مطلع سفر التكوين في ضوء العلم..
اسحق جاد اسحق ..
يقدر العلماء عمر الكون بعشرة آلاف مليون سنة، وعمر الأرض بخمسة آلاف مليون سنة، بينما عمر الخليقة منذ آدم هو ستة آلاف سنة (او يزيد قليلاً). وهنا يبدو لأول وهلة إنه يوجد اختلاف بين ما يقوله العلم، وما يقوله الكتاب المقدس.. فهل فعلاً يوجد اختلاف؟
الحقيقة إنه لا يوجد أي اختلاف، فعندما يقول الكتاب : "في البدء خلق الله السماوات والأرض" (تك1:1) فان هذا البدء غير مرتبط بأيام الخلق الستة، إنه بدء قديم جداً، وهو الذي يقدره العلماء ببلايين السنين. وهذا يتفق مع قول المرنم مخاطباً الله: " من قدم أسست الأرض، والسموات هي عمل يديك".
فعندما يقول الكتاب "في البدء خلق الله السموات والأرض" ثم يقول بعدها "وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة" (تك2:1) فان الآية الأولى منفصلة تماما عما جاء بعدها من أحداث الخلق، وعملية خلق السموات والأرض شيء، والخلق في الأيام الستة شيء آخر!
والعلماء يقولون أنه جاء على الأرض عصر جليدي استغرق مليون سنة، فأباد كل الكائنات الحية. وهذا ما قصده الكتاب بقوله : "وكانت الأرض خربة وخالية" وبديهي أن الخراب لا يأتي إلا بعد العمار ويجمع علماء الجيولوجيا على أن الأرض كان بها مخلوقات غير عاقلة، وقد أبيدت تماماً..
لقد خلق الله الكون بما فيه من أجرام سماوية. وخلق أيضاً الأرض، وخلق عليها كائنات غير بشرية، من أشهرها الديناصورات. وهذه كلها أفناها الصقيع الذي ساد على الأرض. وقد صارت الأرض خربة وخالية أو ( مشوشة) .. يكتنفها الظلام وتغمرها المياه!
ولكن وسط هذا المشهد الرهيب. يقول الكتاب : "وروح الله يرف على وجه المياه" وفى ذلك إشارة إلى الدور الذي قام به الروح القدس، من إعداد وتجهيز للأرض، وبعث الحياة فيها.. هذه هي عملية الخلق الجديدة، التي نقرأ عنها بعد ذلك تفصيلاً في الأيام الستة للخلق، والتي فيها أنجز الخالق أعمالاً عظيمة، ُذكرت مفصلة، حسب كل يوم بيومه..
وكانت البداية باليوم الأول، الذي فيه قال الله "ليكن نور، فكان نور" وفصل الله بين النور والظلمة، ودعا النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً".
وتوالت عملية الخلق على مدى الستة أيام، والتي كان آخرها خلق الإنسان في اليوم السادس..
ولقد هاجم النقاد المشككون في وحى الكتاب المقدس، رواية سفر التكوين عن الخليقة، وطعنوا في صحتها، اذ حسبوا أن خلق السماوات والأرض مرتبط زمانا بخلق آدم، الذي بيننا وبينه ستة آلاف سنة، بينما عمر الكون وعمر الأرض، يقدران ببلايين السنين.. وفي مواجهة هؤلاء النقاد ظهرت نظرية "الأيام الحقبية" من أجل التوفيق بين ما يقوله العلم وما يقوله الكتاب المقدس.. ويقول أصحاب هذه النظرية (وهم رجال دين) أن أيام الخلق الستة، هي ستة أحقاب طويلة جدا، تصل في مجملها إلي ما يقدره العلماء بآلاف الملايين من السنين..
ولكن التوفيق بين قول العلماء وقول الكتاب لا يكون بهذه النظرية التي لا يؤيدها النص الكتابي.. فالنص يقول، عقب كل يوم من أيام الخلق، وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً، أو يوماً ثانياً، أو يوماً ثالثاً..الخ حتى وصل إلي اليوم السابع فقال : "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله.. فاستراح في اليوم السابع" (تك1:1-2).. فكلام الكتاب واضح ومحدد في ذكره للمساء والصباح المرتبطين بكل يوم، مما يعنى أن كل يوم من أيام الخلق هو 24 ساعة فقط!
إن الأيام التي عرفتها الخليقة لم تتغير، لسبب بسيط هو أن الأرض منذ أوجدها الله، وهي تدور على محورها، دورة كاملة في مدى 24 ساعة، فهل كانت دورة الأرض أحقاباً، ثم تحولت إلي أيام عادية بعد ذلك؟!
كما إننا نجد قول الرب في الوصية الرابعة : "أذكر يوم السبت لتقدسه.. لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، واستراح في اليوم السابع" (خر8:20-11) ها هو الكتاب يؤكد أيضاً بكل وضوح (من خلال وصية حفظ السبت) أن أيام الخلق الستة، مع يوم الراحة السابع، تتماثل مع أيام الأسبوع الذي نعرفه. وفي ذلك تأكيد قاطع علي أن أيام الخلق هي أيام حرفية..
توجد ملاحظة لابد منها، لقد قيل أن الرب "صنع" السماء والأرض والبحر، وكل ما فيها.. أي أعاد تشكيلها من جديد، لتقوم بدورها في تهيئة الحياة علي الأرض للكائنات الحية، وعلي رأسها الإنسان. فكلمة "صنع" تختلف عن كلمة "خلق" التي تعنى "أنشأ من العدم" ......
ختاماً أقول : ليقل العلماء ما يشاءون... ليقدروا عمر الكون( أوالسماوات بحسب تعبير الكتاب المقدس) وعمر الارض، بالآف الملايين من السنين .. إن الوحي المقدس يستهل كلامه بالقول : "في البدء خلق الله السماوات والأرض" وهذا البدء هو في الماضي السحيق!.. انه بدء عصور وأحقاب ما قبل التاريخ!