الفاحصون الشرفاء .. (أع1:17-12)
المحرر
لما كان بولس وسيلا يتجولان للكرازة بإنجيل المسيح، اعتادا أن يكلما اليهود عن المسيح، الذي تنبأت عنه كتبهم المقدسة. فكانت الخطة – حسب قيادة الروح القدس – أن يكرزا لليهود في مجامعهم، التي يجتمعون فيها للتعبد والتعليم، وكان بولس ضليعاً في معرفته بالأسفار المقدسة، وخاصة ما جاء فيها عن شخص ربنا يسوع المسيح..
ودخل بولس وسيلا إلي مجمع لليهود في تسالونيكى، وكان بولس يكلمهم عن المسيح الموعود به في الكتب المقدسة. واستمر بولس يكلمهم ويجادلهم ثلاثة سبوت. ولكن أغلبهم رفضوا كرازته عن المسيح، بينما قبلها قليلون منهم، وانضموا إلي الرسولين.
بعد ذلك انتقل بولس وسيلا إلي مجمع آخر لليهود في بيرية. وكلمهم بولس بكلمة الرب، كما كلم أهل تسالونيكى، وكان لأهل بيرية موقف مختلف عن أهل تسالونيكى، فلم يكونوا معاندين للكرازة، بل أظهروا استعدادهم لسماع كلمة الله، وتفسير النبوات الخاصة بالمسيح. ولذا قال عنهم الوحى المقدس : "وكان هؤلاء (أى يهود بيرية) أشرف من الذين في تسالونيكى، فقبلوا الكلمة بكل نشاط، فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا؟ فآمن منهم كثيرون". (أع11:17-12).
لقد وصفهم الوحي بـ "الشرفاء" لأنهم اهتموا بما سمعوه بخصوص ما جاء عن المسيح في النبوات، فأخذوا يفحصون الكتب المقدسة للتأكد من موافقتها لما جاء في كلام بولس عن المسيح. ونلاحظ أن هؤلاء اليهود داوموا علي فحص ما سمعوه، كل يوم، أي أنهم إذا أرادوا الوصول إلي الحق، فإنهم كانوا يجتمعون كل يوم، وليس كل يوم سبت فقط. واستمروا يفحصون الكتب، إلى أن توصلوا إلي حقيقة ما كرز لهم به بولس، وهو الاتفاق التام مع أقوال الكتب المقدسة والنتيجة أن هؤلاء الباحثين عن الحق بإخلاص، قد آمنوا بالرب يسوع، وقبلوه مخلصاً..
هؤلاء هم الشرفاء بحق، لأنهم سعوا للوصول إلى الحق، باذلين الجهد والوقت في سبيل الوصول إليه..
ومن موقف أهل بيرية نتعلم أن لا نستميت في الدفاع عن المعتقد الموروث، ونرفض كل فكر جديد، بل علينا بدلاً من ذلك أن نناقش ونفحص كل كلام مغاير لمفاهيمنا، لنري إن كان يستحق القبول أو الرفض، وليكن دافعنا إلي ذلك الإخلاص والأمانة في البحث عن الحق.. ولاشك أن الله يعلن حقه للباحثين عنه بكل إخلاص وأمانة..
وإني أعجب لبعض أصحاب المذاهب المسيحية الذين يرفضون الانفتاح علي "الآخر" متخيلين أن عقائدهم وحدها قد حوت الحق كله، ومن عداهم في ضلال بعيد!.. وهذا المفهوم الخاطئ الذي يري أصحابه إنهم وحدهم على حق، أما الآخرون فلا، ترتب عليه – مع شديد الأسف – انشقاق مؤلم في كنيسة المسيح..
عزيزي القارئ .. إذا كنت تريد حقاً معرفة الحق، كما جاء في الكتاب المقدس، وتكوين التعليم الصحيح للإيمان والسلوك، فإني أضع أمامك هنا نقطتين لمساعدتك في هذا السبيل :
(1) اطلب إرشاد روح الحق :
فهو الذي قال عنه الرب يسوع : "وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو13:16). فالروح القدس هو المؤلف الحقيقي للكتاب المقدس (2بط21:1). وإن كنت تريد الوصول إلي الحق كاملاً، فعليك أن تقرأ الكتاب بمساعدة مؤلفه، الروح القدس.. إن كلام الله أعظم بكثير من أن ندركه أو نفسره بعقولنا وحدها، بل لابد من مساعدة إلهية.. ليتك تصلي، طالباً من الرب بإيمان وبلجاجة أن يملأك بروحه ليعطيك الروح بصيرة وتعليماً وإرشادا إلي "جميع الحق" وليس جزءاً من الحق.. والمعرفة الجزئية للحق، هي من نصيب أولئك الذين يرفضون الاستعانة بالروح القدس، معتمدين علي ذواتهم فقط..
(2) ابحث باجتهاد :
هذا ما فعله أهل بيرية، إذ كانوا يفحصون الكتب كل يوم.. لقد داوموا علي فحص الكتب، حتي توصلوا إلي معرفة الحق، الذي كرز لهم به بولس، ولاشك أن ذلك تطلب جهداً ووقتاً كبيرين.
فعليك عزيزي أن تفتش وتنقب في كلمة الله، بلا كلل. كما فعل أهل بيرية في اجتهادهم من أجل الوصول إلي الحقيقة. أيضاً أضع أمامك قول الرب يسوع لليهود "فتشوا الكتب" (وليس كتاباً واحداً) فهذا يعنى أن الوصول إلي التعليم الصحيح يتطلب البحث في الأسفار المقدسة من أجل استخراجه. ولا مانع من قراءة بعض التفاسير المختلفة لكلمة الله. ولكن مع طلب الإرشاد الإلهي، لقبول ما هو صواب منها..
ولكن هناك من لا يريدون البحث عن الحق، الموزع بين أسفار الوحي المقدس. ويكتفون بنقل أفكار سابقيهم، ويقدمونها في أحاديثهم وكتاباتهم.. مع أن المطلوب منهم هو أن يطابقوا ما يقرأونه وينقلونه علي ما يقوله الكتاب بشأنه.. وكثيراً ما نجدهم يُخضعون كلام الله لعقيدتهم، وليس العكس، فيقومون بـ "تفصيل" كلام الله علي مقاس تعاليم البشر!
إن أهل بيرية لم يتسرعوا بقبول أو رفض ما سمعوه عن المسيح، بل تمهلوا فاحصين الكتب.. وبعد ذلك اقتنعوا وآمنوا، وهذا هو المطلوب منا، أن لا نتسرع بقبول أو رفض أي رأي آخر،الا بعد الفحص والتمحيص في ضوء كلمة الله، وبمعونة وهداية روح الحق..