيف " فيلو "
الفيلسوف الإسكندرى ، فى القرن الأول ، بعض التفاصيل : فيذكر أن الشيوخ الإثنين
والسبعين ، الذين حملوا الأسفار المقدسة على أيديهم ، نظروا الى السماء ، سائلين
الله ألا يخيب مساعيهم ،فاستجاب لصلواتهم ، حتى ينتفع بها الناس فى توجيه سلوكهم
وحياتهم .
كما أن الملك نفسه ، الذى اهتم
بتكميل هذا العمل الجليل ، كان منساقاً بحكمة وحذق إلهيين . وأما الشيوخ الذين
قاموا بعمل هذه الترجمة ، فكانوا تحت الوحى الإلهى ، فنطقوا بنفس الكلمات والأفعال
، كما لو أن كل واحد منهم كان يصغى إلى ملقن داخله غير منظور يمليه ما يكتبه ! وتضيف بعض
التقاليد إلى القصة السابقة أن المترجمين اعتكفوا، كلُّ فى حجرة مستقلة ، وكانوا
يترجمون كلمات الوحى المقدس ، كلمة تلو الأخرى ، بإلهام إلهى . وتفليد آخر يقول
إنهم كانو إثنين إثنين معاً0 ومعهما كاتب .مما يعطى لهذه الترجمة شرعية،أو قدسية
معينة. وعلى وجه العموم ،فالحقيقة المشتركة فى تلك الروايات أن الترجمة تمت بناءً
على طلب الملك بطليموس ملك مصر ، لصالح المكتبة الملكية بالإسكندرية ، وأن اليهود الناطقين
باليونانية ، قد أخذوا نُسخاً منها لإستعمالها . وقد يكون ذلك فور الإنتهاء من
الترجمة ، أو بعد أن صار لليهود فى الإسكندرية نفوذاً أكبر ..
العائق اللغوى بين النسختين العبرية واليونانية
: ولا يخفى علينا العبء الكبير ، والمسئولية الخطيرة التى ألقيت على كاهل هؤلاء
المترجمين ، فهناك المصطلحات الخاصة بالله والعبادة فى اللغة العبرية . التى لا
مثيل لها فى اليونانية ، التى لا تحتوى إلا على مصطلحات العبادة الوثنية . كما أن
المترجم ، عادة ليس من السهل عليه التخلص من فهمه الخاص لنصوص التوراة ، ومشاعره
الروحية نحوها . ولعل فى قصة " سمعان " الشيخ ، الذى يقول التقليد عنه
إنه كان أحد المترجمين ، وإنه أراد أن يترجم قول إشعياء النبى " هوذا
العذراء تحبل " ( إش 7 : 14 ) إلى " هوذا الفتاة تحبل " لولا
أن ملاكاً ظهر له ، وطلب منه أن يكتب هكذا كما يقرأ ، وانه " لن يرى الموت
قبل أن يعـاـين " المسيح الرب " ( لو
2 :26) ولعل فى هذه القصة ما يبرز وجود بعض الإختلافات الطفيفة المتوقعة بين النسخة العبرية الأصلية ، والترجمة
السبعينية ..
وانتشرت
الترجمة السبعينية بين يهود الإسكندرية بالطبع ، ومنها إلى يهود الشتات ، حتى صارت
هذه النسخة هى النسخة المتداولة بعد ميلاد ربنا يسوع المسيح . وليس غريباً أن
نجد كُتّاب العهد الجديد يقتبسون منها
نصوص العهد القديم ، وكذلك معظم كتابات الآباء ، على أساس أن هذه الترجمة هى
المألوفة لدى يهود الشتات فى كل العالم . كما اقتبس منها
الكُتّاب اليهود مثل " فيلو " و " يوسيفوس " المؤرخ ..
الكُتّاب اليهود مثل " فيلو " و " يوسيفوس " المؤرخ ..
وهذا يوضح لنا
مدى الإجلال الذى أحاط به اليهود هذه الترجمة ، وإن كان هذا التوقير قد انقلب إلى
كدر كبير ، عندما وجدوا أن المسيحيين ، وكل أعداء اليهودية ، قد استخدموا هذه
الترجمة فى الجدال والحوار معهم ، فحاولوا أن يتنصلوا منها ، ويتمسكوا بالنسخة
العبرية التى جمعها " عزرا " مما دعى بعض الآباء الذين كانوا يجادلون
اليهود ، إلى أن يهتموا بالنسخة العبرية فقط ..