د. شهدي جاد
كلنا نتفق على أن التعليم السليم ينشئ تقوى
حقيقية ، هذا إلى جانب إنه يضرم مخافة الله فى القلوب المتضعة . ولا يوجد فى
الدنيا كلها أحلى وأجمل من أن نواصل الكلام عن أحلى كلام يعلمنى مخافة الله ،
وسُبل الإنتصار والخروج من دائرة الناس الذين ينقادون ويخضعون ، بلا مبرر منطقى ،
على إنكار حقائق مثل الشمس فى وضح النهار ، وموجودة بقوة على طول سطور الوحى
بعهديه،القديم والجديد. وتكاد الكلمات تنطق ..
ولست أظن أن هناك أصحاحاً واحداً فى الكتاب
يخلو من ذكر الباكورة . وهذا الفكر الإلهى ، والذى منه يريد الرب أن يكون له شعباً
غيوراً ، ساهراً ، محارباً ، من الغالبين . طرحوا العالم وراء ظهورهم ، واختاروا
السيد دون سواه . فلا يهمهم إطلاقاً التكاليف الباهظة .. والحق يُقال إنه من غير
المنطقى أن أكون غالباً لمجرد أننى فى المسيح ، فالوجود فى المسيح لا يمنع الهزيمة
ولن يمنعها . ولكن الذى يمنع الهزيمة هو إستخدامنا السليم للإمكانات المتاحة لنا
من وسائط النعمة ، وعدم الغوص فى النوم العميق ، بل السهر الدائم واصلاح المصابيح.
ولو أننى كتبت عن كل الإشارات لفكر الباكورة فى الكتاب ، فلست أظن أن العمر
نفسه ، مهما طال ، سيكفى لشرح نصوصها الوفيرة فى كلمة الله. ولكن على قدر الإمكان
سأتكلم عن النصوص الواضحة كالشمس ، والتى لا ينفع معها التأويل ، ولكن يتقبلها كل
قارىء ومفكر نزيه كما هى ببساطتها .. فيتعين علينا أن نحترم ونبجل ونقدر نصوص
الوحى ، وكفانا من وضع رؤوسنا فى الرمال !
هذه المرة نتأمل ( لو 12 : 43 ـ 48 ) يقول
الرب :" طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا ! بالحق أقول لكم
: إنه يقيمه على جميع أمواله "(ويالها من مكافأة !) . ثم يستطرد بعد ذلك ،
شارحاً ، لو أن نفس العبد أخطأ : " أما ذلك العبد الذى يعلم إرادة سيده ، ولا
يستعد ، ولا يفعل بحسب إرادته ، فيضُرب كثيراً " ويكمل :" ولكن الذى لا
يعلم ويعمل ما يستحق ، ضربات يضُرب قليلاً "
هل قرأت عزيزى
القارئ ، بتركيز شديد ، هذه الكلمات ؟ فهل من مصلحتك أن تساوى بين من
يفعل إرداة سيده ، وبين من لا يفعل ؟ .. يقول الكتاب ، لا أنا ، الغير مستعد سيضُرب
كثيراً ، طالما يعرف إرادة سيده ولا يفعل . وأين ستكون هذه الضربات ياترى ، إن لم
تكن إثناء الضيقة العظيمة ؟ وهناك تفاوت فى ضراوة وحجم الضربات داخل الضيقة : لأن
الله عادل جداً فوق ما نتصور ! فهناك من سيضُرب كثيراً ، وأيضاً هناك من سيضُرب
قليلاً ..
نعم ففى داخل الضيقة نفسها ، سيعطى الرب بعض المؤمنين الأمناء ، والذين
خدموا الرب بإخلاص ، ولكن كان عندهم بعض التجاوزات بسبب عدم علمهم بإرادة سيدهم .
سيعطيهم الرب حماية خاصة داخل الضيقة ، لأنه سيكون لهم موضع معد من الله لتعال
المرأة الهاربة من الوحش ، الفاً ومئتين وستين يوماً .( رؤ 12 : 6) ، وبعض
المؤمنين الجسديين ، والغير مخلصين تجاه الرب سيكتووا بنار الضيقة ، ومن الممكن أن
تصل بمعظمهم الأمور إلى الإستشهاد . ولكن سيخرجون من الضيقة بنجاح باهر ، لأنهم
غسلوا ثيابهم وبيضوها بدم الخروف ..
لأجل ذلك نجد وصية الرب للفريقين اللذين سيجتازان الضيقة ، الوصية
الواردة فى ( لو 12 : 36 ) :" وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من
العرس " . سيأتيهم الرب متأخراً ، راجعاً من العرس . ولهذا ليس غريباً أن لا
يحضروا العرس ، لأنهم غير مستحقين . يكفيهم الإختطاف الكلى فى نهاية الضيقة . ولكن
لن يكونوا من الباكورة التى على جبل صهيون السماوى .( رؤ 14 : 1)و(عب 12 : 22 ) .
إذ سيلحقون الركب ولكن فى نهاية الضيقة وينضمون لهم ..
