حقائق ايماننا المسيحي
(الحلقة الأولى)
اسحق جاد اسحق ..
* ايماننا بوحى الكتاب المقدس :
نؤمن بالوحي اللفظي للكتاب المقدس, وانه كلمة الله المعصومة من الخطأ, وان الله اوحي لرجاله القديسين, فدونوا كل كلمة في الكتاب .. وقد استخدام الروح القدس في ذلك الاسلوب الخاص بكل واحد من كتّاب الاسفار المقدسه, فقادهم ووجههم إلي تدوين كل كلماتها انظر (2تي 3 : 16 و 2 بط 1 : 21) ومعني كلمة "وحي" اي انفاس الله, او عمل روحه في الرجال الذين كانو اواني للوحي المقدس.
والكتاب المقدس هو الدستور الوحيد الذي نبني عليه ايماننا, وعقائدنا, وعليه نضبط سلوكنا. ولا نقبل ان تضاف اليه تقاليد او تعاليم من وضع بشر, الا اذا كانت تفاسير او شروحات مستمدة من معلنات كلمة الله.
* ايماننا بوجود الله :
نؤمن بوجود الله، ونري ان ذلك امر بديهي, ولا يحتاج الي كثير من الادلة لاثباتة. فحقيقة وجود الله واضحة كل الوضوح, ولا ينكرها الا الجاهل, وفاسد القلب (مز1:14).
هناك علماء افاضل افاضوا في الكلام عن حقيقة وجود الله. ومن ضمن ما قيل في هذا المقام, هو ان لكل معلول علة, وعلي هذا المبدأ فان ما في هذا الوجود من اشياء عظيمة, هي تشهد لعظمة الخالق. فهذا الكون وما به من اشياء عظيمة, من مجرات هائلة, وما تحويه هذه المجرات من نجوم وكواكب (وارضنا احد هذه الكواكب) وهي تسير جميعها في منظومة رائعة, وتتحرك وفق ترتيب ثابت لا يتغير! وبذلك تشهد ليد الله الذي صنعها, فابدع في صنعها كما يقول المرنم! "السماوات تحدث بمجد الله, والفلك بخير بعمل يديه" (مز1:19) ويقول ايضا : "ما اعظم اعمالك يارب كلها بحكمة صنعت" (مز24:104).
ايضاً نجد الحياة علي ارضنا تشهد لعظمة الخالق, فارضنا بما تحويه من بحار ومحيطات شاسعة, وجبال شاهقة, وزروع واشجار خضراء ومخلوقات وكائنات حية متنوعة وعلي رأس هذه كلها الانسان, فهو تاج الخليقة, الذي سلطة الله علي اعمال يديه وجعل كل شئ تحت قدمية (مز2:8).
اما الإعلان الكامل عن الله فنجده في كلمة الله , فالوحي المقدس يحدثنا عن وجود الله كأمر بديهي, مسلم به, ويعلن لنا الكتاب المقدس عن طبيعة الله وصفاته ومحبته للإنسان ورغبته في ان تكون له به علاقة مباشرة. لان لذته هي مع بني ادم (ام31:8).
* طبيعة الله وصفاته :
نؤمن بان الله واحد, سرمدي (ازلي ابدي) يملأ الوجود بوجوده, لا يحده زمان او مكان. كمالاته مطلقة (اي بلا حدود) خالق كل الاشياء, والانسان, من العدم ... وهو ضابط لكل شئ ومسيطر ومهيمن علي كل شئ, وكل مجريات الاحداث في عالمنا والعوالم الاخري! لا يمكن رؤيته في جوهره لأنه روح (يو 1 : 8 , 4 : 24) ولا يمكن ادراكه بالعقل لأنه أكبر واسمي بما لا يقاس من عقولنا المحدودة! وهو ناطق, محب, سميع بصير, عليم بكل شئ!!
* وحدانية الله :
نجد الاعلان عن هذه الوحدانية في كلا العهدين, القديم والجديد. لذا فنحن نؤمن ان الله واحد لا شريك له. ولنا بعض الآيات الدالة علي هذه الوحدانية :
"اسمع يااسرائيل, الرب الهنا رب واحد" (تث4:6)
"انا الرب، وليس اخر. لا اله سواي" (اش5:45).
"بالحق قلت : الله واحد , وليس اخر سواه" (مر32:12).
"انت تؤمن ان الله واحد حسنا تفعل" (يع19:2).
