القس
إكرام سمير
راعي الكنيسة
الإنجيلية بالقوصية- أسيوط
"
وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان ".. "رجل". وهذا اللقب
يدل على الرجولة الروحية في القوة والعزم، انه يشبه كالب بن يفنه الذى قال، عندما
تقابل مع يشوع: " فلم أزل اليوم متشددا كما في يوم أرسلني موسى " ( يش
14: 11) ،أي لدىّ نفس قوة الشباب حتى اليوم، بالرغم من تقدمه فى السن. والرجولة
الروحية أطلقت على كثيرين فى كلمة الله، أطلقت على يوسف فى المزمور(17:105)
"أرسل أمامهم رجلا بيع يوسف عبدا"، مع أن يوسف كان فتى فى السابعة عشرة
من عمره، وهذا اللقب أطلق أيضا على الفتية الثلاثة ( دا 12:3-25 ) . أن الله
يدعونا أن نكون رجالا "كونوا رجلا تقووا" (1كو16: 13) ،"لا تقل إني
ولد " ( إر1: 7 )
أولاً-
سمعان الرجل الصادق: هذا
الرجل من الشخصيات الفريدة فى كلمة الله.. ومعنى اسم سمعان "سامع"، وهذا
الاسم له دلاله رائعة، انه سمع وصدق وعاش بما سمع، ينتظر بكل إيمان تحقيقه .
كثيرون يسمعون، ولكنهم سرعان ما ينسون ولا يتذكرون .
ثانياً: سمعان وحياته :
يشهد عنه الكتاب شهادة رائعة بأنه " كان باراً تقياً " و"باراً
" تصف سلوكه أمام الناس. وتقيا تصف
حياته وعلاقته مع الله. من الرائع أن تكون هذه هى شهادة الوحى عن سمعان . والسؤال
الذى يطرح نفسه علينا اليوم كيف يرانا الناس؟ وكيف يرانا الله؟ أن حياة سمعان
الخارجية والداخلية كانت تشهد عن حياة مقدسة رائعة حياة تمتاز بالأمانة..
ثالثاً- سمعان الرجل المنتظر: من
الرائع أن يخبرنا الكتاب أن سمعان "كان ينتظر تعزية إسرائيل"،والغريب
أن رجلاً فى سن سمعان لم يكن انتظاره مثل باقى الناس الذين نراهم كل يوم الذين
لديهم انتظارات شخصية أن يعيشوا الأيام الأخيرة لهم بسلام وبدون أمراض أو أتعاب.
سمعان الشيخ كان مشغولاً وينتظر
لشعبه، كان مهموماً بأمته القابعة تحت العبـــــودية الرومانية والعــــــــــــــــــــبودية
الروحية..
لقد انقطع الوحى ولا يوجد صوت من
الله يسمع . كان الشعب جالساً فى الظلمة وظلال الموت، لذلك كان ما يشغله متى
سيفتقد الله شعبه ؟ كان ينتظر بإيمان تحقيق هذا الوعد، لقد تمسك بما أوحى إليه أن
لا يرى الموت قبل أن يعاين المسيح الرب وقد طالت السنيين، لقد كان إيمانه أقوى
وأكبر من السنيين، وأقوى من الظروف. وهنا نجد مقارنة رائعة بينه وبين إبراهيم فى
القديم، برغم إنه أخذ وعداً من الرب إنه بسارة سيدعى له نسل، ولكنه تحت ضغط زوجته
سارة وخوفه من الظروف وتقدمه فى الأيام، تزوج هاجر وأنجب منها ولم يثبت إيمانه
أمام الظروف!.
رابعاً- سمعان صاحب القيادة الروحية: من أروع ما كُتب عن
سمعان انه "أتى بالروح إلى الهيكل" ( لو 27:2) بمعني انه تحرك بالروح،
ولم يتحرك عشوائياً ، أوحى إليه بالروح، وتحرك بالروح، ووصل إلى ما كان ينتظره
بالروح، وامسك ما كان يصدقه بالإيمان ولمسه وحمله بالعيان. لقد وثق سمعان في الرب،
وتحرك عندما قاده الروح. ويقول الكتاب عن هؤلاء:" فكل الذين ينقادون بروح
الله فأولئك هم أبناء الله " من يعيش بالإيمان، سيتحول إيمانه إلى عيان. صدق
الرب الآن مهما طالت الأيام . ثق أن ما وعدك به الرب سوف يتحقق لا محالة، وسيتحول
إيمانك إلى عيان!
خامساً-
سمعان المصلي: من
الرائع بعد أن تحقق وعد الرب لسمعان، بدأ الصلاة المملؤة بالرجاء والسلام، صلاة
شكر. لقد بارك الله وقال "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لانى عينيّ
قد أبصرتا خلاصك الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب". لقد صلى صلاة نبوية فيها
رأى الخلاص الذى سيتحقق من خلال المسيح، بل رأى شمولية الخلاص وتحقيق وعد الله
لإبراهيم، انه فى المسيح ستتبارك جميع قبائل الأرض. لقد رأى الخلاص فى المسيح،
ورأى شمولية الخلاص أيضا. لقد أتى النور الذى سينير كل الشعوب، النور الذى سينير
كل إنسان قد أتى إلى العالم، لذلك قال الآن تطلق يا سيد عبدك بسلام ..
لاحظ
الكلمات الآتية : كلمة "تُطلق"، وهذا التعبير يتحدث عن
سفينة تفك حبالها للعودة إلى وطنها بعد رحله تجارة، تُطلق أيضا تتحدث عن خيمة تُفك
لان المهمة انتهت، والجنود سترجع للوطن. كلمة تطلق تتحدث عن عصفور محبوس داخل قفص
وجاء وقت الخروج من القفص ليحصل على حريته، ويطير فى الهواء وكان الجسد هو العائق
أمام سمعان ويصلى أن يتخلص منه.. لقد صلى وهو يدرك أنه أمام سيد كل الأرض. لقد كان
يدرك جيداً مع من يتــــــــــــــكلم، مع الله الـــــــــــــــقدير صاحب
السلطان
!
سادسا : سمعان صاحب النبوات المستقبلية : من
العجيب أن سمعان رأى تاريخ المسيح يُعرض أمامه. لم يتحدث فقط عن أشياء تحققت
بمجيئه، والمقاومات التي ستواجهه، لقد رأى الكتبة والفريسيين والكهنة يسقطون،
والعشارين والخطاة يقومون، لقد رأى المقاومة والآلام التي سيواجهها المسيح والحروب
والمؤامرات التي تُعد له . لقد رأى ما سيحدث للعذراء القديسة مريم، عندما ترى
ابنها يُهان ويصلب ويموت أمام عينيها! لقد أخبرها بكل ما سيحدث له ولها، ولتحفظ
هذا في قلبها حتى لا يتزعزع إيمانها. لقد انطبق على سمعان هذا القول الكتابي: "
سر الرب لخائفيه " لقد كان سمعان يخاف الله، أي يهابه ويخضع له، فحقق
الله ما وعد به. لقد حمل من يحمل هذا الكون، بل ورأى مستقبله وكأنه عاشه وهو في
الماضي، وكأنه رأى الصليب والقيامة والخلاص، الذي في المسيح يسوع !!.. صديقي
القارئ: أصلي أن تتشبه بصفات سمعان الشيخ، الذي كان يتمتع بالنضج الروحي، مصلياً
طوال حياته، منتظراً تحقيق وعد الرب له ..