هل بعد هذه الشواهد نعاند ونكابر فى هذه المسألة الواضحة ؟ وهناك سؤال
بديهى : لماذا نرفض الضيقة كمؤمنين ، ولماذا نورط الله معنا فى مبادئنا العالمية
الفاسدة ؟ فمن المستحيل أن يغير الله مبادءه التى عرفناها عنه ، فإلهنا المحب
الرحيم ، أبو قلب طيب ، هو هو نفسه الذى اقتحم عزة عندما أراد أن يسند التابوت ،
وهو نفسه الذى ضرب مريم بالبرص عندما تكلمت على موسى ، وهو هو نفسه الذى أراد أن
يقتحم موسى ويفتك به ، لولا فطنة إمرأته الحكيمة ، رغم مستوى موسى الروحى الذى لا
جدال فيه .. الله عادل وقدوس . ولا فصال فى ذلك ..
لماذا نصر ، وبطريقة غريبة ، أن نغير
مبادئ الله ، وننــــــــكر حقائق مــــــــــــــا أروعــــــــــها ،
ومبادئ ما أقدسها ..
ثم أن التاريخ الكنسى يذكر أن تعليم الإختطاف الكلى قبل بدء الأسبوع لم
يظهر إلا فى سنة 1830، وان كل آباء الكنيسة ، ورجال الإصلاح ، جميعهم كانوا يؤمنون
بأن الكنيسة ستعانى من ضد المسيح . هذا إلى جانب تفسيرات الآباء .. أرجوكم كفى هذا
العناد ، الغير مبرر ، والذى يقود إلى الطمأنينة الكاذبة ، وضياع ميراث عظيم ،
نجاهد من أجله ونصبو اليه ونتمناه ، كما تمناه بولس قبلنا قائلاً : " لعلى
أبلغ إلى قيامة الأموات " وحذر نفسه من ضياع هذا الأمل قائلاً :" لئلا
أصير أنا نفسى مرفوضاً "
ثم أن هناك صوتاً آخر فى كلمة الله من القديسين الذين قاموا من الأموات ،
بعد قيامة السيد ، وظهروا لكثيرين فى المدينة المقدسة .. أين ذهب هؤلاء ؟ وهل
رجعوا مرة أخرى إلى قبورهم ؟ وهل ظهروا بأجساد ممجدة أم مجرد خيال ؟!.. يقول بيكر
، " هؤلاء يعتبرون باكورة العهد القديم الأتقياء . فبعد أن تفتحت القبور ، وقت
صلب المسيح، قامت أجسادهم بعد قيامته مباشرة . نعم أقامهم ليكونوا كهنة فى الهيكل
السماوى..
ولا مجال فى أن هؤلاء القديسين هم باكورة العهد القديم من الغالبين ، وذلك
لعدة اعتبارات :
* أولاً : لأول مرة يصرح عن بعض الأشخاص بأنهم
قديسون ، مما يثبت أن التقديس كان ثمناً دفعوه لهذه القيامة المبكرة..
* ثانياً :
من كلام الوحى نفسه ، اذ يقول :" كثير من أجساد القديسين " ولم يقل كل
أجساد القديسين . ولماذا هم وليس غيرهم ، ولماذا هذه الميزة ، وهل هو اختيار
عشوائى دون أسس ومبادئ إلهية ؟!
* ثالثاً :
القول " كثير من أجساد القديسين " معناه إنه يتعلق بتغيير أجساد وقيامة
حقيقية ، وليس مجرد ظهور .. نعم عن هؤلاء يستشهد نفس الكاتب ، المشار اليه سابقاً
، (بيكر) برسالة العبرانيين 12 " بل أتيتم إلى جبل صهيون السماوى ، وإلى
كنيسة أبكار ومعها أرواح أبرار مكملين " . وهذه الآية توضح هذه الحقيقة كل
الوضوح..
ويرى القس صموئيل مشرقى أن هؤلاء المقامين من
الموت ، مع المسيح هم ال 24 شيخاً ، الذين رآهم يوحنا . ويقول أن عددهم 24 يعيد
إلى الأذهان الأربعة والعشرين كاهناً ، الذين كانوا يُختارون من العهد القديم
ليكونوا رؤساء ..
أخيراً يا
أحبائى ، الباكورة مستوى عالٍ جداً باهظ التكاليف . باختصار هو على مستوى المسيح
نفسه من الناحية الأدبية ، والأخلاقية والحياتية والروحية .. والوصول إلى هذا
المستوى ليس بالأمر السهل ، بل يحتاج إلى وقت فيه ننظر مجد الرب بوجه مكشوف ،
ونتغير الى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد ..
ولا تنس ما يقوله الكتاب عن مستوى العروس بأن لها مجد الله ولمعانها مثل
أكرم حجر اليشب البللورى . ( رؤ 21 )
عزيزى ، ضع
قدميك على بداية طريق الكمال والقداسة والتمتع بالمجد . لا تدع أحداً يعطل مسيرتك
نحو الكمال . فالمكافأة تفوق الوصف ! والمجاملات لا تنفع ، والخجل لا يشفع ،
والغرور لا يشفع . فليس هناك أدنى خسارة فى اتباعك للسيد .. احمل الصليب .. ضح بكل
غالٍ ونفيس .. ارفض ، وباصرار صوت الجسد ، الذى يريد أن يجرك إلى الخسارة الفادحة
.. سينفض الكل من حولك ، ومن تجاملهم ويجاملونك لن تسمع لهم صدى صوت .. وما أقسى
مرارة الهزيمة ، فالوقت لن يعود ، والفرص لن تتكرر .. خذ قرارك …