* الله واحد في جوهره ثالوث في اقانيمه :
هذه الوحدانية. خاصة بالجوهر. وهي لا تقبل التجزئة او التركيب ... انها الوحدانية الجامعة, وليست المجردة, او المطلقة. لان المحبة والنطق والسمع والبصر, وهي من الصفات الايجابية التي في الله, لا يمكن ان تعمل إلا علي اساس الواحدانية الجامعة, اي التي تجمع الثلاثة اقانيم معا في جوهر واحد! ولكل من الاقانيم الثلاثه ذات الجوهر, ونفس الاسم "الله" والاقانيم الثلاثة, اي الاب والابن والروح القدس متميزون في الصفات والاعمال, مع وحدانيتهم في الجوهر .. وعلي مبدأ التمييز, فإن الابوة خاصة بالآب, والبنوة خاصة بالابن, والابنثاق خاص بالروح القدس. ولا يمكن الخلط في هذه الخواص, او التميزات, لانها صفات ذاتية ثبوتية. ومع ذلك فلا استقلال في عمل لواحد من الاقانيم عن الاقنومين الآخرين, بسبب وحدة الجوهرة ..
وحقيقة وحدانية الجوهر مع تعدد الاقانيم, تتلخص في هذا التعبير اللاهوتي القائل (ان الله موجود بذاته, ناطق بكلمته, حي بروحه, وهذا يعني اننا نؤمن بالله الواحد الذي له وجود ذاتي (الاب) وله عقل ناطق (الكلمة .. الابن يسوع المسيح) وله روح هي حياته (الروح القدس)
* الثالوث معلن في كلمة الله :
يعلن الوحي المقدس عن هذه الحقيقة في العهدين, القديم والجديد .. ولنذكر علي سبيل المثال بعض الشواهد الداله علي ذلك :
- يقول الوحي في (تك6:1) "وقال الله لنعمل الانسان علي صورتنا كشبهنا" (لاحظ صيغة الجمع).
- وفي (اش26:6) يقول : "ثم سمعت صوت السيد قائلا : من ارسل ومن يذهب من اجلنا؟" (لاحظ ايضا صيغة الجمع) وفي نفس الاصحاح نجد الساروفيم يسبحون الله قائلين : "قدوس, قدوس, قدوس, رب الجنود" (لاحظ التقديس الثلاثي للسيد رب الجنود)
اما في العهد الجديد فنجد ان حقيقة التليث معلنة بكل جلاء, ففي معمودية المسيح نجد الثالوث معلنا, فالابن خرج من الماء بعد ان عمده يوحنا, وقد انفتحت السماء ونزل الروح القدس مثل حمامة واستقر عليه والآب تكلم من السماء قائلا "هذا هو ابني الحبيب الذ به سررت".
_ وفي خاتمة انجيل متي يقول المسيح "وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس" (مت19:28).
- وفي البركة الرسولية نجد القول : "ونعمة ربنا يسوع المسيح, ومحبة الله (الآب) وشركة الروح القدس مع جميعكم".
- والرسول يهوذا يقول : "... مصلين في الروح القدس, واحفظوا انفسكم في محبة الله, منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح (يهوذا21:20).
* عقيدة الثالوث ليست ضد العقل :
لعل هناك من يعترض قائلا : كيف يكون الله الواحد ثالوثا؟ اليس هذا ضد العقل؟ .. فاجيب : ان هذا ليس ضد العقل, وان كان يعلو عن مستواه في الادراك! فاذا نظرت الي نفسك ايها الانسان ستجد انك مع كونك واحدا, الا انك ثلاثي ايضا فانت مكون من روح ونفس وجسد
فاذا قبلنا هذا الحقيقة عن الانسان المحدود, فماذا عن الله غير المحدود؟ ان كل ماهو خاص بالله فهو اعلي من ادراكنا. ومع ذلك فان عقولنا تسلم به , فمثلا هل نستطيع ادارك كيف يكون الله ازليا؟! كيف ندرك البدء الذي لا بداية له؟! وكيف نفهم ان الله يراقب مليارات البشر علي الارض في وقت واحد وكيف يتعامل مع افعال كل انسان علي حدة؟!
ان هذه الامور نسلم بها, دون فهم وادراك لكيفيتها, لانها متعلقة بالله, الذي نؤمن بانه صاحب الوجود المطلق, واللانهائي! ... وعلي هذا الاساس يمكن قبول عقيدة الثالوث كاحدي الحقائق المتعلقة بالله سبحانه, والتي تعلو كلها عن مستوى ادراكنا!!
وما اروع ما يقوله الوحي عن الله في هذا الصدد "الي عمق الله تتصل, ام الي نهاية القدير تنتهي؟ هو اعلي من السماوات فماذا عساك ان تفعل؟ اعمق من الهاويه, فماذا تدري؟!" (اي 11 : 7 و8 ).
ولنا تكملة في العدد القادم